والله أيام زمان (1-3) أشعار وحكاوي قديمة… الصبِى الخَتَا النقِيصَه باقى للمرحاكه ريسَه

الخرطوم ? محمد محمد علي منصور
ما لا شك فيه أن السلطان (على دينار) هو أول حاكم سوداني يبتدر كسوة الكعبة المشرفة، كان ذلك ما قبل التركية السابقة، وكان السلطان يُنْتَقَي لتلك المهمة جمل يسمى (المحمل) ، يأخذ كل سنة واحداً من كل قبيلة،كانت رحلة (الكسوة) تبدأ مطلع شهر جماد الثاني من كل عام، وتستغرق ستة اشهر لتصل إلى مكة المكرمة حيث الكعبة الشريفة.
ويحكى أنه كلما مرت القافله بقرية أو بادية أو مضرب يقابلها الناس بالدفوف والنوبة والطبل والطار ويتسابق الجميع فى اكرام مرافقي المحمل المنهكين خاصة وأن بعضهم كانوا يقطعون هذه المسافه راجلين،كانت تذبح لهم الذبائح ويعد لهم الزاد وتنهال عليهم الهدايا، إلى أن يصلوا وجهتهم فينخون الجمل ويأخذون من عليه ما حمل، ثم يُطلقون سراحه فيظل هائما على وجهه يأكل ويشرب ولا يذبح ولايباع ولا يعتدى عليه باعتباره فألا حسنا ومقدساً،ومنذ ذلك الزمن اصبح ما يحدث في فعاليات هذه الرحلة مضربا للأمثال فيقولون: “الزول دا، أمانه ما دَقَنْ فوق راسُو طِبُولْ”.
التركى يتْنَفَر علىّ
جدتي التي عاصرناها في القرن الماضي، وكنا حينها صغاراً فيما شارفت المائة عام ، عاصرت حكم الاتراك، وقالت: أنها كانت عروساً عند دخولهم البلاد، وأن بعض الرجال الذين تولوا ترحيلها بالمراكب عبر النيل من ضفته الشرقية إلى الغربية حيث (عش الزوجية) هي و رفقتها مجموعة من النساء والاطفال و الصبية، رفضوا أوامر الغزاة بالعودة إلى حيث أتوا، وظلوا صامدين وأ بلوا بلاءً حسنا ضد الطغيان، وكانت (حبوبة) تَحفَظ الكثير من الحكاوي والشعر و(الحكاوي) عن الاتراك، قالت: إنهم كانوا يأمروا الرجال الذين يرفضون التجنيد بالدخول حفاة عراة داخل شوك الكِتِر ويجبرونهم على اجتياز مجموعة متراصة من الأخشاب مثبت عليها حديد مُدبب يسمى (النُورَج ) تَجُرَه البقر لزوم جنى العيش والقمح والفاصوليا ، وأن من يتجرأ و يعصى اوامرهم ينهالوا عليه ضربا بالسياط وقد روت لى انهم كانوا يأمرون الصبية الذين يقاومونهم بالطحين بـ(المرحاكة) كالنساء، ولكن هيهات فقد قاومهم الشباب رغم ما لاقوا من مشقة و عَنَت، شَذ عن ذلك واحداً اسمه (مدني) وقبل بالطحين حتى أن امرأه أنشدا في (ذمه) قثيدة فقالت : “الجبل جبلا تَعِيسه/ فيهو ما لقينا المعيشة/ الصبِى الخَتَا النقِيصَة باقي للمرحاكه ريسَه/ الجبل جبلا تَعايِسْ فيهو ما لقينا المعايش الصبى الخَتا النَقَايِص مدنى فوق مُرحاكتو هَاِيِش).
حكاية الشباب
أما الشباب الذين قاوموا وصمدوا فقد مجدتهم الشاعرة بقولها: ” التركي يتنفر علىّ قالي قوم اطحن شِويِّة / الطحين عيباً علىّ وشِن اقول لَى أم البِنيّه؟/ التركي يتنفر عَلانا قالِي قوم اطحن عشانا/ الطحين عيباَ علانا وشِنْ نقول لأُمَاتْ جنانا). وإثر هذه الأشعار فر الشاب الذى قبل الطحن رفقة أهله من البلد ولم يُعرف لهم أثر حتى الآن.
الفي الديار رميتو
هذا الكلام كنا نسمعه دائماً عندما نجلس إلى جداتنا، و (الحبوبات) معروف عنهن أن لهن خيال واسع، وقصص يريوينها بلغة محببة وسرد ممتع يجعل الاولاد والبنات يقبلن عليهن ولا يفارقوهن أبداً.
ومن حكاوي الحبوبات وعلى طريقتهن القديمة: أن أحد السلاطين، و (ما في سلطان غير رب العالمين) كان عندو مال كتير وكان بيفتش على بِت سمحه يَعَرِسَا وكان عنده مرافق اسمو بِشاره لما يجِى يزور حِله، اُمهات البنات كل واحده كانت توسوس لنفسها بأن يمكن السلطان جايى عشان يشوف بتها.
في البادية
وصل رفيقه بشارة إلى البادية عشان البت السمحة اللي اسمها (النيتُو) وكان مُحَمَلا بالمال والهدايا وكانوا دائما كعادة البدو يفسحوا المجال لمن يأتى طالبا احدى البنات ليراها، وصل ولِقا النيتُو قاعدين يَمَشِطُوا فيها، عاين ليها من راسَها لى كُرْعيها ماعَجَبُو الحال نزٍّل ليهُم الهدايا ورجع. سأله السلطان قالوا شِنْ الاسم يابشاره؟ فرد بشارة قالوا:( السَجَميتُو والرمَديتُو والنَدَميتُو الاسم النيتو)، سأله السطان مجدداً قالو كيف وِشِ النيتو ؟رد بشاره : (مِتِلْ ود السُقُدْ اِنْ سكيتُو) وكيف شعر النيتو ؟(زى صوف كَدِيسَك البليتُو)، وكيف ضهر النيتو؟ ( متل مُطْرَاقَك الحَنَيتُو)، وكيف ايِد النيتو؟ (متل مُفْراكَكْ القديتو)، وكيف بَطْنَ النيتو؟ (متل كِرْتُوبَك الفِى الديار رميتو) وكيف التَحِلنَا من النيتو؟ (قالو مالك اِنْ سَريتْ خَليتُو
اليوم التالي