نُذر وتقارير.. موجات النزوح هل تعجل بالمجاعة؟

الخرطوم: بتول الفكي
مرت عقود على حدوث آخر مجاعة عصفت بالبلاد سبقتها أولى عرفت بمجاعة سنة ستة ،والتي تلتها مجاعة مابين عامي ٨٥ و٨٦ ضاقت البلاد وقتها مر العيش وشظفه ، حدثان مرّ عليهما زمن طويل إلا أنهما لا يزالان حديث كبير السن من الذين عاشوا تفاصيلهما يوما بيوم وساعة تلو الأخرى ..وثق بها الأهالي تواريخ المواليد حينها ، مما جعلهما سيرة بين الناس يذكرونهما كلما لفت نظرهم حدث مشابه أيقظ ما جال في خواطرهم ما حدث ، إلا أن الحديث عنهما في تلك الإيام ازداد بسبب ظروف البلاد الحالية التي يراها المسنون بأنها مقدمة لمجاعة ثالثة ربما تجتاح البلاد قريبا إذا إستمر الحال على ماهو عليه من نزاعات قبلية تتسبب في هجرة المزارعين وعمالة المشاريع للمدن وترك الأرض خلفهم بحثا عن الأمان والاستقرار ، حيث يدعم هؤلاء إلى جانب ارتفاع نسبة التضخم في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار ،وتخبط متخذي القرار وسماعهم التقارير المتكررة من منظمة الغذاء العالمية والأمم المتحدة التي تردد عبر وسائل الإعلام بأن ثلث سكان البلاد يعانون نقصا في الغذاء إلى جانب معاناة كيفية الحصول عليه بسبب ضعف القوة الشرائية وبل إنعدامها في العديد من أطراف المدن ،بيد أن لخبراء الاقتصاد رأياً يختلف تماما عما تذكره التقارير الأممية مع إقرار بوجود نقص في الغذاء والحصول عليه أيضا.
إغاثة ريغان
عام 1985 أغيث فيه الناس بمعونة ريغان كما عرفت نسبة للرئيس الأمريكي السابق ريغان الذي ارسل الدقيق والزيت لإغاثة الشعب السوداني كما دون في أغاني البنات وقتها بـ(سمونا النازحين.. وأكلنا عيش الامريكان. ..)، وكما ذكر أحد الذين عايشوا تلك الحقبة بأنه كان يافعا وقتئذ إلا أنه يتذكر ما حدث من عام الجفاف والتصحر الذي ضرب البلاد حيث لم تنتصر اي سنبلة على أسراب الجراد كما شاع المثل ،وفي روايته للحراك التي شابها بعض الحنين إلى الشباب رغم قساوة تلك الأعوام إنها فترة وصف بأنها محفورة في الذاكرة وكيف أنهم تركوا قراهم بمناطق كردفان التي كانت أكثر تأثرا مع ولايات دارفور الكبرى بسبب اعتماد الأهالي على الزراعة المطرية ولم ينزل المطر مما أصاب الأرض بالجفاف والتصحر ، العم الذي سرد تفاصيل أقرب لروايات لم يخفْ بأن الآباء والجدود في تلك الأيام عدموا البن نفسه وليس حقه مما جعلهم يلجأون لجمع فص البلح وقليها كحبات البن لتحضير القهوة .. إلى جانبه تخلى عن دراسته ليهاجر إلى العاصمة بل أطرافها ويرى بأن تلك الأسر التي هاجرت هي من وسعت الرقعة السكانية للخرطوم وغيرها من المدن التي هاجروا إليها وهنا قاطعته جدة احفاده وهي من عايش تلك الأيام أيضا وكيف كان الناس يصطفون طوابير يحرسها العسكر لصرف المعونة وسد رمق الجوع الذي اصابهم ، وارجعتني إلى الغناء الذي وثق أيضا إهانة العسكر بأن قالت ( اداني أم كف رجعني آخر الصف).. وكيف اضطرت الأسر النازحة لجعل بناتها يعملن بالمنازل لتوفير احتياجات الأهل من مستلزمات لا تتجاوز (سكر ، دقيق ،زيت ،صابون)
تقارير أممية
وبحسب تقارير منظمة الغذاء فإنمن المتوقع أن يواجه السودان احتياجات عالية للمساعدات الإنسانية حتى سبتمبر 2022 بسبب أزمة الاقتصاد الكلي، كما أدى المحصول دون المتوسط إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع القوة الشرائية للأسر، و وفقًا لتقرير شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة في آخر تحديث للأمن الغذائي. فإن حصاد القمح الشتوي في معظم المناطق المنتجة للقمح في شمال ووسط السودان من المتوقع أن تكون الغلات فيه أقل من المتوسط بسبب نقص بذور التقاوي المحسنة والأسمدة، وسوء صيانة قنوات الري، وزيادة تكاليف الكهرباء. ومن المتوقع أن يجري حصاد ما يقدر بنحو 600,000 طن من القمح المنتج محليًا هذا الموسم، أي أقل بنسبة 33 في المائة تقريبًا من إنتاج العام الماضي و13 في المائة أقل من متوسط الخمس سنوات. ومن المرجح أن يوفر الحصاد حوالي 23 في المائة من احتياجات السودان السنوية من القمح وفقًا لما أورده نظام الإنذار المبكر بالمجاعة.
وتقدر بعثة تقييم المحاصيل والإمدادات الغذائية بالإضافة إلى ذلك أن اجمالي إنتاج الحبوب لموسمي الصيف والشتاء ٢٠٢٢م يبلغ حوالي 5 ملايين طن متري، أي أقل بنسبة 35 في المائة من متوسط الخمس سنوات. ويشمل ذلك 3.5 ملايين طن من الذرة الرفيعة و 0.9 ملايين طن من الدخن من حصاد موسم الصيف ويقدر المحصول الوارد بـ 600 ألف طن من القمح الشتوي. وستوفر الحبوب المتوافرة المنتجة محليًا حوالي 67 في المائة من 7.6 ملايين طن من الحبوب اللازمة سنويًا.
استنكار
فيما استنكر الدكتور عبدالله الرمادي المختص في الشأن الاقتصادي حدوث مجاعة بالسودان تشبه مجاعتي عام ستة وعام ٨٥ بأعتبار أن السودان بلد زراعي يزخر بالخيرات وثروة حيوانية مستبعدا في حديثه للحراك حدوث مجاعات مستقبلا لكنه لم يستبعد أيضا حدوث ماسماه بالنقص في الغذاء مستشهدا بأن حاليا توجد أسر ليس باستطاعتها توفير الوجبات الثلاث لأبنائها لأن الرواتب نتيجة لارتفاع معدلات التضخم تآكلت القوة الشرائية له وأصبح لا يكفي لتوفير الوجبات الثلاث.. وأضاف الرمادي بأن حدوث موجات نزوح من الأقاليم التي يمتهن ذووها الزراعة فإن ذلك سوف يحدث ما يشابه المجاعة لافتا إلى أن هؤلاء الذين أجبروا على النزوع بسبب النزاعات كانوا أيادى عاملة بالزراعة في مناطقهم مما يمثلون بأنتاجهم إضافة للناتج المحلي الإجمالي وأيضا أضافة لصادر انتاجهم سلع تدعم الصادر منوها بأن هذا سيحدث ضررا بالاقتصاد ،وأشار الرمادي إلى أن النزوح المتكرر يعمل أيضا على تضخيم مشاكل المدن خاصة العاصمة المكتظة بأعداد كبيرة ،مؤكدا أن هذا يعمل على خلق هشاشة أمنية وضعف ماهو موجود من السيولة الأمنية والمهددات التي قال بأنها تكثر الفوضى والنهب بالاعتداء على البيوت والمتاجر بسبب النقص واحتياج الإنسان في هذه الحالات يفاقم عدم الاستقرار بحد تعبيره لكل من الأمني والسياسي والذي يعيق الاقتصادي الذي يشكل مردودا سالبا بانعكاسه على عدم قدوم المستثمرين الأجانب بل المستثمر الوطني لعدم الاستقرار بالبلد الذي يحجم الاستثمار كما هو حاصل الآن في كثير من ما حدث بالمنطقة الصناعية كاشفا عن اغلاق عدد من المصانع أبوابها بشكل نهائي بتوقيف خطوط إنتاجها مما أحدث انعكاسا سالبا بتسريح الأيادي العاملة ،منوها إلى ان ذلك يدلل على أن العديد من الأسر السودانية فقدت مصدر دخلها مما عمل على اتساع دائرة الفقر وادخلت أسرا بأكملها في خط الفقر في البلاد .
بيع الأصول
وأوضح الرمادي بأن هناك العديد من رجال الأعمال آثروا على بيع أصولهم والرحيل خارج البلاد حيث يتوافر الأمن والاستقرار ، وأقر بأن المناخ حاليا غير جاذب مما يعيق مخاطبة المستثمر الأجنبي للإقبال على الاستثمار بالبلاد في الوقت الحالي وأرسل الرمادي صوت نداء إلى السلطات بالتسريع في إخماد ما وصفها بالحرائق والعمل بقدر الإمكان على إقناع أمواج النازحين عبر قياداتهم ومشايخهم من عمد ونظار بتوفير أسباب انشغالهم بالإنتاج بدلا عن الصراع على ما أسماها بالأمور الجانبية مما تجعلهم يقلعون عن الإنتاج وتعطيلهم ، داعيا إلى تعقب الذين أعتدوا على المال العام بأحراق مباني بكسلا وغيرها من المدن ومعاقبتهم حتى لا يتكرر الأمر حال اختلاف أي طرف مع آخر يذهب لحرق نقطة أو أي مبنى حكومي مما عداه الرمادي فوضى مسميا الحكومة بتحولها إلى الضلع الأضعف مما تمتد إليه كل الأيادي بالتخريب كما يحدث بالشارع أيضا نافيا أن يكون أي ضرب من ضروب التخريب له علاقة بالوطنية والكفاح لأجل الوطن كما يحدث من تدمير للشوارع وخلع الإنترلوك وتحطيم إشارات المرور ماهو إلا عبث بل يرى أن يكون هناك من يراقب من الشرطة لمعاقبة المخربين للحق العام ويجب أن تحسم بصرامة لأن هذا ليس من الوطنية مهما ادعوها ولم يستبعد وجود مندسين بين الثوار يجب إيقافهم دون تساهل لمنع تدمير البلاد مما يعمق مشاكل وأزمات الشعب السوداني.
عراقيل
ورغم سعي أول حكومة للثورة لسد فجوة مسببات الفقر لتفادي حدوث مجاعة وقعت الحكومة وقتها عدة برامج دولية وأممية لتوفير نقد أجنبي يحول لدعم مباشر للأسر التي كان من بينها برنامج ثمرات المقدم من بنك النقد الدولي بصدد تخفيف آثار روشته القاضية بتحرير السلع من وقود وقمح ، حيث قدم ثمرات دعما مباشرا لعدة أشهر والذي كان من المتوقع له استهداف حوالي ٨ملايين نسمة ببقاع السودان المختلفة إلا أنه لم يستمر بسبب إنقلاب ٢٥ أكتوبر والذي تسبب في ايقافه وايقاف كل المنح والمساعدات النقدية الخارجية التي كان من المقرر أن تصل على دفعات ،ومن خلال الملتقى الذي عقد قبل أكثر من شهر ذكرت مفوضية الأمان و خفض الفقر على لسان مفوضها العام ذكر حينها د/عز الدين الصافي بأن المفوضية لديها استراتيجية تعمل على خفض معدلات الفقر من خلال وضع السياسات والتنسيق ورسم الخرائط لتوضيح المناطق الأكثر فقرا من خلال عمل مسح قاعدي للفقر للوصول إلى بيانات أكثر دقة من خلال مشروعات سبل كسب العيش التي عدلت لمشروعات مجتمعية منها محطات المياه في مناطق قرى الولايات والاكثر حاجة،
إلا أن الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد زادت نسبة الفقر مما جعل البعض يتخوف من حدوث مجاعة ثالثة بالبلاد ،خاصة إن هناك ولايات حاليا تعاني نقصا حادا في الغذاء من بينها عدة إداريات بشرق السودان في كل من طوكر وسواكن على الرغم من حديث المفوض العام لمفوضية الأمان وخفض الفقر بأن هنالك برنامجا بتمويل من المانيا الإتحادية وأشراف أممي يستهدف حوالي٥٠ ألف سيدة حامل بشرق السودان في كل من البحر الأحمر وكسلا وذلك منذ فترة الحمل وحتى الولادة رعاية صحية ومراقبة حتى بلوغ المولود لعامين ونصف العام فهي أكثر معاناة وفقا لدراسة قامت بها المفوضية.
توافق
من جهته وأفق خبير الشأن الاقتصادي د/محمد الناير رصيفه د/الرمادي بقوله بأن السودان لن يجوع واصفا في كلمته للحراك بأن الأمم المتحدة تتحامل في تقاريرها على البلاد وذات أبعاد سياسية قائلا بأن من المفترض أن تتطابق تقارير الأمم المتحدة مع تقارير الجهات الرسمية والمعنية التي تصدر بالبلاد من وزارة الزراعة وغيرها بيد أنه ذكر بأن السودان لديه موارد طبيعية ضخمة إذا استغلت بالكامل يمكن أن يغذي منها السودان الوطن العربي والكثير من بلدان العالم بتوفير الغذاء دوان ان يعاني هو بالداخل من نقص الغذاء، لكنه لم بستبعد معاناة السودان في الوقت نفسه مرجعا سبب المعاناة لتنفيذ الحكومة روشتة بنك النقد الدولي التي أدت إلى رفع أسعار السلع والخدمات بصورة يعتبرها الناير بحسب متابعته للوضع اقتصاديا بأنها قد تكون سببا في عجز اعداد مقدرة من المواطنين بالبلاد نسبة لوجود مابين ٦٠٪ و ٨٠،٪ تحت خط الفقر وهي فئات قد لا تستطيع أن تجد المال لشراء الغذاء وهو ما يصفه الناير بالقضية المختلفة تماما عن وجود مجاعة أو شح في الغذاء أو غيره من الأشياء الأخرى مسميا ذلك بقصور الدولة التي لم تشكل حماية للمستهلك بصورة أساسية ولا تعمل على تشجيع المنتج بخفض تكاليف الإنتاج التي أصبحت مرتفعة جدا وغير مقدور عليها لذا يرى الناير بأن الدولة تقع عليها المسؤولية الكاملة بتزايد أعداد الفقراء بسبب تنفيذ روشتة النقد الدولي الذي رفع أسعار السلع والخدمات بصورة وصفها الناير بغير المسبوقة مما صعب مهمة الكثير من الشرائح الفقيرة ومحدودي الدخل من الحصول على الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة الضرورية بشكل أساسي مما جعله يعتبر السودان رغم ذلك بأنه لم يصل مرحلة المجاعة المشابهة للمجاعتين بعامي كل من ما عرف بمجاعة سنة ستة ومجاعة عام ٨٥ .. بيد أنه تأسف على موجات النزوح التي وصفها بالصعبة لعدم وجود التعاون بين المنظمات الأجنبية وايضا الوطنية بسبب محدودية الأمكانيات ،مما يجعل قضايا النزوح تؤثر بشكل كبير على الأسر التي تفقد المأوى وكل من المأكل والملبس وهو ما يتطلب من الدولة بذل مجهود مضاعف لتلبية متطلبات تلك الأسرة خاصة في ظل فصل الخريف.