الحركة تنزل أسواق الخرطوم : (البرتقاليون) يتعاطون (القرف) بـ (القندول)

الخرطوم: مقداد خالد

(جلس تحت خرقة قماش برتقالية ومنصة أعدت على عجل لمؤتمر صحفي مقام على شرف تعميد صبي يافع في الثامنة عشرة من عمره، كمناضل جديد).
محمد عثمان إبراهيم ? كاتب صحفي مقيم بأستراليا
متحدثاً عن فيديو يظهر الحاج وراق في أحد أنشطة حركة (قرفنا).

(1)
بصدور القرار (158) المنظم للعمل السياسي، تبادر للأذهان سؤال ملح عن وضعية الحركات الشبابية المعارضة للحكومة، أتراها مشمولة بالمرسوم الجمهوري، أم إنها في اتصالها بالشارع مضطرة لتتنكب الطريق وحدها تعبيراً عن احتجاجها على الوضع السياسي الذي تصرخ في وجهه: (قرفنا).
الإجابة لم تطلْ كثيراً، حيث خرج شباب حركة (قرفنا) إلى الشارع العام وذلك على ذمة تسجيلين مصورين خاطبا فيهما الأهالي بلغة (أركان النقاش) المستخدمة في الجامعات، وتبدى ذلك في سيادة الشعارات الثورية، والكلمات القاسيات في حق الحكومة.
(2)
نشأت حركة (قرفنا) قبيل انتخابات العام 2010م محرضة على إسقاط الرئيس عمر البشير في صناديق الاقتراع، ولتلك الغاية دعت الحركة المواطنين لتدوين أسمائهم في السجل الانتخابي على الرغم من إعلان عدة تنظيمات سياسية مقاطعتها العملية بالكلية.
بيد أن مساعي الحركة لإبعاد البشير العام 2010م باءت بالفشل، فكان أن تكفلت (قرفنا) التي تتخذ من البرتقالي لوناً رسمياً مستلهمة فكرة اللون من (ثورة البرتقال) في أوكرانيا؛ تكفلت بعبء الدعوة لإسقاط الرئيس عمر البشير عبر انتفاضة شعبية، وفي الصدد تصر على أن منسوبيها ظلوا وقوداً لكل احتجاج ينظمه الشارع أو ينطلق من دون تنظيم.
(3)
آخر ظهور علني للحركة مؤرخ بتاريخ 20 أبريل الجاري من داخل سوق ليبيا في أم درمان، حيث صدح متحدث منتمٍ للحركة وسط الجماهير بقصيدة (يا شعباً تسامى) للراحل محجوب شريف، ومن ثم أكد عدم تعاطيهم السياسة أو استهدافهم الوصول إلى السلطة، ولخص كل أهدافهم في عبارة ذات حمولات عالية (تأديب السياسيين). أما مبرر (الأدب) فكان حمل الساسة على خدمة الشعب (حد تعبيره) وعليه لم يكن مستغرباً أن يهاجم (الشاب القرفان) عملية الحوار الوطني الذي لا يرى فيه عدا حوار (صالات وفنادق يخدم مصالح ضيقة).
وفي خطابه المستمر زهاء الخمس دقائق عمد المتحدث إلى لغة الشارع المعروفة بـ (الراندوك) ونثر أمام بائع خضروات افترش مع بضاعته الأرض، مفردات من شاكلة (المؤتمر الوطني ما جادع معانا، وما جايب حقو) وهي عبارات اختلط حابلها بنابل الصوت الناتج عن تلامس أكواب مصنوعة من الألمونيوم ويحملها بائع مياه متجول (برّد) يظهر في كادر الفيديو.
(4)
وفي مخاطبة ثانية مؤرخة بتاريخ 17 أبريل الجاري قاربت ــ كذلك ــ على الخمس دقائق، ومحلها (صينية القندول) بدا الحوار أكثر حيوية. فالحوار لم يتخذ طابع (المونولوج) أو مسرح الرجل الواحد، وإنما احتذى طريقة (الديالوج) بتفاعل المتحدثين والجماهير.
المخاطبة تم ابتدارها بأبيات شعر، طريقة عرضها تشي بأن المتحدثين إما منتسبون لتنظيمات سياسية في الجامعات السودانية، أو متأثرون بأسلوب السياسة في الجامعات السودانية (لا فرق)، حيث أخذ المتحدث في الصياح: (ما خايفين، قرفنا من الوضع السيئ ومن والجوع والمرض) وحين سأل: (الما قرفان فيكم منو) انبرى له أحد الحاضرين بالقول: أنا. فما كان من المتحدث الذي يرتدى بنطال جينز وقميصاً مصاباً بفتق صغير عند نهاياته إلا أن كذبه بالقول: (والله قرفان) مردفاً: (واقف ليك 3 ساعات عشان تركب مواصلات وما لاقي).
أما المتحدثة التي ركزت في حديثها على الرسوم الجامعية التي تراها (مهولة)، والأوضاع في الداخليات والتي تراها (غاية في السوء)، وعلى أزمة المواصلات (الطاحنة)؛ حين صاحت (قرفنا) رد عليها شيخ سبعيني (كلنا قرفانين) فكان أن ردت عليه التحية بقولها: (شكراً أبوي).
(5)
حركة (قرفنا) التي اعتادت على تزيين مخاطباتها بخلفية هي عبارة عن (قماشة) برتقالية منقوش عليها (حركة قرفنا.. نقاوم لا نساوم)؛ تصوب إليها انتقادات حادة من الحكوميين ومن بعض المحللين والكتاب.
وتعد أبرز التهم التي تطال الحركة، انحصار نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك أمر يصوره مقال للكاتب الصحفي المقيم بأستراليا، محمد عثمان إبراهيم ومعنون بـ (عوالم افتراضية: أشباح الإنترنت ضد شخوص الواقع). وفي المقالة المنشورة بتاريخ 27/ مارس/ 2010م يحمل إبراهيم على (قرفنا) بقوله: (لدي انتقادات كثيرة لتلك الحركة أولها متعلق باسم (قرفنا) الذي يعني أصبنا بالتقزز أو ما شابه، وهو اسم يعبر عن موقف عبثي لا يستحق تكوين حركة سياسية أو اجتماعية، فكونك أصبت بالتقزز من شيء ما فهذا موقف غير سياسي، كما أن المفردة تعبر عن تطلعات طبقة اقتصادية واجتماعية معينة تستأثر بحق القرف إزاء طبقات أخرى تدافع عن مصالح سياسية حقيقية برفضها أو تأييدها للنظام). ويضيف إبراهيم في ذات المقالة (لا يعرف إن كان على ذات القناعات أم قام بتغييرها) يضيف: (أعتقد أن حركة (قرفنا) هذه تعاني نفس المشكلة، إذ سيصعب عليها التحول إلى حركة شبابية جماهيرية ينتمي إليها أبناء الفقراء ممن لا يملكون كهرباء مستقرة الامداد، وأجهزة كمبيوتر، واتصال بشبكة الإنترنت، وحسابات خاصة على موقع فيسبوك).
بيد أن المتحدث باسم حركة (التغيير الآن) أمجد فريد، نحى للتقليل من الانتقادات المصوبة للحركات الاجتماعية بحسبانها تستوطن عالم الافتراض ولا محل لها من الإعراب في الواقع، ونوه في أحاديثه مع (الصيحة) إلى أن الحركات الاجتماعية (يرفض حشرهم في خانة عمرية بإطلاق توصيف شبابية) بالغة الأثر مشيراً إلى أن حراكهم في حملة (أبينا) كان وقوداً لما جرى في سبتمبر العام 2013م، وما جرى في سبتمبر كان سبباً لحمل الحكومة على (الحوار الوطني) مع الفرقاء السياسيين.
(6)
وبالرغم من خروج الأحزاب المعارضة من دورها للميادين، ما تزال الحركات الاجتماعية تعمل بأسلوب المباغتة الخاطف، ربما بذات طريقة عمل حركة (كفاية) في مصر قبيل ثورة يناير.
وهذه مثلبة كبيرة بحسب ما يقول محمد عثمان إبراهيم: (الثورات لا يتم إنتاجها بالتقليد ومسايرة الموضة). بينما يرد أمجد فريد بسبق السودانيين في مسألة الحراك الشعبي ويستدل على ذلك بأن نشوء (قرفنا) تم قبيل دخول العرب (جنان الربيع).
ويرى فريد في اعتماد أسلوب المخاطبات الخاطفة عوضاً عن أخذ إذن لممارسة الأنشطة في الفضاء الطلق، استمرار لحالة الرفض التي تتخذها تلك المجموعات من النظام مطلقاً، من النظام وقوانينه ومنحه وعطاياه (حد تعبيره).
(7)
خرجت الحركة البرتقالية من عوالم الانترنت لتتعاطى مع ما تراه مشكلات حقيقية في البلاد، خرجت في (ليبيا، والقندول) أما نتائج هذا النشاط فيقول عنها فريد: (شباب قرفنا ونظيراتها مؤثرون، وبيعملوا البيقدروا عليه ويعرفوه). ومن (المعرفة) ينشأ الصراع القائم حالياً بين شباب الحركة الذين يقولون بوجودها (واقعاً) ومناوئيها القائلين بوجودها (افتراضاً).

الصيحة
الأربعاء 23 أبريل 2014

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..