الحل لا يأتى من ستراسبورغ

تميز العمل المعارض لحكم الإنقاذ بالتركيز على شعار إسقاط النظام الذى تحول مع الزمن لقصة هزلية تحكى فصولها تحركات محدودة الأفق التكتيكى: ميثاق الفجر الجديد، حركة إرحل، إعلان الاطاحة بحكم الإنقاذ في غضون مئة يوم، …وإنتهى الهزل الى مأساة ?نداء السودان?، وهى مأساة ذات شقين:
أولاً، الإرتهان الكامل لمشيئة الدول الاوربية. خاطب إمام طائفة الانصار ورئيس حزب الأمة الصادق المهدى وبعض قادة ?نداء السودان? البرلمان الأوروبي مطالبين المجتمعين فى ستراسبورغ بدعمهم لتأسيس عملية إصلاح ديمقراطى مختلفة عن المبادرة السابقة المستخدمة من قبل النظام لغايات انتخابية. إن دعوة المسئولين الأوربيين لحل مشاكل السودان هى دعوة واضحة للإتحاد الأوربى التدخل فى الشان السودانى الذى يرتكز فى تدخلاته السياسية والعسكرية الخارجية على أداته: ? السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي? – ?The Common Security and Defence Policy?. إن الإتحاد الأوربى لن يتدخل فى السودان لضمان ?حق المواطن السوداني في العيش الكريم? كما جاء فى بيان أحد الفصائل المشاركة فى الإجتماعات مع المشرعين الأوربيين، ولكن بما تمليه عليه قواعد ? السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي? التى تتمحور أهدافها فى حماية مصالح الدول الأوربية وتعزيز مناطق نفوذها. وكمثال واحد فقط للأثار السلبية لتفعيل الاداة السياسية لأوربا تعطيه مصر التى لم يرتبط دعم الإتحاد الاوربى للحكومة العسكرية فيها بحق التنظيم للعمال وبحظر الإعتقال والتعذيب لآلاف المعتقلين السياسيين، فلم تزل السلطات هناك تتجاهل إقرار قانون الحريات النقابية وتمارس تجريم الإضراب وكافة أشكال التنكيل بالمعارضين.
إن دعوة الإتحاد الأوربى للتدخل فى العلاقات السودانية تنطوى على تكريس التبعية للدوائرالغربية وما تمثله من مخاطر إضافية على السودان.
ثانياً، ترك شعار إسقاط النظام وبدلاً عنه الحوار معه رغم إستخفافه وإعراضه عن هذا الامر؛ فقد تلاشت نغمة إسقاط النظام فى الشعارات السابقة إذ أمن وفد ?نداء السودان? على ان خيار الحوار مع النظام خياراً إستراتيجياً. فالتحول الطارئ بين الشعارات لا يعكس محدودية وضعف فى الفكر التكتيكى فقط، بل هو توجه قصدى للقوى التقليدية فى ? نداء السودان ? لحمل الكيانات المعارضة على أن لا تزهد فى الحوار مع حكم الإنقاذ؛ فالقوى التقليدية، التى أفقدتها ضربات الحكومات العسكرية والحروب الإقليمية قواعدها، تدرك جيداً أن عودة سيادتها السياسية الحصرية على صعيد الدولة أصبحت مستحيلة. وهذه القوى يهمها الحفاظ على الدولة السودانية بتركيبتها القديمة، وأقصى ما تتطلع له الآن هو أن تتمخض نتائج الصراع الدائر عن الحفاظ على الإمتيازات الضخمة التى حصلت لها من الحكم القائم، وكثير من أوجه معارضتها ليس أكثر من لبس مسوح الرهبان.
?????????????????
فى ضوء السابق تصبح مهمة تكوين تنظيمات ديمقراطية واسعة كبديل للأشكال التنظيمية المعارضة الشائخة أكثر إلحاحاً من أى وقت مضى ليس للتصدى للمهام التى يمكن تحقيقها آنياًَ لتحسين شروط الخدمة والظروف المعيشية والامنية والصحية والتعلمية فحسب، بل للمقاومة الشرسة طويلة النفس للحكم المتسلط الباغى فى الخرطوم.
[email][email protected][/email]