الفتنة.. مسئولية من؟!ا

الفتنة……. مسئولية من؟!!!

د.نجاة الياس باسعيد
[email protected]

هناك منهجان للنظر يبينان المعالم الرئيسية للفتنة التي باتت تهدد ما تبقى من السودان.
المنهج الأول، وفيه يظهر أسلوب كأن الفتنة هبطت علينا من السماء دون أن يكون لأحد يد فيها وقد يمضي هذا الأسلوب في اقصى حالاته إلى إلصاقها بأنصار السنة أو السلفية الجهادية بينما يصر على ان ماتبقى من السودان ما زال قوي وسليم وهذا هو الأسلوب الذي دأبت عليه أجهزة الإعلام الرسمية ورجال الدين والعديد من المسئولين وهو أسلوب تنقصه الصراحة ويتميز بالسطحية ويتناقض مع حقائق التاريخ، ولا يترتب على قبوله إلا التشديد الأمني من جانب الحكومة في مواجهة جماعات انصار السنة والسلفية غير المسئولة وهو امر تلجأ اليه الحكومة كلما واجهت فتنة الى ان تهدا الامور.
المنهج الثاني، وهو اسلوب يدرك ان ثمة تمييز بين جماعات الاسلام السياسي من جهة وانصار السنة والسلفية الجهادية من جهة أخرى وهذه القضية لها جذورها التاريخية عندما كان حكام عهد مايو 1969-1985 يتخذون من واقعة اعدام محمود محمد طه فتنة لضرب الطرفين الجمهوري والجبهة الاسلامية والاخيرة تعتقد ان لديها السلطة في تكون مسئولة عن معتقدات الناس فاطلقت انصار السنة والسلفية الجهادية في الافتاء وتاجيج الفتن فافتوا بتكفير اعضاء الحزب الشيوعي السوداني كما افتوا باستتابة الصادق المهدي وافتوا بكفر النيل ابو قرون بالاضافة الى انهم افتوا بشرك الصوفية وخروجها عن الدين كما افتوا بنشوذ عادات المجتمع وتقاليده المحلية فافتو بكفر الفنانين والمثقفين والمبدعين وافتوا بحرمة الرسم والنحت والموسيقى وافتو بكسر تماثيل كلية الفنون الجميلة ومحلات بيع الاناتيك

عندما نتامل الظروف التي احاطت بتلك الفتن فسوف نكتشف ان ازدهار الفتن ارتبط بنمو تيار الاسلام السياسي في السودان (الجبهة القومية الاسلامية) والتي كانت تؤكد دائما على ان الاسلام دين ودولة وانه لابد من تطبيق الشريعة الاسلامية كما طبقت ايام الدعوة الاولي ثم استولت على الحكم في يونيو 1989 ثم شيئا فشيئا انقسمت الجبهة الاسلامية في مواجهة وقائع القرن الحادي والعشرين العالمية والمحلية الى جناحين جناح المؤتمر الوطني الحاكم الذي تولى تدمير وتخريب الوطن والاعتداء على ممتلكاته والمؤتمر الشعبي المعارض والذي لا يملك من الامر شيئا سوى الاسف على ما يجري في افضل الاحوال ولذلك فان المسئولية الاولى والمباشرة فينما يحدث من فتن يقع على عاتق تيار الاسلام في المؤتمر الوطني الحاكم ورموزه من تنظيمات وافراد

وهذا ابسط واجبات الامانة الفكرية ان ندرك الاسباب المباشرة للمناخ الذي يفرز الفتن بامل ان نواجه الموقف بالاجراءات الصحيحة التي تجنب الوطن تلك الاسباب وذلك المناخ الذي يسمح بظهورها وبالتالي تحديد المسئولية حيث ينبغي ان تقع المسئولية
فالحقيقة ان نظام المؤتمر الوطني الحاكم في السودان اليوم هو المسئول عن ما يحدث من ولا نقصد المسئولية الامنية بل نقصد تواطؤ بعض افراد جهاز الدولة مع جماعات انصار السنة والسلفية الجهادية لتحقيق سيادته

لكن ثمة مسئولية أيضا على أجهز الاعلام والتعليم المسئولة عنها الدولة وهي مسألة يطول شرحها لكن يكفي أن نشير إلى أساءات شيوخ السلفية الجهادية في أحاديثهم التلفزيونية لعقائد الصوفية الدينية فهم نجوم التفزيون للاحاديث الدينية بكلامهم عن الجن والحسد والمرأة وتهجمهم المعروف على رموز السودان الوطنية والتاريخية.
اما التعليم فثمة امثلة كثيرة على ما يمكن ان نسميه (هوس ديني) في مناهج الادب واللغة والدين فالتزمت الديني والفتنة خيم على المدراس فبالاضافة الى تزمت المناهج نجد العديد من المدرسين انضموا الى تيار الاسلام السياسي فتكفلوا بخلق هذا الجو البغيض.
الفتنة تزدهر عادة في مناخ وطني معين هو مناخ أزمة الديمقراطية السياسية التي تبقى بلا حل حيث تحولت نصوص الدستور الى نصوص أمنية لا علاقة لها بما يجري في الشارع السوداني وهو مناخ الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة بعد انفصال الجنوب حيث يعاد توزيع الثروة القومية لصالح الاجانب من مصريين وفلسطنين واتراك وصينين وغيرهم من اغنياء المؤتمر الوطني على حساب الافقار المتصل لجماهير السودان الكادحة من عمال وموظفين ومهنين وزراع حيث تشتد البطالة وتتسع في اوساط الجماهير الشعبية
كما تزدهر الفتن في مناخ الاحباط الوطني لقد استغل اغنياء المؤتمر الوطني جو الاحباط هذا والمتمثل في انهيار مستوى معيشة الجماهير واتساع العطالة لصرف الانظار عن العدو الحقيقي لتلك الجماهير وهو الراسمالية الطفيلية الاسلامية المتحالفة مع الاجانب الى عدو وهمي لكي تتخذ من جماعات انصار السنة كبش فداء.

ولذا فنظام المؤتمر الوطني الحاكم في السودان اليوم بقدر ما ينحمل من مسئولية في أزمة الديمقراطية وفي الازمة الاقتصادية والغلاء البشع وتدهور مستويات المعيشة فأنه يتحمل مسئولية في وقوع هذه الفتن التي يفرزها مناخ مادي وفكري معين والى ان يبدا المسئولون عن حكم السودان في وضع حد حقيقي لهذا المناخ مناخ الازمة الاقتصادية وجنون الاسعار ومناخ بيع ممتلكات واراضي الدولة للاجانب والطفلية الاسلامية ..ومناخ الاحباط الوطني والضلال الاعلامي …..والى ان يحدث هذا فالهدوء الحالي ليس سوى هدنة مؤقتة لا تكفي حتى لالتقاط الانفاس يعقبها الانفجار..

وعندئذ ستدرك حكومة المؤتمر الوطني ..ربما متأخرا ..ان الاجراءات الامنية وحدها لا تكفي . وان مواعظ اجهزة الاعلام واجتماعات رجال الدين ليست لها فعالية كبيرة وان اجتثاث الفتنة يحتاج لمواجهة قضية الديمقراطية وقضية التنمية المتوازنة وقضية العدل الاجتماعي.

تعليق واحد

  1. ما أشبه ما يحدث في السودان اليوم بما حدث للنظام المصري في أخريات أيامه ، فقد مارس النظام المصري أبشع صور التخبط السياسي في أخر ايامه في محاولة لاثبات أنهم أفضل من يعالجون المشكلات و إن أي محاولة لإسقاطهم تعني الموت الزؤؤؤؤم للشعب و ذهاب ريح الدولة . فجعلوا ينفخون في كل إشكال خامد او منسي ليعلم الأخرون بأنهم اذا ذهبوا فأن هذه المشاكل سوف تتفجر في البلد ولن يستطيع أحد إخمادها . و هذا ما حدث فعلاً بعد الثورة المصرية بدليل ما حدث بالامس القريب في إستاد بورسعيد ، بغض النظر عن الجهات التي كانت وراءه . السؤال المهم طالما أن هذه الحكومات كانت تعلم أن هذه الإشكالات موجودة في المجتمعات التي تحكمها و تفجرها يهدد بقاء هذه الشعوب لماذا لم تحاول أن تجد لها الحل المناسب أثناء فترة حكمها و فضلت أن تحتفظ بها كورقة ضغط و ابتزاز لشعبها كي تستمر في الحكم لأنها الضامن الوحيد لعدم تفجرها !!!!!!!!! أليس الله بسألهم لما لم يدراؤ الفتنة عن شعوبهم و قد كان في إمكانهم ذلك ….؟ الأن الانقاذ تحاول فعل نفس الشي باثارتها للقلاقل و الفتن لكي يخاف الناس من ذهاب السلطان بالتالي حدوث الفوضي التي ستؤدي بكل شئ . لماذا لا تعالج الحكومة هذه المشكلة الأن بكل ما لها من قدرات و إمكانات . لماذا تجعلنا نخشي من المستقبل في وجودها و عدمها ؟؟؟؟؟ لماذا تظهر مثل هذه المشاكل في هذا الوقت بالتحديد ، الذي ثبت فيه بما لا يدع مجالاً للشكل تخبط الانقاذ و فشلها السياسي الواضح ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لماذا تمارس السياسة بكل هذا الغبااااااااااء و الإنتهازية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟لماذااااا ؟ لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  2. ألا تلاحظون انه عندما كان نشر الدين متروكاً لعامة الناس وحسهم الفطري السليم ودون مؤسسات رسمية إنداح الاسلام وانتشر في جبال النوبة والجنوب في طريقه لأعماق افريقيا، وكان انتشاره بطيئاً ولكنه أكثر رسوخاً وعمقاً في النفوس بسبب طريقة تلقيه الخالية من الغرض ودنس الدنيا، ثم لما تأسست منظمة الدعوة الاسلامية قبل ثلاثة عقود أو أكثر وكان غرضها نشر الاسلام في مناطق الوثنيين في السودان وبقية أفريقيا اشتعلت الصراعات واستقل الجنوب وانقفل الباب نهائياً أمامها. حتى التبشير المسيحي نفسه لم يجد حظاً كبيراً على يد المؤسسات الرسمية. لكن البقنع الديك المتعصب شنو؟!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..