
دنيا دبنقا
الشفع لمن يجْروا ويلعبوا و(يتهاظروا دايمًا) في الشوارع، بيكون عندهم واحدين (ونّاسْين) من الونسة، وأصحاب قصص وروايات وحكايات، يعني شفّع (حكّايْين خلاص)، ويعتبرهم اقرنائهم فواكه المجالس، ولو الشفع ديل ما شرفوا الحلقة، بتفتقد الجلسة للمذاق، وما بتكون عندها طعم، لكن بعد دا كله تلقى الشفع ديل بتاعين (فكّاكاتْ) ويقولوا ليك: ديل ناس (جَاكاتْ وحَركاتْ)، وبالواضح كدا ما بالدّس، ناس (كضّابين).
وطبعًا الكضّاب عند السودانيين تعني الكذّابْ- أي قلبوا ذالها ضاضًا- وهي صيغة من صيغ المبالغة، في الكذب ومجانبة الحقيقة.
والواضح أن مثل هؤلاء الشفع ليسوا بمسؤولين عن أقوالهم، وفقًا للشرع والقانون، لأنهم يسامرون بعضهم، وسوف لن تقع عليهم مسؤولية جنائية نتاج أقوالهم هذه.
ولكن إذا تعدى هذا التصرف إلى الكبار، فالأمر مختلف، وبات الكبار شرعًا وقانونًا، مسؤولين عمّا تتفوّه به ألسنتهم، (وَمَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
لأنه بكضبهم هذا، يجانبون الحق والفضيلة، ويصرفون الناس، باللهو واللعب والحظهار، عن جادة الطريق، ومعالجة القضايا الحياتية الملحة، وما أشبههما!؟ عزيزي القارئ: لهْو الصغار، وزهْو كبارهم.
فالطريقة التي تعامل بها شركاء الثورة- المعنيين بتحقيق أهدافها على الأرض، تُنبؤ عن لهْو الصغار، وزهْو ومخاشنة الكبار، وليست بضربة لازب.
فمجلسي: السيادة والوزراء، وحاضنتهما السياسية: قوى الحرية والتغيير، وحركات الكفاح المسلح، لكأنما أرادت دغدغة المشاعر وصرْف الناس بالونسة، وحبة الكضب، لإدراكها للعنفوان الثوري المتدفق داخل النفوس.
الأمر الذي أنساها حتى ولو الإهتمام بشهداء الثلاثين من يونيو، وقضايا فض الإعتصام، وضحايا السودان، خاصة: دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، والشرق، وكجبار، وغيرها من قضايا الفساد والإستبداد، التي أزكمت الأنوف ثلاثين عامًا ونيف.
ولكأن تلك المُدلهمّات، لا تعني تلك الثلة في شيئ، وظلت تصرفنا عنها ببعض الأمور، التي لا ترتقي لمستوى المسؤولية، طالما أنها خارج إطار الوثيقة الدستورية.
لأن إستكمال هياكل السلطة: تعيين الولاة المدنيين، تشكيل المجلس التشريعي، إنشاء المفوضيات، وغيرها من الهياكل والمؤسسات، هي المعنية بإنفاذ مطلوبات المرحلة، وتحقيق أهداف الثورة.
فمنذ توقيع الوثيقة الدستورية إلى يومنا هذا، لم نسمع تصريحًا واضحًا وحاسمًا من أي أحد، بأن عملية إستكمال هياكل السلطة، لن تتم إلا بعد تحقيق السلام، وقفل باب الكضب والتكهن، وعلى الناس مجارة هذا الواقع، والعمل بما يمكن العمل به.
وإن كان هذا سيكون أمرًا مُرًّا، يصعب إبتلاعُه، إلا أنّه كان خيرًا لنا من أن نُوصف بالكضب البَواح، ومُواراة الحقيقة، ثم كان بالإمكان إتباعه بإجراءات وتغييرات واقعية في الولايات، ستُعزز من قيم الثورة وتُحقق تطلعات الشعوب.
أليس كان الأنفع لنا ذلك، أم نُخادع بعضنا كل يوم، أنّه بات قريبًا تعيين ولاة مكلفين، فتارة نسمع تصريحًا من قوى الحرية والتغيير، عن تعيينهم بتاريخ كذا، وسرعان ما يُكضبه الواقع، ثم تصريحًا من الجبهة الثورية بالتهديد والوعيد، وتارة أخرى بعضهم يصرح، بأن هناك خلافات داخل قوى الحرية والتغيير، وأنها غير متفقة بشأن الولاة، ثم تأتينا تصريحات أخرى متضاربة، من وفد التفاوض بشقيه: (المدني والعسكري)، وهكذا دواليك، دون أن يجد التغيير طريقه إلى الولايات.
وطبعًا حال البلد واقف، وأزماته تتكاثر أميبيًا، ولا يوجد من يهمه أمر البلد، سوى بعضٍ من التصريحات الجوفاء، بأن الولايات حالها صعب، ولا تحتمل أكثر من ذلك، وبات من الضرورة بمكان، إستكمال هياكل السلطة، وإعادة الدولة لشعبها، قريبًا من لهو الصغار وبعيدًا عن كضب الكبار.
نور الدين بريمة
[email protected]