«ليّس يطلع كويس»

٭ الى وقتٍ قريب كنت أظن أن عبارة «ليّس يطلع كويس» سودانية خالصة تخص السودانيين وحدهم، ولكني اكتشفت اخيراً أنها ليست حكراً على السودانيين، بل تستخدمها بذات معناها شعوب عربية أخرى منها الشعب السعودي، بل يذهب بعض السعوديين لادراجها ضمن الأمثال الشعبية التي تختص بها بلاد نجد والحجاز، والعبارة لمن لم تطرق آذانهم من قبل، تُقال في حالات الغش والخداع وتطلق على العمل المغشوش، هذا في حالة وصف أي عمل اتسم أداؤه بـ(الكلفتة) وجاء على طريقة «دفن الليل أب كراعاً برّه»، ومن جهة أخرى للعبارة استخدام آخر يتجاوز مجرد الوصف أو تقرير حالة ماثلة، الى الحث والتحريض على المضي قدماً في العمل الذي لا تبشر مقدماته بالجودة ورغم ذلك يشجعونك لاكماله بمظنة أنه على سوء طريقة أدائه قد «يطلع كويس»….
المشكلة أن عبارة «ليّس يطلع كويس» تجاوزت بُعدها الشعبي وصارت نهجاً حكومياً حتى ظننا أن الحكومات قد صادرتها من شعوبها ووضعت يدها عليها فآلت اليها ملكيتها بالكامل، ولا شأن لنا هنا بحكومات الآخرين، ما تعنينا هي حكومتنا السودانية، ولن نعود الى الوراء كثيراً لنرى كم «ليّست» من مشاريع أقامتها هكذا دون إتقان أو جودة رغم ما صرفته عليها من أموال، بل سنكون أكثر رحمة فلن نأتي حتى على سيرة ما اقترفته من «لياسة وتلييس» أخير، وإنما سنعني فقط بمحاولاتها الراهنة لإصلاح ما «ليّسته» من قبل والتي ثبت حتى الآن أنها لا تعدو أن تكون إعادة «تلييس المليّس» أو بالعربي الفصيح إعادة إنتاج الأزمة.
ولنأخذ مثالاً ولاية الخرطوم في تعاطيها مع آثار الدمار التي خلّفتها كارثة السيول والامطار حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى ويؤخذ الناس على حين غرة، فبدلاً من أن تكرّس الولاية جهدها لتدارك الاخطاء والثغرات التي نفذت من خلالها الكارثة وكانت السبب الرئيسي في إحداث الخسائر الفادحة في الارواح والممتلكات والمنازل، فإذا بالولاية تترك جانباً كل ماهو أهم لتفترع قضية جانبية تنشغل بها وتشغل معها الناس، فالولاية لم يعد لها حديث في الايام الماضية ولم يستحوذ على اهتمامها موضوع غير «الجالوص»، مع أن الجالوص بريء براءة ابن يعقوب من الدمار الذي حدث، فالمشكلة لم تكن في الجالوص في حد ذاته وإنما في وجود هذا الجالوص في مدالق السيل ومجاريه الطبيعية، والمشكلة لم تكن في الأمطار بقدر ما أنها كانت في السيل، فالجالوص ظل موجودا وقائماً في العديد من مناطق السودان وبالاخص في العاصمة وأكثر خصوصية في ام درمان منذ ما قبل التركية السابقة، وظل صامداً طوال هذا الزمن وما يزال رغم تقلب الاحوال والأجواء عليه، بل ومنذ أن كان مناخ الخرطوم أشبه بالاستوائي، والمشكلة ليست في الجالوص وإنما في نهج «ليّس يطلع كويس» الذي نُفذت على هديه كثير من مشاريع البنى التحتية من طرق وكبارٍ ومصارف حفلت بالأخطاء الفنية والهندسية فأُنشئت على طريقة «عدّي من وشك» جرياً وراء الكم والكثرة على حساب الجودة والمتانة حتى يُحسب ذلك إنجازاً يضاف الى «ميزان الحسنات»، هذا اذا أحسنا الظن، أما إن أسئناه لذهبت بنا الظنون الى أن في الامر مفسدة و«تمسحة» أو سوء إدارة وقلة مهارة، أما الجالوص فلا غبار عليه بل هو الانسب لأجوائنا ومناخاتنا بمزاياه المعروفة علمياً وإن احتاج لشيء فليس أكثر من إدخال بعض الاضافات والتحسينات إليه، وقد قرأت مرة في صحيفة الشرق الاوسط تقريراً عن بيوت الطين يُرجع تاريخ بنائها الى أكثر من تسعة آلاف سنة… وتقولي شنو وتقولي منو، نحنا الدانقة والراكوبة والواطة…

تعليق واحد

  1. نفس كلمة ليس عندنا بالرطانه بدنقلا وتؤدي نفس المعني اي الطلاء بالزبالة او الجير
    لكن ولاية الخرطوم ليست كويس (من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..