مقالات وآراء

البوستة كوستي وجمعة تية

حكاوي عبد الزمبار

لعبت البوستة في السودان دورا مقدرا في نشر التواصل، والوعي والمعرفة، ببن ارجاء البلاد المختلفة.

وقد ساعدت السكة الحدبد في هذا العمل الجليل.. الأجيال التي عاشت بين خمسينبات وحتى اواخر السعينيات القرن الماضي، لها ود وحب ومعزة خاصة وخالصة ؛ يمكن ان يثحدثون عنها لأيام وليالي بشغف وشجن غير محدود.. فهي الخطابات ،الجوابات ، الرسائل والطرود .. ومن ينسى الطوابع المميزة بصورها الخلابة، كالطبق وخزان سنار وغردون باشا ممتطيا جمله وغيرها من الطيور.. وكم من صبي أو صبية تعلق قلبه أو قلبها بمتعة هواية جمع الطوابع أو المراسلة..

يتذكر زمبرة وهو طفل غرير،  ارسله والده عليه الرحمة والرضوان لبوستة كوستي لسحب تلغراف، كما كانوا يقولون في ذلك الزمن. التلغراف كتب على ورقة،بيضاء ، وتقرأ كالاتي ، ” الأسرة الكريمة نشاطركم الاحزان في هذا الفقد الكبير. للفقيد العزيز الرحمة ولكم حسن العزاء”.

كان هذا في وفاة الراحل الأمير نقدالله الكبير. كلمة التلغراف  الواحدة، كانت بقرش واحد ونصف. يقع شباك التلغراف ببوستة كوستي على الجانب الشمالي للمبنى، واقرب لمكتبة المرحوم مصطفى صالح. كان يدير البوستة ، كادر مؤهل من الموظفين. يتمتعون بسعة المعرفة وسعة البال.. مدير البوستة يسمى الوكيل،  توفر له الدولة منزلا حكوميا لائقا.

زمبرة،  شوية كبر وهو في ميعة الصبا، كان يراسل مجلة بناء الصين كانوا احيانا يرسلون له اسطوانات لتعليم اللغة الصينية!..

كذلك في مدرسة كوستي الابتدائية رقم 2 ، كان زمبرة من ضمن التلاميذ المشتركين في مجلة الصبيان التي تصل بالبريد.. قرشان فقط وتحصل على المجلة وتستمتع بمغامرات عمك تنقو، وقصة الحديقة وصفحة هواة التعارف ..

كانت البوستة تنقل مع الخطابات الصحف والمجلات والكتب. طبعا، أيضا الحوالات البريدية والطرود. زمبرة، مرة ذهب مع جدته الى بوستة كوستي لارسال كرتونة ابري وحاجيات رمضان لابنها الذي يدرس بمصر…

في وجدانيات و ذاكرة الشعب السوداني احتلت البوستة حيزا جليلا ومقدرا. فهناك حي البوستة العربق بامدرمان،  الذي ارتبط بنشر العلم والمعرفة ..وايضا هناك اغنيات خالدة ، تحدثت بطرق  خلاقة ، عن دور البوستة في تجسير هوة الفرقة والبعاد بين الأحبة، عبر الرسائل والخطابات. من اشهرها، مافي حتى رسالة واحدة. بيها اصبر شوية، للجابري شعر سيف الدين  الدسوقي. وهناك المرسال لوردي وايضا، مصطفى سيد أحمد،  لا رسالة تجيني منك.. ورسالة شوق.. ابو عركي البخيت. واظن، لحيدر حدربي،  أغنية، تردي ولا ما تردي.. بكتب ليك يوماتي ..و للنعام أدم أيضا.. ..ومنها، حملتك خطاب يا ساعي البريد.. للسافر وطول للبلد البعيد.. من أغاني البنات.. مكتبة الأغنية السودانية ثرة باغاني البريد..من موظفي تلغراف كوستي ، العزيز جمعة تية. ذلك الرجل المتميز في اناقته؛  بشكة البنطلون وقيادته الماهرة لدراجة البوستة الحمراء. فقد كان يوزع التلغرافات بظروفها ذات اللون البمبي الغامق على مستحقيها ، الذين يعرف عناوينهم، كمعرفته لظاهر يده.  فيسلّم الشخص تلغرافه، ثم من خلف اذنه يتناول قلمه ويعطيه له للتوقيع بالاستلام..جمعه تيه أيضا، كان من اشهر حراس مرمى مدينة كوستي،  فقد كان يلعب لفريق الرابطة العريق.. التحية والتجلة والتقدير لجمعة تيه ايا كان…في فترة سبعينات القرن الماضي،  تطورت وتمددت خدمات البوستة،  فتأهل أكثر الكادر، الذي يديرها. فأنشات سندات الادخار كمعينة اقتصادية للبلاد…فاصبحت منارة، التحق بها الكثيرين من أبناء وبنات كوستي، كان للسيد حسن بابكر القدح المعلى في جعل هذا الأمر ممكنا..وهو يعد من اهم الأسماء،  في نهضة بريد  السودان..لله دره….بعد ظهور ثورة الاتصالات التي قلصت البريد التقليدي، إلا انه ما زال له دوره المؤثر في السودان..بعد قدوم الكيزان، سقطوا حجر البوستة،  مع اخواتها المواصلات السلكية واللاسلكية.  باعوها بثمن بخس. فتخلصوا من نبراس علم ومعرفةو شعلة تنوير…

عمر عبدالله محمدعلي
[email protected]

‫5 تعليقات

  1. لك اجمل تحية استاذ عمر. عندما نشرت مقالك السابق طلبت منك ان تواصل الحديث عن ذكرياتك وذكريات مديتنا العظيمة كوستي. فعلا كانت مصلحة البريد في كوستي على اعلى مستوى وتحية لإبن كوستي العظيم وحارس المرمى الذين قل ان يجود الزمان به جمعة تية “اسامة” ولحسن بابكر ولكل من عمل في بوستة كوستي. كانت الحياة تسير بنظام ونسق هادىء وجميل ومرتب كل يؤدي عمله بمنتهى الدقة والروعة. ثم دارت الايام حتى جانا كلب سنونه صفر دمر السودان.

  2. اين هي البوستة الآن ففي مدينة الابيض مثلا مكتب البريد العريق تم ايجارة ليكون صالون حلاقة، مغلق لمواد البناء، وكافتريات .. الخ وتقلص ذلك العملاق بفعل الكيزان وابنهم اللا شرعي “سودابوست” الي مكيتب صغير، البريد في كل بلاد العامل يعمل بعنفوان ففي مدينة “ارفينج” الصغيرة التابعة لمقاطعة دالاس بأمريكا توجد اكثر من اربعة شركات للبريد بمكاتبها الفخمة وعربات توزيع الطرود ودراجات السعاة وهنالك شركات بريد تمتلك طائرات عابرة للقارات، العقلية الكيزانية لا تملك شيئا غير تدمير كل ما هو جميل.

  3. ذكرتني برضو اخ عمر عمنا المرحوم آدم عثمان – اشيك موظف في كوستي – في تلك الايام لما كان يجي من بيته جنب الاهلية على البسكليته لابس الكرفتة في طريقه للبوستة. الان لما ارجع بذاكرتي احس بإننا زي اللي بنحكي عن حضارة قديمة عاشت قبل الاف السنين وليس واقع انهار امامنا بفعل فاعل واجرام لصوص وقتلة سطوا على بلدنا بليل. اكتب استاذ عمر عن السكة حديد كحي وفريق كرة قدم عن احياء كوستي القديمة عن كورة كوستي اللي قدمت للخرطوم فطاحلة عن الفن في كوستي وما قدمه المرحوم والمغفور له استاذنا العظيم ابراهيم الجاك ربنا يتغمده بواسع رحمته واكتب لهم عن ترابط اهل كوستي اللي تسامى فوق القبيلة وفوق العرق والجهوية. اكتب اخي الكريم you have what it takes.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..