مقالات سياسية

هل السودان بحاجة لشركة عالمية لتطوير الخدمة المدنية (2-4)

سليمان ضرارـ لندن

تحية طيبة يسرني أن أواصل معكم الحديث عن نشأة وتطور الخدمة المدنية في السودان، وأتقدم بالشكر لكل من اتصلوا بي سواء أبدوا سرورهم بما كتبت أو أبدو نقدمهم أو ملاحظاتهم القيمة، لأنه جزء هام من التاريخ الوطني وللتربية الوطنية.

تحدثنا في الجزء الأول عن مدى حاجة السودان لخبرات عالمية لتطوير الخدمة المدنية في السودان، ونحن نعرف أن السودان في حالة مالية مفلسة لا يستطيع استقدام شركة عالمية لتطوير الخدمة ولكن هناك منح من امريكا والدول الأوربية التي سيتم دفع تكاليف الشركات العالمية منها وهذه الدول تشترط أن تكون الاستعانة بشركاتها وخبرائها من العاطلين عن العمل وذلك للكسب السياسي في بلادهم وفي النهاية فإن المنح تعود بقدرة قادر إلى أمريكا وأوربا للناخبين وكأنما كتب على نقودها (خروج وعوده) ونصيب السودان من كل هذا أنه حقل تجارب لهذه الدول وكرت تلوح به على أنها تعمل على تطوير الدول النامية.

البحث عن موظفين وحرفيين

كما ذكرنا سابقاً لم يكن في السودان من يصلحون للعمل في الخدمة المدنية الحديثة، لذا لجأت الحكومة لاستقدام الأجانب، ولتجنب استخدام سودانيين غير موثوق بولائهم لها يثورون ضدها، كما حصل للحكم التركي، قامت الحكومة باستقدام موظفين غير مسلمين. أما بالنسبة للعمال المهرة فلقد كان الموقف أكثر سوءاً.

دخول السودانيين في الخدمة المدنية

كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حالياً)

تعتمد الخدمة المدنية على خريجي المدارس والمؤسسات التعليمية ليشغلوا المناصب في أجهزة الحكم والإدارة. وعندما دخل الاستعمار الثنائي السودان لم يجد نظاماً تعليمياً مدنياً يبني عليه، فكان لزاماً عليه أن يبني مؤسسات تعليمية مدنية حديثة تمده بخريجين يعاونونه في إدارة البلاد بدلاً عن الأجانب. وإلى جانب المدارس أنشأت الحكومة كلية غردون التذكارية وافتتحها اللورد كرومر في نوفمبر العام 1902، ولقد قال اللورد كتشنر صاحب فكرة إنشاء الكلية عند افتتاحها “إنه يتوقع أن تكون الكلية القاعدة التي تنطلق منها شرارة التقدم الاجتماعي والاقتصادي في السودان”. لقد كان إنشاء الكلية والمدارس المدنية حدثاً تاريخياً في مسيرة تطور السودانيين الذين كانوا آنذاك متمسكين بالتعليم الديني ويرتابون في أهدافها وعزفوا عنها.

كان الهدف من نشر التعليم الأولي هو تأهيل المواطنين لشغل الوظائف الحكومية. أما إنشاء المدارس الصناعية فكان لتدريب فئة قليلة من العمال المهرة. وبدأت المدارس الأولية بفصل واحد لتدريب المعلمين والإداريين. أما كلية غردون فقد كانت المصدر الوحيد لمد الحكومة بالموظفين في الوظائف العليا المخصصة للسودانيين. لقد كانت السياسة التعليمية مفصلة لتلبية احتياجات الدولة من المتعلمين. وتحولت كلية غردون العام 1913 إلى مدرسة ثانوية يتخرج منها المدرسون والمهندسون والقضاة وكانت الوظائف في انتظارهم، خاصة أبناء الذين تعاونوا مع الاستعمار، فكانت لهم الحظوة لأنهم مكان الثقة.

هكذا كان إنشاء كلية غردون التذكارية الإنطلاقة لدخول السودانيين الخدمة المدنية كموظفين صغاراً تدرجوا للوظائف العليا. ولعبت جامعة الخرطوم التي تطورت من كلية غردون دوراً كبيراً في تطوير الخدمة العامة إلا أن كثيراً من خريجيها تعرضوا فيما بعد للتشريد قبل أن يستفد منهم الشعب السوداني الذي أنفق عليهم من ماله وجهده وعرقه.

تأثر الخدمة المدنية السودانية بالخدمة المدنية البريطانية

 وعن تأثر الخدمة المدنية السودانية بالخدمة المدنية البريطانية، كتب البروفيسور ميرغني عبدالعال حمور “إن ﺘﻘﺎﻟﻴﺩ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﺔ طغت ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻓﻲﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ، ﻻ

ﺴﻴﻤﺎ ﻭﺃﻥ ﻗﻴﺎﺩﺍﺘﻬﺎ ﻭﻜﻭﺍﺩﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻴﺔ ﻜﺎﻨﺕﻤﻥ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﻴﻥ (الوسيطة كانت من المصريين) ﻭﻟﻜﻥ ﻻ ﺒﺩ ﻤﻥ ﺍﻹﺸﺎﺭﺓ إﻟﻰ أﻥ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻹﺩﺍﺭﻱ ﻜﻜل ﺍﺤﺘﻔﻅ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺒﻤﺴﺎﻓﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ، ﻭﺒﻜﻴﺎﻥ ﻤﺴﺘﻘل ﻋﻥ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﺔﺒل ﻭﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﻭﺠﻪ ﻴﺸﻴﺭ ﻨﺤﻭ ﺍﻨﺸﺎﺀ ﺨﺩﻤﺔ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﺴﻭﺩﺍﻨﻴﺔ ﻜﻤﺎ ﻫﻭ ﺍﻟﺤﺎل ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔﺍﻟﻬﻨﺩﻴﺔ”.

“ﺍﺴﺘﻤﺭﺕ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻤﻊ ﺒﺩﺍﻴﺎﺕ ﺍﻹﺴﺘﻌﻤﺎﺭ ﺘﺩﺍﺭﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻴﻴﻥ، ﻭﻟﻜﻥ ﺴﺭﻋﺎﻥ ﻤﺎ ﺍﺴﺘﺒﺩﻟﻭﺍ ﺒﻤﺩﻨﻴﻴﻥ ﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻭﻤﺼﺭﻴﻴﻥﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺫﻴﺔ ﻭﺍﻟﻭﺴﻁﻰ (كما ذكرنا سلفاً) ﻭﻜﺎﻨﺕ ﻫﺫﻩ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟمدنية ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻨﻴﺔ ﻭﻗﺩ ﺒﻘﻴﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ أﺠﻨﺒﻴﺔ ﺤﺘﻰ العام 1948ﻡ، ﻭﻟﻡ ﻴﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﺩﺩ السودانيين ﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺌﺔ ﻭﺜﻼﺜﻴﻥ ﻤﻭﻅﻔﺎً ﻜﺎﻥ ﻤﻌﻅﻤﻬﻡ ﻓﻲ ﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﻜﺘﺒﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺴﺨﻴﻥ ﻭﻤﺎﺴﻜﻲ ﺍﻟﺩﻓﺎﺘﺭ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺓﺍﻟﺸﺭﻋﻴﻴﻥ”.

مسيرة التوظيف في الحكم الثنائي

رفعت الدولة نسبة استيعاب المواطنين في الخدمة المدنية وبالتالي زادت الفرص التعليمية خاصة ما أتاحته كلية غردون التذكارية من فرص، وفي العام 1921، بلغ عدد الموظفين 1630 موظفاً و84 عاملا صناعياً. وفي العام 1923، شغل السودانيون 45% من الوظائف الحكومية وارتفعت النسبة في العام 1914 إلى 80%، على حساب الموظفين المصريين والسوريين.

وبالنسبة لأعلى الوظائف المتاحة للسودانيين فقد تم في العام 1915، تعيين اثنين من السودانيين في وظيفتي نائب مأمور كمساعدين للمآمير المصريين. وفي العام 1919، افتتحت مدرسة نواب المآمير التي هي اللبنة الأولى لدخول السودانيين في السلك الإداري. ولم يؤثر توظيف السودانيين على أعداد البريطانيين الذين كانوا بالخدمة في المناصب العليا، وكانت الحكومة لا تنوي سودنة السلك السياسي بل كانت تنوي حله بعد أن يتطور السودان في الحكم المحلي، ولكن الحرب العالمية الثانية أطالت عمر هذا السلك لتتم سودنته فيما بعد.

مقتل السير لي استاك 1924

في العام 1924 أعلن البريطانيون أن السير لي استاك حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري (سُمي عليه معمل استاك في الخرطوم) أُغتيل بالرصاص في القاهرة. واهتزت العلاقات البريطانية المصرية، وطالب المعتمد البريطاني في مصر اللورد اللنبي من حكومة سعد زغلول أن تدفع مصر لبريطانيا تعويضاً نصف مليون جنيه، وأن تأمر ضباطها وجنودها من المصريين من الانسحاب من السودان في ظرف أربع وعشرين ساعة، كما طلب اجلاء جميع الموظفين المصريين من الأراضي السودانية إلخ … واستقالت حكومة سعد زغلول جراء الضغوط البريطانية، وخلفتها وزارة أخرى دفعت الغرامة وأمرت بسحب الضباط والجنود والموظفين المصريين من كل الأراضي السودانية (تاريخ السودان الحديث، ضرار صالح ضرار). هكذا انفردت بريطانيا بحكم السودان وتخلصت من مصر ومن كل العسكريين والموظفين المصريين.

كان هذا العام نقطة تحول كبيرة بالنسبة للسودانيين نسبة للأحداث السياسية التي ذكرناها، فحلّ السودانيون بالجملة محل الموظفين المصريين الذين عادوا إلى بلادهم. ولكن لم يتأثر عدد البريطانيين الذين في الخدمة في السودان. وأثبت بعض الموظفين السودانيين كفاءتهم في وظائفهم الجديدة.

تخفيضات هائلة في المرتبات

طلاب كلية غردون العام 1931

كان مقتل السير لي استاك في القاهرة، الحادثة التي غيّرت مجرى الخدمة المدنية في السودان، حيث استغلتها بريطانيا لطرد كل الموظفين المصريين العاملين في السودان وحلّ السودانيون في وظائفهم بالجملة.

هيكل الخدمة المدنية

كان عدد السودانيين في الخدمة المدنية قليلاً جداً، وبالرغم من هذا قام الحكم الثنائي، الذي كان المخدم الوحيد آنذاك، بوضع شروط لموظفيها من أجانب وسودانيين، وصدرت لوائح بدل السفرية والنقل وقواعد الاستخدام ما بين 1900 ـ 1910. كان الهيكل الوظيفي بسيطاً يلبي احتياجات تلك الفترة التي كانت فيها الخدمة المدنية نفسها بسيطة وغير متخصصة وتقدم خدمات يسيرة للمواطنين. وصدر في العام 1903، أول كادر للإداريين، وفي العام 1905، صدر المنشور المالي الذي حدد مرتبات الإداريين حتى مساعدي المفتشين. وجرت تعديلات في هيكل الخدمة المدنية، ولكنها جميعاً لم تكن علمية. أما الخدمة في الشركات، التي كانت معظمها أجنبية، فقد كان التوظيف فيها للعناصر الأجنبية الموجودة في السودان.

في العام 1920، تم تقسيم وظائف الخدمة المدنية إلى ثماني درجات فوقها درجة للوظائف العليا وتحتها درجة خاصة لخريجي المدارس الإبتدائية. كان الفرق شاسعاً بين مرتبات الدرجة العليا ومرتبها 2250 ـ 2500 ج في السنة، والدرجة الخاصة الدنيا التي كان مرتبها 48 ـ 60 ج في السنة.

عند حدوث أزمة الثلاثينات الاقتصادية بين عامي 1930 و1931، تأثرت الخدمة المدنية في السودان وساء موقف الحكومة المالي، فتم تخفيض أعداد من الموظفين إلى جانب بعض بنود الصرف وألغيت الإجازات. فاستغنت الحكومة عن 205 سودانياً و213 بريطانياً و253 من الأجانب الآخرين. وتراوح تخفيض المرتبات من 5% إلى 10%. وكانت أعلى نسبة تخفيض في المرتب من نصيب الحاكم العام البريطاني، الذي رأى أن يخفض مرتبه بنسبة 20%، وعلى النقيض من موقف الحاكم العام البريطاني، فإن الحكومة آنذاك عندما قررت تخفيض مرتبات خريجي كلية غردون من ثمانية جنيهات إلى أربعة جنيهات ونصف في الشهر، احتج المواطنون وسيّر طلاب كلية غردون مظاهرات عارمة مشهورة واحتجاجات لم تتوقف حتى تدخل الحاكم العام وجعل مرتب الخريج ستة جنيهات ونصف في الشهر، ما أضعف الطالب والمطلوب!

لجنة “بل” لشروط الخدمة 1934

ازدادت أعداد السودانيين في الخدمة المدنية في أوائل الثلاثينات وتعددت اختصاصات الخدمة وتوسعت في أعمال الإدارة. كذلك ارتفعت تكاليف المعيشة مما يستدعي إعادة النظر في المرتبات إلى جانب تحديد اختصاصات الوظائف. لهذا كله كونت الحكومة لجنة عرفت باسم لجنة “بل” في العام 1934، للنظر في المرتبات وشروط الخدمة والدرجات وغيرها. وقدمت اللجنة توصياتها مقسمة الخدمة المدنية إلى ثلاثة أقسام، أولها وظائف إدارية وثانيها رقابية وشبه فنية وغيرها، وثالثها لمساعدي الكتبة والمحاسبين. وحتى ذلك الوقت لم تكن أعداد السودانيين ملحوظة في القسم الأول. استمر هذا الهيكل الوظيفي واشتهر في السودان بمسمياته التي تحمل الحروف الإنجليزية، وفي قمته الحرف الانجليزي (إيه) وفي قاعدته الحرف (كي) الذي كان يسمى تندراً اسكيل (كلـ ……) وهو درجة وظيفية لا يستطيع الموظف الترقي منها إلى الدرجة الأعلى إلا بعد عشرات السنين وهي مخصصة للذين ليست لديهم الشهادة الثانوية آنذاك، وقد يسعف الاجتهاد بعضهم فيجلسون لإمتحان الخدمة المدنية (سي اس) وشهادته لدى الحكومة تعادل الشهادة الثانوية، فيحصلون بذلك على الترقي للدرجة الأعلى (اسكيل جي) ومنها يكون الترقي للدرجات العليا طبيعياً.

لجنة ملز لشروط الخدمة 1950

نسبة للتوسع في التعليم، خاصة الجامعي، وأثر الحرب العالمية الثانية وقيام الحركة الوطنية وتوسع الجهاز الإداري، إزداد عدد السودانيين في الخدمة العامة. وحدث تطور اقتصادي كبير خاصة بعد تأميم مشروع الجزيرة فانتقل عدد مقدر من كبار المتعلمين الجامعيين الأوائل للعمل فيه. وارتفع بالتالي مستوى المعيشة في السودان وصارت المرتبات الحكومية لا تفي بالضروريات وغير جذابة للجامعيين خاصة مع دخول مخدمين منافسين مثل مشروع الجزيرة والشركات، وأدى كل هذا إلى إعادة النظر في مرتبات الموظفين، وتقييم الوظائف واختصاصاتها ومراجعة شروط الخدمة لتتمشى مع تطور البلاد خاصة بعد قبول الحكومة لتوصيات المؤتمر الإداري لسودنة الخدمة المدنية. أدت هذه الأسباب إلى تكوين لجنة شروط الخدمة للموظفين العام 1950، وترأسها الخبير البريطاني السير ملز الذي عرفت اللجنة باسمه. وقد ساعد في تكوينها ارتفاع مبيعات القطن آنذاك، حيث كانت إيرادات الحكومة العام 1947، 10141495 ج، والمصروفات 9434668 ج، وزادت الإيرادات بصورة كبيرة في العام 1950، فبلغت الإيرادات 41867359 ج، والمصروفات 23596510 ج، إضافة إلى ميزانية الإنشاء والتعمير. واختصت لجنة ملز بفحص شروط خدمة الموظفين واحالتهم للتقاعد، وادخال نظام أبسط للدرجات الوظيفية، وتعديل المرتبات والمعاشات نسبة لزيادة تكاليف المعيشة، وإزالة التناقض في المرتبات إلخ .. وإلى جانب هذه اللجنة تم تكوين لجنة أخرى للنظر في أجور العمال وشروط خدمتهم.

أوصت لجنة ملز بإزالة التفرقة في درجات السودانيين والأجانب إلى جانب تصميم هيكل المرتبات على افتراض أن جميع الوظائف في المستقبل سيشغلها سودانيون. وأوصت اللجنة أن تكون الوظائف على أساس نوع الخدمة. وبالنسبة لأقسام الخدمة المدنية، أوصت اللجنة بأن تكون هناك طبقة إدارية وثانية فنية وثالثة كتابية وطبقة رابعة لسكرتارية المصالح المعيشية، وطبقة خامسة للخدمة اليدوية. ولا زال هذا التقسيم الطبقي مستمراً في الخدمة المدنية في السودان. مما سبق يتضح مدى تأثير الخدمة المدنية البريطانية على الخدمة المدنية في السودان بالرغم من أن السودان لم يكن في مستوى تطور بريطانيا، وقد راعت اللجنة هذا عند وضع هيكل الخدمة المدنية السودانية آنذاك. وقد أوصت هذه اللجنة بقيام “لجنة الخدمة العامة” التي لم تقم إلا بعد فترة طويلة.

التغييرات في الخدمة المدنية في عهد الحكم الثنائي

عن التغييرات التي حدثت في الخدمة المدنية في عهد الحكم الثنائي، كتب البروفيسور ميرغني عبدالعال حمور في بحث بعنوان (مسيرة ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔﻓﻲ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ ﻭﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺭ): “بأنه حدث ﺍﺨﺘﺭﺍﻕ ﻟﻬﺫﺍ ﺍﻟﻁﺎﺒﻊ ﺍﻷﺠﻨﺒﻰ الاﺴﺘﻌﻤﺎﺭﻱ ﻟﻠﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﺭﺘﻴﻥ، ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻷﺴﺒﺎﺏ ﺨﺎﺭﺠﻴﺔ ﻓﺭﻀﺕ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻡﻓﻲ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍن ﺘﻤﺜّل ﺍﻟﺴﺒﺏ ﺍﻷﻭل ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻭﺍﻟﺘﻰ ﺍﻀﻁﺭﺕ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﺔ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﺔﺍﻟﻰ ﺍﺴﺘﺩﻋﺎﺀ أﻋﺩﺍﺩ ﻜﺒﻴﺭﺓ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﻴﻥ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ ﻟﻠﻤﺸﺎﺭﻜﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل ﺍﻟﺤﺭﺏ. ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﺠﻌل ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﺔ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻨﻴﺔ (ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺱ ﻭﺍﻟﻬﻭﻴﺔ) أﻥ ﺘﻠﺠﺄ إﻟﻰ ﺍﻻﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻤﻥﺯﻋﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﺎﺌل ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻨﻴﻴﻥ ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻤﺯﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﻴﻥ ﻭﺨﺭﻴﺠﻲ ﻜﻠﻴﺔ ﻏﺭﺩﻭﻥ ﺍﻟﺘﺫﻜﺎﺭﻴﺔ ﺍﻟﺘﻰ أُﻨﺸﺌﺕ العام 1902. ﺃﻤّﺎ ﺍﻟﺴﺒﺏ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻓﻘﺩ ﺘﻤﺜّل ﻓﻲ ﺘﻘﺭﻴﺭ أﺤﺩ ﺍﻟﺨﺒﺭﺍﺀ ﺍﻹﻨﺠﻠﻴﺯ ﺍﻟﺫﻱﺍﺴﺘﻌﺎﻨﺕ ﺒﻪ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﺔ ﻴﺩﻋﻰ ملز ﻓﺘﺭأﺱ ﻟﺠﻨﺔ ﻨﻅﺭﺕ ﻓﻲ أﻭﻀﺎﻉ ﺍﻟﻤﻭﻅﻔﻴﻥ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﻴﻥ ﻭﻓﻲ ﺘﺩﺭﺠﻬﻡﻭﻓﻲ ﻁﺭﻴﻘﺔ أﺩاﺀ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ. ﻭﻜﺎﻥ ﻤﻥ أﻫﻡ ﺘﻭﺼﻴﺎﺕ ﻟﺠﻨﺘﻪ ﻫﻭ ﺘﻔﻭﻴﺽ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺴﻠﻁﺎﺕ ﻟﺸﻴﻭﺥﻭﺯﻋﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﺎﺌل ﻟﻤﻤﺎﺭﺴﺘﻬﺎ ﻓﻲ إﻁﺎﺭ ﻗﺒﺎﺌﻠﻬﻡ، ﺘﺤﺕ ﺍﻹﺸﺭﺍﻑ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭ ﻟﻤﻔﺘﺸﻲ ﺍﻟﻤﺭﺍﻜﺯ ﻭﻤﺴﺎﻋﺩﻴﻬﻡ.

الخدمة المدنية والإدارة الأهلية تعاون لخدمة المواطن

ﺸﻬﺩﺕ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺩ ﺍلاﺴﺘﻌﻤﺎﺭ ﺘﻁﻭﺭﺍً ﺁﺨﺭﻴﻌﺘﺒﺭ ﺇﺨﺘﺭﺍﻗﺎً ﻟﻁﺎﺒﻌﻬﺎ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻲ، ﻭﻗﺩ ﺘﻤﺜّل ﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﺘﻌﻴﻴﻥ ﺍﻟﺴﻴﺭ ﺍﺴﺘﻴﻭﺍﺭﺕ ﺴﺎﻴﻤز ﺤﺎﻜﻤاً ﻋﺎﻤﺎً ﻟﻠﺴﻭﺩﺍﻥ ﻓﻲ العام 1933ﻡ، ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻥ ﻴﺒﺩﻭ أﻨﻪ ﻴﻨﺘﻤﻲ ﻟﺤﺯب ﺍﻟﻌﻤﺎل ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻲ، ﻭﺍﻟﺫﻱﺍﺘﺴﻊ ﻨﻔﻭﺫﻩ ﺨﻼل ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻔﺘﺭﺓ، ﻜﻤﺎ ﺍﺘﺴﻊ ﻨﻔﻭﺫ ﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﺒﻴﻴﻥ ﺍﻹﺸﺘﺭﺍﻜﻴﻴﻥ، ﻭﻜﺎﻥ ﺘأﺜﻴﺭﻫﺎﻭﺍﻀﺤﺎً ﻜﻤﺭﺠﻌﻴﺔ ﻓﻜﺭﻴﺔ ﻭﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻪ. ﻭﻗﺩ ﻜﺎﻥ ﻤﻥ ﻀﻤﻥ أﺠﻨﺩﺘﻬﺎ ﺍﻟﺩﻋﻭﺓ ﻹﻨﻬﺎﺀ ﺍلاﺴﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺘﺤﺭﻴﺭﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺭﺍﺕ. ﻜﻤﺎ ﺘﺯﺍﻤﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻅﺭﻑ ﻤﻊ ﺒﺭﻭﺯ ﺍﻹﺘﺤﺎﺩ السوفيتي ﻜﻘﻭﺓ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺘﺩﻋﻭ إﻟﻰ ﺇﻨﻬﺎﺀﺍلاﺴﺘﻌﻤﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘﻭﻯ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ. ﻭﻟﻘﺩ ﺸﻬﺩﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﺘﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ ﻜﺫﻟﻙ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔﻭﺩﻋﻭﺓ ﻁﻼﺏ ﻜﻠﻴﺔ ﻏﺭﺩﻭﻥ إﻟﻰ ﺨﺭﻭﺝ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺭ، ﻭاﻀﺭﺍﺒﻬﻡ ﺍﻟﺸﻬﻴﺭ. ﻭﻟﻘﺩ ﺘﺯﺍﻤﻥ ﻤﻊ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑﺩﻋﻭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺭ ﺍﺴﺘﻴﻭﺍﺭﺕ ﺴﺎﻴﻤﺯ ﺤﺎﻜﻡ ﻋﺎﻡ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ ﺇﺸﺭﺍﻙ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻤﻴﻥ ﻓﻲ ﺤﻜﻡ ﻭﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺒﺼﻭﺭﺓ أﻜﺒﺭ ﻭأﻜﺜﺭ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻭﺫﻟﻙ ﺒﺼﻔﺘﻬﻡ ﺍﻟﻁﺒﻘﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ ﻭﺍﻟﻘﺩﺭﺓ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﻌﺘﺒﺭ ﺨﺭﻭﺠﺎً ﻋﻠﻰﺘﻘﺭﻴﺭ ﻟﺠﻨﺔ ملز ﺍﻟﺘﻰ ﺭﻜﺯﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﺸﺭﺍﻙ ﺯﻋﻤﺎﺀ ﻭﺸﻴﻭﺥ ﺍﻟﻘﺒﺎﺌل. ﻫﺫﺍ ﻭﻟﻭﻀﻊ أﻓﻜﺎﺭﻩ ﻤﻭﻀﻊ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺫﺸﻜّل ﺍﻟﺴﻴﺭ ﺴﺎﻴﻤﺯ ﺍﻟﺤﺎﻜﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﺠﻨﺔ ﺒﺭﺌﺎﺴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺭ ﺒل ﻟﺘﻌﻴﺩ ﺍﻟﻨﻅﺭ ﻓﻲ ﻤﻜﺎﻓﺂﺕ ﺍﻟﻤﻭﻅﻔﻴﻥﻭﺩﺭﺠﺎﺘﻬﻡ”. أشعلت خطوة اشراك زعماء القبائل في الإدارة الحرب بينهم وبين المتعلمين الذين كانوا يرون أنهم أحق بتولي كل الإدارة والسلطات ويرون أنهم ورثة الاستعمار لكونهم تلقوا التعليم الإنجليزي، ولكن كان هناك على الجانب الآخر زعماء الإدارة الأهلية الذين يرون أنهم أحق بحكم السودان لأنهم ورثوه كابراً عن كابر وأن الإدارة الأهلية هي الإرث الوطني الوحيد في الإدارة وقد أثبتت فاعليتها وقلة تكلفتها وتماشيها مع ديانة السكان ومعتقداتهم وموروثاتهم وتقاليدهم، واستمرت الحرب بين الفئتين ردحاً من الزمن حتى نجح المتعلمون في عهد مايو من القضاء على سلطات الإدارة الأهلية تماماً فإنهار الريف وهاجر سكانه للمدن.

الوضع قبيل الاستقلال

ونلخص هنا بعض ما كتبه البروفيسور ميرغني عبدالعال حمور عن لجنة بل والسودنة والوضع قبيل الاستقلال: غطت لجنة بل القصور في لجنة ملز التي تكونت العام 1950م، ووضعت قواعد وأسس للعمل في الخدمة المدنية وحقوق العاملين، كما قسمتها إلى ثلاثة أقسام استمرت للعمل بها حتى السبعينات وهي القسم الإداري المهني والقسم الفني وشبه المهني والقسم الكتابي. وقبل هذا التقرير شرعت الحكومة في إعداد السودانيين لمسؤوليات أكبر في الخدمة المدنية، مما نتج عنه لجنة السودنة العام 1946م، التي كان الهدف منها سودنة الوظائف. وقبل هذه اللجنة تم إدراج السودانيين في كشف أسبقية واحد مع الموظفين البريطانيين. كما تم في العام 1947م، عدم الحاق غير السودانيين بالخدمة المعاشية. ﻭﺸﻬﺩ ﻋﺩﺩ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻨﻴﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﺨﻼل ﻨﻔﺱ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﺘﺭﺓ ﺍﺯﺩﻴﺎﺩﺍً ﻜﺒﻴﺭﺍً إﺫ ﻭﺼل ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1955 إﻟﻰ 9,915 ﻤﻭﻅﻔﺎً، ﻭﺍﺭﺘﻔﻊ ﻤﻊ ﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1956ﻡ إﻟﻰ 11,521، ﻭﻭﺼل ﻓﻲ ﺴﻨﺔ 1957ﻡ إﻟﻰ 15,868 ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﺠﻌل ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﺨﺩﻤﺔ ﺴﻭﺩﺍﻨﻴﺔﺒﺎﻟﻜﺎﻤل ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺸﻐل ﺍﻟﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻭﺍﻟﻭﺴﻴﻁﺔ ﻭﺍﻟﺩﻨﻴﺎ ﺒﻬم.

ﺘﻌﻭﺩ ﺍﻟﺯﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭﺓ ﻓﻲ أﻋﺩﺍﺩ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻨﻴﻴﻥ ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﻴﻥﻓﻲ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ إﻟﻰ ﻤﺘﻐﻴﺭ ﺠﺩﻴﺩ في ﻗﺭﺍﺭﺍﺕ ﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺴﻭﺩﻨﺔ ﻟﺴﻨﺔ 1946ﻡ وهي ﺍﻹﺘﻔﺎﻗﻴﺔﺍﻹﻨﺠﻠﻴﺯﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺭﻴﺔ ﺇﺫ ﻨﺼﺕ ﺘﻠﻙ ﺍﻹﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺘﻜﻭﻴﻥ ﻟﺠﻨﺔ ﻟﻠﺴﻭﺩﻨﺔ ﻭﺫﻟﻙ ﻤﻥ أﺠل ﺘﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﺠﻭﺍﻟﺤﺭ ﺍﻟﻤﺤﺎﻴﺩ ﺍللآﺯﻡ ﻟﺘﻘﺭﻴﺭ ﻤﺼﻴﺭ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻹﺴﺘﻘﻼل ﻭﺍﻹﺘﺤﺎﺩ ﻤﻊ ﻤﺼﺭ. ﺘﻤﺜّﻠﺕ ﻭﺍﺠﺒﺎﺕﺘﻠﻙ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﺘﻤﺎﻡ ﺴﻭﺩﻨﺔ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟشرطة ﻭﻗﻭﺓ ﺩﻓﺎﻉ ﺍﻟﺴﻭﺩﺍﻥ، ﻭأﻥ ﺘﻘﻭﻡ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﻜﺫﻟﻙﺒﻤﺭﺍﺠﻌﺔ ﺍﻟﻭﻅﺎﺌﻑ ﺍﻟﺤﻜﻭﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﻐﺭﺽ ﺸﻁﺏ ﺍﻟﻭﻅﺎﺌﻑ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ أو ﺍﻟﻔﺎﺌﻀﺔ ﺍﻟﺘﻰﻴﺸﻐﻠﻬﺎ ﻤﻭﻅﻔﻭﻥ ﻤﺼﺭﻴﻭﻥ ﻭﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻴﻭﻥ”.

نجد هنا أن البروفيسور ميرغني عبدالعال حمور يوجه انتقادات قاسية للخدمة المدنية في عهد الحكم الثنائي إلا أنه في النهاية يعترف بأن لها حسنات ومزايا تربوية وأخلاقية تفتقدها الخدمة المدنية الحالية: “إن أهم ملمح للخدمة المدنية في السودان أثناء الحكم الثنائي كان في أنها كانت خدمة أجنبية من حيث كوادرها القيادية والوسيطة، ذلك لأن أهدافها الرئيسية كانت لتكريس استمرارية واستقرار الحكم الأجنبي، لذا وضعت قوانينها ولوائحها لتحقيق هذه الأهداف. وقد كانت تتّبع السوابق في الأحكام لا القوانين المكتوبة التي لم تكن موجودة، تماماً مثل الخدمة البريطانية. ﻭﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﺄﻜﻴﺩ ﻋﻠﻰ ﺤﻴﺩﺓ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻭﺍﺒﺘﻌﺎﺩﻫﺎ ﻋﻥ ﺃﻱ ﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺕ ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ في ﺃﺩﺍﺌﻬﺎ ﻭﻓﻲﻤﻤﺎﺭﺴﺎﺘﻬﺎ. ﻭﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﺘﺭﻗﻴﺎﺕ ﺘﺘﻡ ﻋﻠﻰ أﺴﺎﺱ ﺍﻷﻗﺩﻤﻴﺔ أﻭﻻً ﺜﻡ ﺍﻟﺠﺩﺍﺭﺓ أﺴﻭﺓ ﺒﺎﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻲ، ﻭﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﺩﺭﻴﺏ ﻴﺘﻡ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻌﻤل ﻭﺼﻴﻐﺕ ﻜل ﺍﻟﻠﻭﺍﺌﺢ ﻭﺍﻹﺠﺭﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺘﻰ ﺘﻨﻅﻡ ﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﻭأﺩﺍﺌﻬﺎ ﺒﺩﺀﺍً ﺒﺎﻹﺨﺘﻴﺎﺭ ﻤﺭﻭﺭﺍً ﺒﺎﻟﺘﻌﻴﻴﻥ ﻭﺍﻟﺘﺄﻫﻴل ﻭﺍﻟﺘﺩﺭﻴﺏ ﻭﺍﻟﺘﺭﻗﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﻘﻼﺕﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﺍﻟﺴﻭﺍﺒﻕ ﻭﺍﻷﻋﺭﺍﻑ ﻭﺍﻟﺭﻭﺘﻴﻥ، ﻭﻫﻜﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﺒﺤﻴﺭﺓ ﺭﺍﻜﺩﺓ، ولم تكن هناك تنمية، ويقال بأن إنشاء مشروع الجزيرة والسكة الحديد تم لخدمة مصالح المستعمرين وليس لأغراض التنمية والاستثناء الوحيد هو اضرابات عمال السكة الحديد. بالرغم من هذا وبلا شك ساعد الاستقرار والاستمرارية التي شهدتها الخدمة المدنية على تأهيل وتدريب العاملين بها واستهدائهم بتقاليد الأجانب في الخدمة المدنية خصوصا البريطانيين”. ويضيف د. حمور “إن كل هذه المزايا لم تمنع المتعلمين السودانيين من السعي لنيل الاستقلال ورفع الزعيم الأزهري لشعار (تحرير لا تعمير)، ﺃﻱ ﻀﺭﻭﺭﺓ ﺍﻹﻨﺘﻬﺎﺀ ﻤﻥ ﻁﺭﺩ ﺍﻟﺤﻜﻡﺍﻷﺠﻨﺒﻲ ﻤﻥ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﺍﻻﻟﺘﻔﺎﺕ إﻟﻰ ﻤﻬﺎﻡ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻘﻭﻤﻴﺔ أ هـ. فهل يا ترى حدث تعمير أم إنهار كل ما بناه الاستعمار من منشآت ومشاريع في السودان وما كرّسه من مثل ومباديء للانضباط والأمانة في الخدمة المدنية؟

نواصل تقييم الخدمة المدنية إن شاء الله

‫2 تعليقات

  1. نعم يحتاجها لان غالبية موظفي الحكومة من السودانيين اصبحو في عهد اولاد هدية اللصوص وخنازير الفطيسة الترابية النتنة النجسة مجرد مرتشين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..