تعرضت لأعنف إزالة.. العلاماب بشرق النيل.. الآليات تطأ على كرامة السكان

رئيس لجنة المتضررين: شبهة الفساد تحيط بالقرار الحكومي

مواطن: الأطفال يعانون من زمهرير الشتاء وكثير منهم ينام في العراء

مواطنون: قرار الإزالة يخص منطقة القدس ولكن حدث تجاوز وتمت إزالة أكثر من ستمائة منزل في العلاماب

الخرطوم: عبد الهادي عيسى

طفل يصرخ مذعوراً، امرأة حامل تجهض تحت ضغط الرعب، أخرى تصاب فجأة بالشلل، رجل يبكي بدموع الحسرة والغبن، والبلدوزرات الحكومية تدك الأرض دكاً وتزيل منازل شيدوها بالعرق والدم، في لحظات محدودة من الاستقرار الكامل الى التشرد، إنهم سكان ما يربو على الستمائة منزل بقرية العلاماب بمحلية شرق النيل الذين يؤكدون أن ثمة أشخاص نفذوا مخططهم الرامي إلى الاستحواذ على أراضيهم لتحويلها إلى منفعتهم الشخصية، إذن هي ماسأة أخرى من مآسي الإزالة بولاية الخرطوم.

أصل القضية

لمعرفة كافة تفاصيل قضية هذه القرية التى يشدد سكانها على تسميتها بالمنكوبة، يشير رئيس لجنة المتضررين بالعلاماب الدكتور حسن السماني خوجلي الملقب بأبودجانة، وهو من قدامى المجاهدين الذين شاركوا في حرب الجنوب قبل انشطار السودان إلى دولتين، الى أن قرية العلاماب تقع بالقرب من منطقة عد بابكر بمحلية شرق النيل، وتعتبر من القرى النموذجية، مبيناً أن القرية تعتبر سوداناً مصغراً حيث تضم كافة المكونات الاجتماعية بالبلاد، مبيناً في حديثه لـ(الصيحة) أن عدد منازل القرية يبلغ سبعة آلاف وهي ليست عشوائية، بل جاءت بمباركة وتصديق من السلطات بعد أن اشترى المواطنون الأراضي من حر مالهم، لافتاً الى اللجنة الشعبية تم تكوينها في العام 2003، وكذلك لجنة الخدمات، كما يمتلك أصحاب المنازل شهادات حيازة تم استخراجها بواسطة وحدة وادي سوبا الإدارية التابعة لمحلية شرق النيل وتحمل توقيع الضابط الإداري، واللجنة الشعبية التي وزعت الأراضي معتمدة من كل الجهات الحكومية، وقال إن مساحة قرية العلاماب تم تدوينها في سجلات المحلية وحدودها من الغرب مربعي ثلاثة وأربعة ومن الجنوب خمسة وستة.

مباركة حكومية

ويمضي أبودجانه في حديثه مشيراً إلى وجود مستندات أخرى تؤكد أن المنطقة تم التصديق بها من قبل السلطات للمواطنين حتى يقطنوا فيها، مستدلاً بمستند آخر وهو ذلك المتعلق بتصديق سوقي للمواشي بالمنطقة تم استخراجه من محلية شرق النيل وحدة وادى سوبا وعليها ختم المحلية باعتبار أن السوق يندرج تحت إطار خدمات المنطقة، وقال إن عددا مقدراً من المواطنين اشتروا مساحات في السوق ، وأردف: وبخلاف هذا المستند الرسمي فإن المواطنين ظلوا يلتزمون بسداد كافة الرسوم الحكومية عبر أورنيك 15 ودمغات ضرائب، وذلك في العوائد والنظافة والمياه، مشدداً على أن هذه المستندات الحكومية تثبت ملكية المواطنين لأراضيهم التي يجزم بأنها حاصلة على التصاديق الرسمية، وإذا كان الأمر بخلاف هذا ـ بحسب أبودجانة ـ لما تعاملت الحكومة رسمياً مع المواطنين عبر تحصيل رسوم منهم.

شواهد أخرى

ويرى سكان المنطقة أن الاعتراف بأحقيتهم في السكن لم يقتصر على التعاملات الحكومية السابقة بل يشمل تكوين اللجنة الشعبية أو تعيينها أكثر من مرة من قبل المحلية واعتمادها رسمياً ومنحها كافة الصلاحيات المنصوص عليها في القانون، وأشاروا إلى أن اللجنة الشعبية هي التي ظلت تستخرج شهادات الحيازة مقابل رسوم يدفعها كل من يمتلك أرضاً، معتبرين هذه المعاملة موجودة في معظم أحياء العاصمة، وتؤكد على أحقيتهم في الأرض، ويلفتون إلى أن الخطوة إذا لم تكن قانونية لما صمتت الجهات المسؤولة ولاعتبرت ما تقوم به اللجنة الشعبية محض تجاوز يحتم عليها التدخل لإيقافه، ويلفتون إلى أن تكوين أمانة المؤتمر الوطني بالمنطقة وسط حضور نوعي من قيادات الحزب بالولاية والمحلية والوحدة الإدارية برهان ساطع ودليل قاطع على الشرعية والقانونية التي أخذتها لأنه بحسب السكان فإن الحزب الحاكم لا يمكن أن يسمح بتنظيم مؤتمرات له في مناطق عشوائية أو غير معترف بها من قبل السلطات الحكومية، ويقولون إن المعتمد السابق عمار سليمان افتتح من قبل المدرسة الحكومية بالقرية الذي جلس إلى قيادات المنطقة خاصة سكان مربعي خمسة وستة وهي المساحة التي طالتها الإزالة، جلس إلى قيادات اللجنة الشعبية واستفسرهم عن شهادات الحيازة والأراضي التي وزعت وكشفت له اللجنة كافة التفاصيل واقتنع المعتمد بأن إجراءاتها سليمة وبأحقية المواطنين في حيازة المساحات السكنية من الأراضي.

تخطيط نموذجي

السكان الذين التقيناهم كانوا في قمة غضبهم وعبروا عن بالغ استيائهم من إزالة مساكنهم، وأشاروا إلى أنهم أنفقوا ما يملكونه من أموال لتشييد مساكنهم بعد جهد مضنٍ وعمل شاق حتى تمكنوا من إنشاء واحد من أفضل أحياء العاصمة من حيث التخطيط بل ويصفونه بالنموذجي، مبيناً وجود سبع مدارس وثمانية مساجد، ويؤكدون أن مدير جهاز الأمن بمحلية شرق النيل وحينما سجل زيارة إلى المنطقة واطلع على الأوراق والمستندات تأكد بأحقيتهم في السكن وأن كل إجراءاتهم سليمة، معتبرين أن شهادة مدير الأمن التي تؤكد أن الحكومة هي التي صدقت للمواطنين بالسكن تؤكد أن موقفهم سليم، وأنه في ذات المستندات تصديق بدخول الكهرباء إلى منطقة العلاماب.

قانونية وضع المنطقة

ويعود رئيس لجنة المتضررين بالعلاماب الدكتور حسن السماني خوجلي الملقب بأبودجانة للحديث ويؤكد وجد كروكي للمنطقة رسم منذ العام 2010 وتمت المصادقة عليه في العام ويحمل ختم هيئة المساحة ووزارة التخطيط ومدير المساحة بشرق النيل ، وأكد امتلاكهم كافة المستندات التي تؤكد قانونية منقطتهم وإكمالها كافة الإجراءات المطلوبة، كاشفاً عن وجود خطاب من اللجنة العليا للأراضي السكنية والزراعية على مستوى ولاية الخرطوم موجه إلى معتمد المحلية لإجراء الرفع المساحي للمنطقة. ومضى السماني في قوله: بغض النظر عن ما نمتلكه من مستندات توجد أيضاً خريطة جوية لمنطقة العلاماب نفذتها وزارة التخطيط العمراني وأيضاً كروكي، كما بحوزتنا عدد من النسخ للأعوام “2010م 2012م و2014م” وتم تصديق النسخة في العام 2016م، وبها توقيع وزارة التخطيط العمراني.

استشارة ورفض

ويمضي أبودجانه في قوله مشيراً إلى أن الحكومة وحينما قررت إزالة المنطقة والتصرف فيها استشارت السكان إلا أنهم رفضوا وأكدوا تمسكهم بحقوقهم غير أن الجهات الحكومية ـ والحديث لأبودجانة ـ حينما أدركت تمسك المواطنين بأرضهم ادعت أن الأرض حكومية، ويؤكد أن ذات الأسماء التي وقعت على الإزالة هي التي باعت الأرض للسكان الحاليين في وقت سابق، واستخرجت لهم الشهادات في المربعات ( 4 و5 و6)، وأشار إلى أن المنازل التي أزيلت لها شهادة حيازة، تحمل اسم ساكن الأرض مباشرة أو حيازة بتنازل من شخص آخر تنازل تمت إجراءاتها بواسطة محامٍ. وقال إن مربعات 9 و10 التي تم توزيعها لزعماء وقادة بالمنطقة ليست حكومية وأكد امتلاكهم للمستندات التي تعضد صدقية حديثهم هذا.

تجاوز قرار الإزالة

وأكد السكان المتضررون أن قرار الإزالة التي تم تنفيذها لا يخص منطقة العلاماب وأنه يتعلق بمنطقة القدس فقط، ولكن حدث تجاوز للقرار وتمت إزالة أكثر من ستمائة منزل في العلاماب، ويعتبر أبودجانة أن في هذا الأمر فساداً واضحاً، وأضاف: أنا مندهش جداً من تصريح مدير الإزالة في شرق النيل للصحف بأنه لا توجد منطقة أو قرية في شرق النيل اسمها العلاماب، وهذا ليس اختصاصه (هو مركب ليه مكنة والي)، كان عليه تنفيذ قرار الإزالة للمنطقة المحددة وعدم تجاوزها بشبر، وبهذا يعتبر مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن كل الضرر الذي حدث للمواطنين الذين تعرضت منازلهم للإزالة في قرية العلاماب.

أضرار ومآسٍ

وسرد لـ(الصيحة) عدد من المواطنين الأضرار التي لحقت بالذين تمت إزالة مساكنهم، فهم بخلاف أنهم يواجهون مصيراً قاتماً ومستقبلاً مجهولاً فإنهم دفعوا الثمن غالياً للقرار الذي تم تنفيذه خاطئاً، وأشاروا إلى أن الأطفال والنساء عاشوا لحظات رعب حقيقية عندما دكت الآليات التي استجلبتها المحلية منازلهم وسوّتها بالأرض في منظر أكدوا بأنه لا يحدث إلا في الأراضي الفلسطينية من قبل المحتل الإسرائيلي، مبينًا عن تعرض امرأة حامل للإجهاض بسبب الخوف الذي تملك دواخلها، فيما تعرضت أخرى بسبب عامل المفاجأة المباغتة إلى شلل، ويؤكد أبودجانة أن عمليات الإزالة تمت بتشفٍّ وروح عدوانية واضحة لم تراع المشاعر الإنسانية وغابت عنه القيم السودانية، وأضاف: ” كأننا في فلسطين وليس السودان”، وأضاف: حتى الإنذار كان فيه تجاوز قانوني واضح لأنه مكتوب فيه إزالة مربعات بحي القدس وهي 1،2،3 ، والخطأ الواضح والفاضح أن حي القدس لا يوجد فيه أصلاً مربع يسمى ثلاثة، ولهذا نعتبر أن مدير الإزالة متعاون مع بعض الفاسدين والسماسرة هدفهم بيع الأراضي التي نزعوها من أصحابها دون وجه حق.

إحاطة الجهات الحكومية علماً

وكان سكان العلاماب المتأثرون قد أرسلوا قرار الإزالة إلى وزير العدل وأكدوا التزامهم الكامل بالقانون إلا أنهم قطعوا بعدم قانونية القرار، لافتين إلى قدرتهم الكاملة على مقاومة القرار إن أرادوا بيد أنهم واحتراماً للقانون فضلوا اللجوء إلى وزير العدل حتى يكون حكمًا بينهم والجهات التي نفذت الإزالة وهضمت حقوق المواطنين، مؤكدين امتلاكهم المستندات التي تكفل لهم حفظ حقوقهم.

وقال لنا مواطن غاضب: لمصلحة من تمت إزالة مساكننا، نشك في أن الأمر ينطوي على شبهات فساد وتجاوزات واضحة لأن الحكومة لا يمكن أن توقع ظلماً بيناً وفادحاً على مواطنيها بهذا الشكل الذي لا يقبله الدين ولا العقل والمنطق، وأشاد عدد منهم بالخطوة التي أقدمت عليها لجنة المتضررين بإحاطتها علماً عدداً من الجهات الحكومية بالقضية ومنها وزارة العدل ونائب رئيس الجمهورية ورئيس القضاء ومدير جهاز الأمن والمخابرات ومدير شرطة السودان ومدير حماية الأراضي ومفوضية حقوق الإنسان.

وزارة العدل على الخط

وعبر محامٍ، خاطب المتأثرون وزير العدل وقدموا شرحاً كاملاً لقضيتهم، وبدوره طالب الوزير اللجنة التي نفذت الإزالة في خطابه إليها مده بالمستندات اللازمة خاصة قرار الإزالة وكشوفات المواطنين المتضررين، ويؤكد رئيس لجنة المتضررين الدكتور حسن السماني خوجلي أبودجانة أن المنطقة تعتبر نموذجية في التخطيط وفي الانسجام والتعايش الذي حدث بين مكونات أهل المنطقة المختلفة من كافة القبائل والسحنات خاصة وأنهم واجهوا معاناة وقسوة من الأحداث التي مروا بها في مناطق النزاع التي جاءوا منها، بل البعض منهم تزاوج في هذه المنطقة ، وأردف: أقولها بالفم المليان بأن هذه المنطقة لا توجد فيها بيوت لشرب الخمر ولا للدعارة ولا توجد بها تجارة المخدرات، ولذلك لم نحتاج أصلاً لإنشاء بسط أمن شامل للمنطقة، مشيراً إلى أن إزالة منازل من المنطقة تم وفق أسباب لا علاقة لها بالواقع وتنم عن عدم وعي وتحضر وقد أطلقها بعض محدودي التفكير، والآن قضيتنا أوصلناها للمجلس التشريعي والمجلس الوطني، وأضاف: نحن حتى الآن ننتظر كلمة القانون وثقتنا فيه لا تحدها حدود وإذا لم ينصفنا وزير العدل أو رئيس القضاء فنحن قادرون على استعادة أرضنا بالقوة.

غبن وحسرة

أما المواطن عمر إبراهيم فقد تحدث الى (الصيحة) بغبن واضح وقال: ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين يعانون الآن من زمهرير الشتاء القارس، والكثير منهم ينام فى العراء دون وجود أي حائط أو ساتر يمنع عنهم نسمة الشتاء الباردة هذا غير الرعب الذي تملكهم أثناء تكسير وهدم منازلهم، أما يوسف سليمان فقال إنه يوجد أيتام وفقراء استطاعوا بعد عناء ومشقة أن يشيدوا غرفة تؤويهم من حرارة الشمس وبرودة الطقس، وأشار إلى أن هذه الأسر يخرج أفرادها في الساعات الأولى من الصباح لتوفير ما يسدون به رمقهم ويعينهم على عمليات التشييد، ويؤكد أن كل شقاء عمرهم ضاع في لحظات تحت بلدوزرات الحكومة.

البرلمان في الخط

وبعد أن سجلت “الصيحة” زيارة للقرية المنكوبة وأجرت تحقيقاً استقصائياً مع سكان القرية، وقد تم الترويج لهذه القضية لأكثر من أسبوع، على الصفحات الأولى اتجه نواب لاستدعاء وزيري العدل والداخلية، لاستجوابهما بشأن إزالة 600 منزل بمنطقة العلاماب بمحلية شرق النيل دون إنذار، وذرف نواب الدموع أثناء استلامهم شكوى المواطنين واستماعهم لقصص تشريد مئات الأسر وتركهم في العراء بلا مأوى.

ووعد النائب محمد طاهر عسيل، بمحاسبة الجهات التي أزالت المنطقة إذا لم تكن قانونية، وطالب بتعويض المواطنين عن كافة الخسائر.

واستنكرت النائبة سهام حسب الله إزالة ما لا يقل عن 600 منزل دون إنذار مواطني المنطقة، وقالت (كان على الحكومة التي تلجأ للتسويات مع الشركات المعتدية على المال العام، وملف قضية هيثرو، أن تجلس مع هؤلاء المواطنين بدلاً من تشريدهم وتركهم في العراء بلأ مأوى.

وذرفت النائبة حياة آدم، الدموع، بعد استماعها لتفاصيل الإزالة وتشريد مئات الأسر، وذكرت (أي شخص يضيم الشعب جبان)، ووعدت وفد منطقة العلاماب بمساندة قضيتهم وتصعيدها للجهات العليا، وأردفت (نحن نواب الشعب إذا لم نقف معكم ربنا سيسألنا يوم القيامة).

الصيحة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..