
بلا انحناء
لا جدال مطلقاً في أن حظر التجوال الشامل الكامل، الذي اتخذته الحكومة المدنية السودانية لحماية مواطنيها للحد من انتشار داء العصركورونا ، رغم قسوته على السواد الأعظم من السودانيين ، إلا أنه يعتبر قراراً عقلانياً صائباً لحماية المواطنين من خطر انتشار الوباء وسد الفجوة الثقافية الصحية التي تسببت في رفع عدد الاصابات في العالم إلى مايقارب 2مليون ، بينما تجاوز عدد الوفيات في العالم حتى لحظة كتابة هذا المقال الأحد 19 إبريل الماضي تجاوز ال 162ألف.
الحكومة المدنية الانتقالية اتخذت قراراً جريئاً في ظاهره العذاب وفي باطنه الرحمة، التي ما دخلت في شيء وإلا زانته ، ولولا هذا القرار الجريء حسب تنبوءات تقارير المراكز والمنظمات الصحية الأممية والدولية تشير إلي إننا ذاهبون في السودان نحو دوامة كارثة صحية، لا قدرة لنا على مواجهتها بسبب الأوضاع الاقتصادية، وإنهيار القطاع الصحي، وطبيعة الحياة الاجتماعية التي تشكل المخالطة فيها قاسماً مشتركاً في دالة العلاقات الاجتماعية في المجتمع السوداني القائم على الأسر الممتدة الأقارب، الجيران والأصدقاء، لاشك أن الظروف الاقتصادية لعبت دوراً في نمط الغذاء اليومي الذي يؤثر على المناعة ، وهي العامل الاساسي في الحماية من كورونا والتشافي منها.
قبل أن تصبح التنبوءات أمراً واقعاً، نقول (شكراً حمدوك) وحكومته المدنية لقرار حظر التجوال الشامل لا شك أنها فكرت وقدرت وأجرت عملية مفاضلة بين المصلحة العامة في الحق في الصحة للجميع ، والمصلحة الخاصة في الحركة ورجحت كفة الصحة ولسان حالها يقول ( صحة الإنسان السوداني تهمنا).. هذا القرار الشجاع تهيبت من اتخاذه حكومة أقوى دولة في العالم “أمريكا”، خوفاً من الإنهيار الاقتصادي وتوقف حركة البلاد. نعم اقتصادنا ليس كاقتصاد الدول العظمى وبلغ في تدهوره حد الإنهيار، بسبب فساد النظام البائد” الإنقاذ “وسياساته الفاشلة.
وبالتالي بدلا من أن نكون مرضى في بلد ذات اقتصاد منهار، الأفضل أن نكون إصحاء من أجل تعمير بلادنا، بعد أن يتجاوز العالم هذا الوباء الفتاك. من مصلحتنا أن نستفيد من تجارب الدول التي عانت من قسوة كورونا وعلمتنا دروس في التعامل مع هذه الأوضاع الحرجة ،وأهم هذه الدروس القرارت القاسية مثل الحظر الكامل للتجوال الذي يرجح كفة المصلحة العامة.. نعم القرار قاس لكنه أهون من وحشية كورونا.
لا دهشة في أن قرار حظر التجوال الكامل تنزل كالصاقعة على البعض، لأنه يؤثر بشكل كبير ومباشرعلى حياة الأسر التي تعتمد على الدخل اليومي (رزق اليوم باليوم) في توفير مطالبها المعيشية وقوت اليوم لأفراد الأسرة ، فهؤلاء يحتاجون إلى مواقف تبث الطمأنينة في نفوسهم ،بتأمين الحد الأدنى من قوت اليوم وهذه مسؤولية تشاركية بين الحكومة والمجتمع تقع على الأولى المسؤولية الأكبر ، وعلي المجتمع السوداني مواصلة توسيع دائرة المبادرات الإنسانية، من أجل ضمان نجاح حظر التجوال ،الذي يشكل طوق النجاة للسودانيين من الغرق في سيول وفيضانات كورونا التي تجرف من تجده أمامها بلا رحمة ،بعض من أهلنا اليوم في انتظار مساهمات رجال وسيدات الأعمال الحال ودعمهم للمبادرات الإنسانية الشبابية التي تقدم المساعدات للأسر التي لا تملك قوت يومها ، بعض من أهلنا في انتظار تحويلات السودانيين بدول المهجر الذين يعملون بجد ونشاط للمساهمة في نفير مكافحة كورونا بالمال والأفكار. بارغم من أنهم في دول منكوبة بهذاء الوباء.
في تقديري محاصرة الفيروس في السودان للحد من عدد حالات الاصابة بكورونا أمرا مهما تتضاءل أمامه كل الحجج الرافضة للحظر الكامل ، نعم القرار مهم والإلتزام به أهم حتى لا تسوء الأوضاع الصحية بسبب انتشارفيروس كورونا فقسوته ووحشيته لم تعط البعض الفرصة للعيش وسط أسرهم ، والشاهد على ذلك أن عددا ليس بالقليل من الذين كانوا ضحية هذا الوباء اللعين، وفارقوا الحياة لأنهم خرجوا من مساكنهم سعيا لتوفير قوت يومهم فحاصرهم الوباء بوحشيته التي أثارت حالة من الرعب لم تسلم منها حكومات الدول العظمى وشعوبها. سرعة انتشار الفيروس التي وضعت العالم كله تحت رحمة خلية لم تصل إلى مرحلة الكائن الحي ،إلا بعد أن تجد مكانها الملائم داخل رئة الإنسان كيما تصبح كائن يعيش و ينمو ويتكاثر بشدة للقضاء على حياة إلانسان. حظر التجوال الكامل وسيلة للحماية من الاصابة بالمرض الذي ينتشر بسرعة في أجواء المخالطة، فكان عزل المصابين الوسيلة العملية لحماية الاصحاء ،بعض الدول تملك إمكانيات للفحص العشوائي ،الذي ساعد على معرفة المصابين وعزلهم مما قلل عدد الاصابات والوفيات، في ظل إمكانياتنا المتواضعة الإلتزام بحظر التجوال الأفضل للجميع.
معلوم أن الدول التي تكتمت غير مبالية ومضت في غيها متجاهلة متباطئة في اتخاذ قرارات قاسية وحاسمة لحظة ظهور حالات الاصابة التي لا تتجاوز واحد، اثنين، وثلاثة دفعت فاتورة اللا مبالاة والتجاهل التباطؤ، فاتورة عالية تمثلت في عدد كبير من المصابيين والموتى، تداعيات اقتصادية ، وظهور حالات من الاصابة بالاكتئاب بين المواطنيين بسبب فقدان الوظيفة أو التوتر من حالة الفزع التى لم تستثن أحد في العالم. لا يختلف اثنان في أن وباء العصر كورونا وضع ورقة الامتحان أمام علماء العالم في علم الفيروسات، والأوبئة والجهاز التنفسي ليرى من سينتصر عليه ويهزمه بإنتاج عقار طبي فعال لمكافحته ، يجعل البشرية ترفع علامة النصر أمام مخلوقات الله التي تهدد خلافتنا في الأرض.. الآن فيروس كورونا يختبر كل الحكومات و الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية حتى رجال الأديان السماوية ويراقب بزهو حالة التشكل التي يمربها العالم لإنتاج موازين قوى عالمية جديدة لتذهب الكثير من المسلمات إلى مزبلة التاريخ.
فاطمة غزالي
التيار