العقوبات الفردية بدل الجماعية سلاح واشنطن للتعامل مع الأزمة في السودان

رغم التوقيع على اتفاق سياسي بين المدنيين والعسكريين في السودان أنهى أزمة كادت تعصف باستقرار البلاد، فإن قوى دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تزال متوجسة من صمود الاتفاق وإنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي وصولا إلى تسليم الحكم إلى المدنيين.
الخرطوم – تمتلك الولايات المتحدة كل أنواع العقوبات الجماعية التي تستطيع بها معاقبة القوى المختلفة في السودان إذا انحرفت عن المسار السياسي، غير أن أعضاء في الكونغرس اكتشفوا أخيرا أن هذا السلاح ليس فعالا حيث يضر بجموع المواطنين ووجدوا ضرورة في منح أولوية للعقوبات الفردية واستهداف أشخاص بعينهم.
وبدأ الكونغرس الأميركي الاثنين مناقشة ملف العقوبات المطروحة على ما يسمى بـ”مزعزعي الاستقرار” في السودان، حيث وجد عدد كبير من الأعضاء أن الاتفاق السياسي الموقع بين الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك غير كاف لضمان التحول الديمقراطي، ما دفعهم للتفكير في مشروع العقوبات الفردية.
وباشر مجلس الشيوخ مناقشة مشروع موازنة الدفاع والتعديلات الملحقة به، وأدرج مشروع السيناتور الديمقراطي كريس كونز الذي يستهدف معرقلي الديمقراطية والسلام والمحاسبة في السودان، والذي يسهم في ردع الشخصيات التي تضع العراقيل أمام الحكم المدني في البلاد.
وقال كونز الذي أوكلت إليه واشنطن مهام رسمية متعلقة بالقرن الأفريقي من قبل “سوف أواصل مشروعي لفرض عقوبات على الأفراد الذين هددوا الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان في السودان”.
ويستمد مشروع “مزعزعي الاستقرار” زخمه من الأحداث التي مر بها السودان عقب قرارات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي التي قادت إلى إجراءات هددت مصير الحكم المدني، وبعد توقيعه على اتفاق سياسي مع حمدوك في الواحد والعشرين من نوفمبر الماضي، والذي لا أحد يضمن صموده وسط مناورات عديدة تقوم بها أطراف متباينة من العسكريين والمدنيين.
ويبدو الاتجاه إلى العقوبات الفردية عمليا في حالة السودان الذي تعرض من قبل لعقوبات جماعية سنوات طويلة، شملت قطع مساعدات وتقييد الاستثمار ووضعه على لائحة الإرهاب الأميركية في عهد الرئيس السابق عمر البشير من دون أن تردعه عن تصويب سلوكه في الحكم.
وتضرر المواطنون أكثر من النظام جراء العقوبات المتعددة التي فرضتها إدارات أميركية مختلفة، وأصبحت العودة لهذا الطريق بعد رفع غالبية العقوبات أقل جدوى، طالما أن القيادات الحاكمة بمنأى مباشر عن الاستهداف.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي) سليمان سري إن واشنطن أضحت مدركة بأن العقوبات على الأنظمة السياسية يتضرر منها الشعب، ولذلك تتجه لتضييق الخناق على القادة العسكريين الذين يواجهون اتهامات بعمليات فساد وتهريب موارد البلاد كانت سببا في الانقضاض على المكتسبات الديمقراطية وقادت إلى إزاحة لجنة إزالة التمكين التي لديها معلومات موثقة حول هذا الفساد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مثل هذه القرارات تتطلع إليها قطاعات واسعة من السودانيين وينتظرون تنفيذها، ما يؤكد أن هناك دوائر أميركية تتعامل مع تطورات الأوضاع على الأرض لمجاراتها، وواثقة من أن قرار عودة حمدوك التي أصرت عليها واشنطن أنقذت العسكريين من انتفاضة قوية كانت قادرة على إسقاطهم، وتحاول أن تساير تطورات الشارع الذي غيّر كثيرا من خطط تحرك قادة الجيش.
وأشار سري إلى أن الإدارة الأميركية تسعى حاليا لتوازن بين رغبتها الأولى التي تحققت في الضغط على البرهان والقبول بتشكيل حكومة مدنية يرأسها حمدوك والعودة إلى أوضاع ما قبل الانقلاب بشكل جزئي لإنقاذ التحول الديمقراطي، وبين موجات الغضب في الشارع الذي فرض أمرا واقعا أجبر واشنطن على اتخاذ موقف لصالحه يتمثل في موقف الكونغرس من العقوبات الفردية.
وعززت نتائج الأزمة التي أعقبت قرارات البرهان الأخيرة من مسألة اللجوء للعقوبات الفردية كي يدرك المسؤولون في السودان أن من يتسبب في اعوجاج الطريق الديمقراطي سوف يواجه بإجراءات صارمة، الأمر الذي يمثل ردعا ماديا ومعنويا، يمكن أن يخفض مستوى التجاذبات التي تقود إلى حافة الهاوية مرة أخرى.
ويرى أعضاء في الكونغرس أن أي اتفاق سياسي في السودان يجب أن يؤدي إلى مسار حر وعادل وشامل، والعالم يراقب التطورات، وسوف يحمل القيادات المتسببة في الفشل المسؤولية كاملة، في إشارة إلى عدم تكرار الأزمة الماضية والتأكيد على التمسك بالمسار الديمقراطي، وأن لجوء الإدارة الأميركية إلى المرونة أحيانا حفاظا على مصالحها لن يكون مجديا مع السودان.
ويرمي تشدد الكثير من الأعضاء مع السودان إلى وقف ما يوصف بليونة الإدارة الأميركية في التعامل مع قياداته، وأن الحسم هو الطريق الوحيد الذي يقود السودان إلى الحكم المدني، والتأكيد على إدارة الرئيس جو بايدن أن مسألة الديمقراطية لا فكاك من تطبيقها كاملة، لأنها جزء من الخطاب الرئيسي لدى الديمقراطيين.
مراقبون لا يستبعدون أن تعرقل المصالح الأميركية في السودان تنفيذ العقوبات الفردية في ظل انزعاج واشنطن من التواجد الروسي في البحر الأحمر
وينطوي استهداف الأفراد مباشرة على رسالة للسودان والدول المحيطة التي لم يعد بعض قادتها يخشون من فرض العقوبات، معتقدين أن هناك بدائل يمكن استخدامها للهروب من الضغوط الأميركية الجماعية، ومستفيدين من التناقض الحاصل في مصالح القوى الكبرى في المنطقة.
ولا يستبعد مراقبون أن تعرقل المصالح الأميركية في السودان تنفيذ العقوبات الفردية في ظل انزعاج واشنطن من التواجد الروسي في البحر الأحمر، وقد تمارس ضغوطا مكثفة على الفريق البرهان لمنع تشييد قاعدة عسكرية روسية أكثر من إجباره على الالتزام بالحفاظ على التحول الديمقراطي.
ويشير هؤلاء إلى أن واشنطن مازالت تتطلع للمزيد من التعاون مع الخرطوم في ملف مكافحة الإرهاب، ما يجعل العقوبات الفردية محفوفة بنوايا غير حسنة من قبل الإدارة الأميركية، فمن المتوقع عدم تراجع الجنرال البرهان ورفاقه عن مواقفهم من الشراكة الصورية مع القوى المدنية والرغبة في استكمال الهيمنة الفعلية على السلطة.
ويستغرق المسار التشريعي داخل الكونغرس وقتا طويلا، ولا يفيد في حالة السودان التي تتطور فيها الأحداث بصورة سريعة، بما يقلل من الأهمية السياسية لمشروع “مزعزعي الاستقرار”، خاصة أن الإدارة الأميركية لديها ما يكفي من العقوبات التي يمكن استخدامها متى أرادت، وتحتاج فقط إلى إعلان من وزارة الخزانة.
ويمنح قانون “ماغنيتسكي” الذي أقره الكونغرس عام 2012 البيت الأبيض صلاحية فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في دول أخرى، تشمل تجميد أصولهم ومنعهم من دخول الأراضي الأميركية.
العرب
عساكر اللجنة الأمنية برهان وحميدتي وكباشي وياسر العطا وابراهيم جابر ومناوى والتور هجم والدباب جبريل وكل مناصرى اعتصام القصر بلوهم يبلهم البله بله.