منطقة أصحاب الظلام.. “هايد بارك” في السودان

تحقيق: أسماء ميكائيل أسطنبول

أصحاب الظلام هم أشخاص لا فرق بينهم وبين الآخرين ،إلا أنهم يعشقون الظلام ولهم مكان يقيمون فيه ، خاصة عندما يحين الليل ،أما فى أوقات النهار فينخرطون مع بقية البشر وعندما يبدأ الظلام يهرولون نحو مكان بعينه كما أسلفت ، فالبعض منهم يمضي معظم الظلام فيه إلى أن يتنفس الصبح والبعض منهم يقيم فيه إلى أن يقضي مأربه، وكل أصحاب الظلام يذهبون إلى هذا المكان بمحض إرادتهم فهم ضعاف النفوس يسيطر عليهم الخوف من نظرة المجتمع والبعض منهم يخافون من أهاليهم وبعضهم لايبالون بشيء.. يعيشون فى الظلام من أجل الكيف وإرضاء النفس فأصحاب الظلام بينهم قاسم مشترك يضمهم العشق ففيهم العاشق الولهان ويكون هذا العشق ما بين امرأة ورجل وفيهم العاشق للكيف إما لسيجارة (الحشيش) أو شرب الخمر ، وفيهم العاشق لحق غيره من خلال النصب والفرار الى ذاك المقر لانه ملاز آمن لايستطيع شخص اللحاق به فأصحاب الظلام متفرقون فى مناطق عديدة ولكن الذين نتحدث عنهم يعيشون فى حفرة كبيرة جدا تتميز بمساحة كبيرة وعمق فى ذات الوقت ، و يخيم عليها الظلام الدامس وتسيطر عليها أشعة الشمس نهارا، وكل من يلوذ بتلك الحفرة لا يستطيع الأشخاص الآخرون رؤيته فهذه الحفرة تقع فى مدينة بحري فى منطقة السامراب غرب ، وهى تقع خلف المنازل و كان يعيش فيه مجموعة لا يستهان بها من الأسر ولكن لظروف ما تم استبعادهم من هذه المنطقة إلى منطقة أخرى وظل مكانهم خاليا تماما من السكان فى أوقات النهار، ولكن عندما يسدل الليل ستاره يقيم فيه أصحاب الظلام فكثرت شكاوى بعض أهل المنطقة من هذه الحفر ، وما يجدونه من أضرار تتمثل فى السرقات وفرار اللصوص نحوها كملاذ آمن وممارسات لا أخلاقية تتم بداخلها ومخبأ للمشروبات والمكيفات فسجلت صحيفة “التيار” زيارة لمنطقة أصحاب الظلام

ممر ضيق مليء بالقاذورات والنفايات
فعندما ذهبت إليها كانت الساعة تشير نحو التاسعة صباحا وكما أسلفت فهى حفرة تتميز بالعمق واتساع المساحة، وبها ثلاثة منافذ للدخول اليها فى شكل ممرات: اثنان فى شكل ممر ضيق جدا لا يسع لمرور شخصين معا يبدأ مدخلهم من الاتجاة الشمالي (يمين ويسار) وثالثهم فى الاتجاه الجنوبي حيث بداءت مسيرتي مع رفيقي بأحد الممرات الضيقة الذي يقع فى الا تجاه الشمالي على الجانب الأيسر ورغم أنه ممر ضيق إلا أنه مليء بالنفايات والقاذورات ولا سبيل للدخول إلى تلك الحفر إلا عبر أحد هذه الممرات ، وفوق تلك النفايات والقاذورات حتى أستطيع النزول إلى أسفل مقر أصحاب الظلام (الحفرة ) فكان رفيقي فى المقدمة وكنت خلفه فأول ما شاهدت عش لطيور(الحمام ) مشيد بالحديد وتجاوره تماما كراسي مشيدة ايضا بالحديد ومثبتة جيدا على مبنى عالٍ فسالت رفيقي لمن هذا العش ولماذ شيدت بجواره كراسي من الحديد ؟ رد قائلا ديل أسياد الرصة ! فقلت سائله مرة أخرى أي رصة ؟ يعني سياد الشي .. يعني أصحاب الكيف بيجلسوا هنا .. ثم واصلت سيري عبرالممر وبرغم ضيقه وامتلائه بالقاذوراتلم يكن مستقيما وفى اثناء سيرى كان رفيقي يقول لي انتبهي حتى لا تسقطي على وجهك! فكنت حذرة جدا وأنا أعبر فوق هذه النفايات التي بها آثار مياه، و كنت اقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى لا تطأ قدماي مكروه ) إلى أن وصلت اسفل الحفر فكان شيئا رهيباً.

حمامات قديمة
فعند دخولى كان أول ما شاهدت عددا من العشاق (بنتين وولدين) خارجين من تلك الحفرة وكانوا متشابكي الأيادي، فقال رفيقي انظرى فاكتفيت بالنظر دون تعقيب وعندما تقدمت قليلا لاحظت وجود حفر بأحجام مختلفة موجودة هنا وهناك فسالت رفيقي عن هذه الحفر، فرد قائلا هذه الحفر كانت عبارة عن حمامات قديمة ودفنت ، ولكن ليست بالطريقة المطلوبه وكما شاهدت فما زال هنالك جزء منها ظاهرا واخر ظلت آثار فقط .. فقلت له هذا يشكل خطرا على حياة المواطنين ؟ رد بتعجب أي مواطنين !!! هذا المكان لا يأتي اليه أي شخص وكل من يأتي إلى هذا المكان على علم بكل شيء، ثم قال وهذه الحفر يستخدمها اللصوص لمواراة مسروقاتهم من ذهب وقروش وكذلك اصحاب الكيف يوارون الحشيش والخمور داخل هذه الحفر! وعندما تقدمت قليلا شاهدت حفرا منحدرة وعميقة فى ذات الوقت وكان شكلها مثل الكهف وقبل أن أسأله قال هل تصدقين أن هذا الكهف، واشار بيده نحوه ، يجلس عليه العشاق لأنه مخبأ بالنسبة لهم.

مبانٍ فى شكل مدرجات مثل السلالم
ثم شاهدت بعض المباني المشيدة فى شكل مدرجات مثل السلالم، وكان ذات الشكل مكررا هنا وهناك، ثم قال وهذه المدرجات المكان المفضل للعشاق ، وعندما يأتي الليل يحل فيه ظلام دامس ولا يستطيع شخص رؤية شخص آخر! ومن شيد هذه المباني فى شكل مدرجات ؟ هذه المدرجات هي مخلفات المباني التي كانت موجودة هنا قبل هدمها وإذا اردت الدخول فى هذه الحفر فلا يكون إلا بلمبة شحن من أجل الاضاءة ولا يستطيع شخص عادي (ليست له مآرب اخرى ) المرور بهذه الحفرة وعندما تقدمت قليلا قال انظري لتلك الاشجار ، فكانت اشجارا لنبات العشر متفرقة هنا وهناك ، فقال حتى نبات العشر هذا مجلس للعشاق يتوارون أسفله، وهذه الاشجار عميقة الى داخل الأرض ، وفى أثناء سيرنا قال انتبهي وكان أمامنا مياة آسنة مخضرة اللون ويبدو شكلها كانها مياة امطار راكدة، فسألته : هذه مياه أمطار ؟ قال لا تستهيني بهذه المياه، فهذه المياه عميقة جدا يبدو من شكلها أنها مياه سطحية، ولكنها غير ذلك، فهي عميقة جدا قد تكون مثل الآبار.

رجل كبير
فشاهدت على بعد مسافة رجل كبير فى السن يجلس ثم يقوم وبجواره أشياء مرصوصة فسألته: هنالك رجل كبير.. ماذا يفعل ؟ رد قائلا يقوم بصنع الطوب الاخضر (الطوب اللبن ) ثم مررت بين اكوام من التراب والانقاض إلى أن شارفت نحو الممر الآخر فى ذات الاتجاه الشمالي الذي نزلت به أسفل الحفرة ولكن من ناحية اليسار وأثناء المرور وبذات الكيفية كان الممر مليئا بالقاذورات والنفايات فوجدت امرأة شابة تجمع بعض الطوب الحراري ،فألقيت عليها التحية.. بررت موقفها قائلة أجمع هذا الطوب للزراعة! ثم مررنا فوق تلك القاذورات والنفايات إلى أن خرجنا من تلك الحفرة، ثم توجهت الى رئيس اللجنة الشعبية بحى النهضة وهو الاستاذ عبد الله حماد عبد الله فوجهت له بعض الاسئلة وعندما سألته عن موقف اللجان الشعبية من تلك الحفر ، رد قائلا هذه الحفر من المفترض ان تدفن وهذا توجيه أتي من نائب الوالي شخصيا عندما سجل زيارة إلى منطقة أم ضريوة بالسامراب وقال لابد ان تردم هذه الحفرة فورا ومن المفترض أن تدفن، ولكن حتى الآن لم نفعل شيئا لان هذه الحفرة تحتاج الى إمكانيات مادية حتى تردم .. هل تشكل أضرارا لأهل المنطقة ؟ بالطبع خاصة السكان المجاورين لها ، فهم دائما ما يتعرضون لسرقات غير أن هذه الحفرة تمارس فيها افعال لا أخلاقية وسرقات وفساد وخمور ولعب قمار نهارا جهارا.
وأين دور اللجان الشعبية ؟ دور اللجنة الشعبية يكمن فى رفع التقارير للجهات الامنية المسوولة وهذا ما نفعله

بعد إلحاح
وبعدها حصلت على رقم هاتف من المفترض ان يكون رقم الجهة الامنية التى ترفع لها الشكاوي بخصوص هذه الحفرة وبعد اتصال متكرر والحاح شديد عبر الهاتف استطعت ان اتحدث مع صاحب الرقم وبعدما عرفته بشخصي وماذا أريد فقال معتذرا انا لست الجهة الأمنية التى ترفع لها الشكاوي وأنما أنا استاذ فقط ومنسق للجنة الشعبية فاعتذرت له وأغلقت الهاتف .

ليس لي علم
وبعدها توجهت نحو رئيس المنطقة سياسيا بالموتمر الوطني ، وهو الاستاذ زكريا الجعلي حيث وجهت له بعض الأسئلة بخصوص الحفرة الموجودة بمنطقة السامراب ولماذا لم يتم دفنها حتى الآن ؟ فأجاب قائلا فى البدء هذه الحفرة موجودة منذ عام 1988 وفى الأصل كانت ثلاث حفر حيث تم دفن اثنين وظلت هذه الحفرة حتى الان ، وقال إن هذه الحفرة كبيرة جدا وذكر أنهم لا يمانعون في دفن هذه الحفرة إذا وجدوا من يقوم بدفنها بطريقة مقننة وليست بطريقة عشوائية (بالاكياس والنفايات) وإنما نريد دفنها بطريقة صحيحة ثم سألته عن الممارسات التى تتم داخل هذه الحفر من فساد وممارسات غير اخلاقية وشراب خمر ولعب قمار ؟ فجاء رده بسؤال : من قال لك ذلك ؟ فقلت له :أنا لم اكن على علم بهذه الحفرة وإنما جاءت بعض الشكاوي للصحيفة من بعض المواطنين بخصوص هذه الحفر ؟ ثم قال :إنتي قالوا ليك قوالة أم شاهدتي بعينك هذه الممارسات؟ فقلت له انا لم اشاهد ممارسات غير أخلاقية وإنما شاهدت بنتين وولدين مع بعضهم البعضهم وهم يخرجون من تلك الحفرة. فرد قائلا هذا ليست مبررا لأن هذه الحفر معبرمن ناحية الاتجاه الشمالى نحو الاتجاه الجنوبي للمواطنين ثم ثانيا إذا كان هذا الحديث حقيقيا فليس لي علم به ولم يخطرني أحد ولم يتقدم لي أحد بشكوى بخصوص هذه الممارسات التى تتم في هذه الحفرة.. فشكرته مرة ثانية..

مرة أخرى
ثم اتصلت مرة أخرى برئيس للجنة الشعبية الذي قال لا توجد هذه الممارسات التى ذكرتها له وإن وجدت لم تقدم له شكوى بخصوص هذه الحفرة وأنت أكدت بأن هذه الممارسات موجودة، فهل لك رد آخر أم متمسك بما قلته للصحيفة ؟ قال أنا على رأيي وهذه الممارسات موجودة ، وهو رئيس للمنطقة سياسيا والشكاوى ترفع للجهة الأمنية وليس للجهة السياسية !

التيار