معضلة الإنفراد بالسلطة

أحمد الفاضل هلال
في ظل المعطيات الحالية يصبح الإنفراد بالسلطة في بلدٍ متعدد الكيانات شكلاً مجافياً للواقع ونسخة قديمة لا تلق بالاً للطرف الثاني من المعادلة.
يمكن القول بأن عصرنا يتميز بتحولات إجتماعية ضخمة. وأن قضايا حقوق الإنسان والحريات والأقليات تكاد لحدٍما تشكل الملمح الرئيسي لهذه المرحلة التأريخية. لقد شهدت هذه الفترة تصدع الكثير من الكيانات السياسية وإنهيار دولٍ إنفردت بالسلطة لسنين طوال سواءً أكان ذلك بإسم سلطة الحزب الواحد أو المذهب أو العِرْق.
لقد فشلت تماماً تجربة الحزب الواحد أو حكم الفرد المطلق في العالم أجمع. وفشلت أيضاً تجارب قيام أنظمة على أسس مذهبية وعرقية بدعاوي الأغلبية. وفشلت هذه الأنظمة لأنها لم تحترم التنوع والتعدد ولم تعترف بالآخر والإختلاف. فشلت لأنها إستمدت أسباب بقائها من التعسف وقهر الآخر.
اليوم العالم أمام تحديات جديدة وكبيرة وإعتبارات وإستحقاقات عاجلة السداد. إذ ما عاد من الممكن إقصاء أي مكونٍ من مكونات المجتمع بحجة العددية أو إستخدام الأغلبية الميكانيكية أو الدين لحرمان فئةٍ من ممارسة حقوقها الدستورية طالما المواطنة هي أساس التشريع والحكم.
ومنذ إنتخاب أول برلمان سوداني إذا إستثنينا تجربتي إنقلاب مايو والإنقاذ فلم يحقق أي حزب سياسي أغلبية مطلقة تمكنه من الإنفراد. وهذا بالضبط ما ينبئ به مستقبل الحكم في السودان.
وأن من يشكك في هذه القراءة المستقبلية، عليه أن ينظر إلى الخريطة الإجتماعية والسياسية لسودان اليوم. فلقد حدثت خلخلة واهتزازات في المواقف والتوجهات وجرت تغييرات في المفاهيم بفضل العولمة وتراكم المظالم والغبن والوعي.
لقد توفر وعيٌ جماعيٌ يقر بحق الجميع في المشاركة وصنع القرار وهنالك في الأرض كياناتٌ جهويةٌ وأقليميةٌ عريقةٌ ومعروفةٌ وأخرى حديثةٌ برزت كحقائق مع أزمات السودان لا يمكن إغفالها ولاشك أنها جزء من القوى الإجتماعية الصاعدة. وأن تأثير المركز في قواه الإجتماعية المختلفة سوف لن يكون فعالاً في إحداث أي إختراقات ذات معنى كما كان يحدث في السابق إلا بالإعتراف بهذا الواقع والتعايش الصحي. إنَّه زمن الحقوق والعدالة الإجتماعية والإستماع لجميع المكونات.
هذه المقدمة تضع كل القوى الإجتماعية والسياسية أمام لحظة مختلفة لقراءة الواقع والتعلم من المستجدات التي فرضت نفسها وحضورها على المشهد السياسي بلا إمكانية مجدداً للهيمنة والإحتكار والإقصاء ولا يمكن لأي أغلبية أن تشطب وجود أي أقلية مهما بلغت من الصغر لأن الحقوق لا يمكن أن تتجزأ.
إن إدارة الدولة لا تتطلب فقط تقسيم وإدارة الموارد والثروة وإنما تتطلب أيضاً مشاركة جميع المكونات في صنع القرار وهذا يعني إنفتاح عهدٍ جديدٍ للتحالفات ولكنه قطعاً لا يثنيه تلك التحالفات السابقة بين النخب والكيانات المتنفذة والكتل التأريخية التي لم تبرح كراسي السلطة وتدَّعي الحق في الحكم.
أن التحالفات الجديدة سوف تتجاوز كل التكتيكات السابقة التي أخذت مسميات اليمين واليسار أو إسلامي وعلماني فهي يجب أن تكون أوسع مضموناً من القبيلة والقرية والجهة هذه المفاهيم الضيقة التي إختزلت الوطن في رقعةٍ صغيرةٍ وجماعةٍ لا تساوي شيئاً من عامة الشعب يجب أن تقفل ملف الإدعاءات بأننا الأكبر والأكثر وطنية والبلد بلدنا.
وفي سبيل أن تنهض بلادنا وتأسس دولة حكم القانون والمؤسسات والتعددية والتنوع والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة يجب عدم إستثناء أي جهة بحجة إستخدام قوانين العزل السياسي وما يشابهها. وكل من أجرم أو أساء سلطاته يقدم لمحاكمةٍ عادلةٍ ويجب أن يكون القضاء المستقل هو الفيصل وصناديق الإقتراع هي مكان إعلان حكم الشعب.
لقد إنتهى عهد الإنفراد بالسلطة وإستخدام الحيل والأساليب الخادعة يلوي عنق مفردات الديمقراطية كالأغلبية وغيرها للبقاء والأبدية على كراسي الحكم. وإلا فأن دوامة المرارات والثأر سوف تستمر وتتواصل الحلقة الشريرة.
الميدان