مقالات سياسية

ازدواجية المعايير و تأثيراتها السالبة

 

بقلم: د. محمد حمد مفرح

 

تعكس السياسية الخارجية الامريكية، كما تبدو تجلياتها لكل متابع لسيرورتها و تفاعلاتها، مفارقة صارخة تتمثل في عدم ترجمتها للسياسة الامريكية الداخلية بصورة متوازنة او عقلانية تتسق مع نصوص و أحكام الدستور الأمريكي و موجهاته العامة. فبناء على أن السياسة الخارجية Foreign Policy  لأي بلد تمثل، في وجهها العام، البعد الخارجي  للسياسة الداخلية لهذا البلد، من جهة مراعاتها لمصلحته العامة، حسبما تتضمنها السياسة الداخلية للبلد المعني، فان الدول تحرص، من خلال ممارستها لسياستها الخارجية، على خدمة مصلحتها، و ذلك وفقا لما ورد في دستورها و ما فصلته قوانينها. بيد انه يتعين على الدولة، في هذه الحالة، و خاصة الدولة الديموقراطية، الا تطلق العنان لمصلحتها او تمارسها دون ضوابط تتمثل في مباديء سامية او مثل عليا تمثل وجها من وجوه الممارسة الديموقراطية، بل و تؤطر  هذه المصلحة باطار من هذه المثل المضمنة، صراحة او ضمنا، في ثنايا دستورها، بحكم توجهها الديموقراطي. لذا تحرص بعض الدول على ان تتوافق سياستها الخارجية، إلى حد كبير او معقول، مع سياستها الداخلية، فيما يلي تعبير الأولى عن الثانية خارجيا دون افراط او تفريط، و ذلك تفاديا لعدم التوازن المخل الذي ربما يكون له تأثيرات سالبة او يعرض الدولة للنقد، على اقل تقدير.

و من الشواهد على المفارقة الصارخة انفة الذكر و التي تعكسها السياسة الخارجية الامريكية، كما سلف القول، ما تضمنه الدستور الامريكي American Constitution  الذي تم توقيعه و العمل به في العام ١٧٨٧م من نصوص تعمل، في توجهها العام، على تعظيم حقوق  المواطن في ظل الديموقراطية، مع اختلال واضح تعكسه السياسة الخارجية على مستوى الممارسة. ذلك ان هذا الدستور اوضح بجلاء الحقوق   و الواجبات لكل فرد و اختصاصات السلطات التشريعية (الكونغرس) و التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة و القضائية ممثلة في المحكمة العليا مع تحديده دائرة اختصاص كل منها، كما وضع القيود لهذه السلطات و ذلك  لضمان عدم تداخل او تعارض الاختصاصات، ما يحقق دولة المؤسسات المستندة الى سيادة القانون.

و مما ينص عليه الدستور الامريكي في هذا الصدد هو:

(أقترح الكونغرس وثيقة الحقوق في ٢٥ سبتمبر ١٧٨٩م، وتم إقرارها في ١٥ ديسمبر ١٧٩١م، بمصادقة الهيئات التشريعية لمختلف الولايات وفقاً للمادة الخامسة من الدستور الأساسي.

و تحدد التعديلات العشرة الأولى للدستور الأميركي الحقوق والامتيازات والحريات التي لا يجوز للحكومة الفيدرالية أن تحرمها. هذه الحقائق بديهية، بأن كل البشر خلقوا متساوين، وأن خالقهم وهبهم حقوقاً معينة غير قابلة للتصرّف، وأن من بينها الحق في الحياة، والحرية، ونشدان السعادة. ولضمان هذه الحقوق، تمّ إنشاء الحكومات بين الناس، لتستمد سلطاتها من موافقة المحكومين).

و مما يجدر تأكيده ان هذه المعاني السامية التي نص عليها الدستور الامريكي و أستبطنها تمثل، دون شك، مباديء سامية تعكس طبيعة النظام الديموقراطي كما تعد ذات قيمة انسانية عالية كونها ترتبط ارتباطاا وثيقا بحقوق الانسان، بمفهومها الشامل حسبما نصت عليه القوانين.

و من الأهمية بمكان الإشارة الى أن الدستور الامريكي بوصف بأنه دستور جامد لا يتيح فرصة للتعديلات المتواترة او المتكررة  التي يمكن ان تنال من صرامة محتواه أو تكون خصما على احكامه و نصوصه التي تمثل ثوابتا ذات اثار قانونية منتجة. و  مع ذلك فهو يتيح  فرصة للتعديلات التي تقتضيها المتغيرات الوطنية و الدولية، و التطور العام.

من جانب اخر، و وفقا لنص الدستور و القوانين الأمريكية، يتوجب على كل السلطات المذكورة في صدر المقال و كذا الأفراد احترام هذا  الدستور دون أدنى تهاون.

لذا فعادة ما يتم تعديله باجراءات دستورية خاصة و ليس قانونا عاديا، و ذلك تأكيدا على حرفيته و تجنبا للمساس بها.

و مع كل ذلك فهنالك مفارقة تسم الواقع السباسي الامريكي تتمثل  في أنه بقدر  ما ان أمريكا متقيدة، على المستوى  الداخلي الرسمي بالدستور و حريصة على الديموقراطية و حقوق الانسان، كما يعبر عنها دستورها، فان سياستها الخارجية تستند فحسب على المصالح التي لا تقيم للديموقراطية و حقوق الانسان وزنا. و ليس أدل على ذلك من تعامل أمريكا و مواقفها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، فضلا عن الوقائع العديدة التي تؤكد على اتباع امريكا لهذا النهج، و التي لا يتسع المحال لاستعراضها تفصيلا.

و من الأهمية بمكان الإشارة الى ان هذه المفارقة تعد وليدة جنوح السياسة الامريكية الى المصلحة الذاتية بكل تقاطعاتها الداخلية ذات الابعاد الحزبية و الشخصية.

من جهة ثانية فان مما يدلل على هذه المفارقة انه يوجد، على المستوى الفردي و الجماعي بأمريكا، افراد و جماعات و  منظمات و هيئات تقر  بهذا الخلل و ترى ضرورة إصلاحه كونه يمثل ازدواجية معايبر Double Standards تجسد الظلم و تنال من مباديء امريكا المضمنة في دستورها. و ليس أدل على ذلك من ان هذه الازدواجية ظلت تعمل على تعرية أمريكا امام العالم و تؤكد على ديموقراطيتها الشائهة و على هضمها لحقوق الكثير من الدول و الشعوب، علاوة على ان لها تأثيراتها السالبة على الكثير من الأصعدة الدولية.

تعليق واحد

  1. ومتنطع اخر يسبق اسمه بحرف الدال الذى اصبح مطيه يركبها كل من هب ودب ليصل بها الى عقول القراء من خلال مقالات متهافته وركيكه ذات محتوى فارغ ظاناً ان حرف الدال سيسبق ترهاته الى عقل المتلقى وسيشفع له
    لما يحمله هذا الحرف من مضامين كبيره.
    ففى خضم الموت والدمار والجوع وبحور الهم والدم يطالعنا هذا المحمد مفرح مصدراً اسمه بهذا الحرف المجنى عليه ليكتب عن امريكا وتناقض سياستها الخارجيه والداخليه ليصل بنا فى اشاره خجوله لموقف امريكا من حرب غزه، ظاناً انه ولمجرد ذكر حقائق معلومه للجميع عن الدستور الامريكى مع كلمتين باللغه الانجليزيه انه قد استحوذ على ناصيه الحقيقه وانه قد اجهد فكره تحليلاً فى تناقضات الدستور الامريكى!!!! مالنا نحن وامريكا وتناقضاتها وازدواج معاييرها ؟ اما كان الاجدر بك ان تجتهد فى الكتابه عن مآسي الشعب السودانى؟ اما كان من باب اولى ان تكتب عن ضروره وقف نزيف الدماء وتطالب بالقصاص لكل الشهداء؟ اما وقد ابيت (كدكتور يعنى) الا وان تترفع بقلمك عن الكتابه فى الشأن السودانى وذهبت تتسامى به بالكتابه عن الدستور الامريكى فلا اقل من ان تجتهد اكثر فى الإطلاع والبحث والتدقيق لتشرح لنا،( عسي منكم نستفيد) هذه العلاقه الديناميكيه المنصوص عليها فى الدستور الامريكى والتى تربط العلاقات الخارجيه بالسياسه الداخليه، (لم اجد هذا النص الدستورى الرابط) فيا ريت تمدنا به. مبادئ العلاقات الدوليه محكومه بأربع قواعد وهى مبداء المساواة ومبداء عدم التدخل ومبداء المعامله بالمثل ومبداء المصالح المتبادله ودساتير الدول تؤسس علاقاتها الخارجيه انطلاقاً من هذه المبادئ الدوليه جميعها او بعضها بما يخدم توجهاتها ، اما السياسه الداخليه لأى دوله فهى قائمه على اداره الحريات العامه والفرديه سوى كانت حريات سياسيه او فكريه او دينيه من خلال القوانين والتشريعات ثم تنظيم واداره الاقتصاد بوضع ضوابط تحكم حركه السوق والتبادل التجارى والمالى
    ثم اداره وتنظيم علاقات المواطنين بعضهم ببعض بقوانين تحدد مسؤليات وواجبات الفرد وتوضح حقوقه تجاه الاخر وتجاه الدوله. فهل تجد اى علاقه بين مبادئ العلاقات الدوليه الاربعه التى تحكم علاقات الدول بعضها ببعض وبين الاليات والقوانين المنظمه لعلاقه الدوله بالشعب؟؟؟؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..