وتبقى الكلمة

٭ كنا نجلس في تلك الفترة في مقهى بحي الحسين نتحدث عن الكتب والأفكار وننفث دخان السجائر والشحاذون يطوفون حولنا في اعياء مميت.. يلقي أحدهم إلينا بالسلام فإذا نهرناه مضى إلى ركنه كسير النفس.. وشغلتني فكرة التناقض بين حديثنا والواقع من حولنا ولعلي رأيت جريمتنا ولكني لم أدرك ان الثقافة قد تكون وسيلة للقضاء على الفقر بل لعلها هي المهاد الأول لكل عمل نبيل فألقيت اللوم على الكتب.
٭ هذه الكلمات كتبها صلاح عبد الصبور الذي شغله دور المثقف أو المتعلم حيال مجتمعه وشغله الانسان والوجود والموت.. الانسان بفقره وعذابه ومن خلال احساسه هذا وجد ضالته في توظيف الكلمة والموقف.
٭ عن ذلك الشحاذ الذي يلقي عليهم السلام وهم يلوكون حديث الكتب وينفثون دخان السجائر في مقاهي حي الحسين.. قال عبد الصبور:
و يظل يسعل والحياة تموت في عينيه
إنسان يموت
سماحة الحزن الصموت
و البسمة البيضاء تهمر فوق خديه مَحبَّة
لك.. لي.. لمن داسوه في درب الزحام
ألقى السلام
و صفا محياه وأغفت بين جفنيه غمامة
بيضاء شاحبةٌ يُطلُّ بعمقها نجما سواد
و تمطت الرئتان في صدر زجاجيٍّ خرِب
و امتدت الأنفاسُ مجهدةً تراوغُ أن تبوح
بالإنكسار
إني انهزمت و لم أُصب من وسعها إلا الجدار
و النور و السعداء من حولي و قافلة البيوت
لكنه ألقى السلام
ومضى ولا حس ولا ظل كما يمضي ملاك وتكورت
أضلاعه ساقاه في ركن هناك
حتى ينام
من بعد أن ألقى السلام
٭ ظل صلاح عبد الصبور في اطار تساؤله الثلاثي إلى آخر يوم في حياته.. ما جدوى الحياة؟ ما جدوى الحب؟ ما جدوى الفن؟ كان يبحث عن الاجابة من خلال فلسفة واضحة ومقولات الأنبياء والفلاسفة أمامه بحثها في الواقع وفي التاريخ كان يقف مع نفسه وينتقد مسيرته الأدبية هذا ما فعله في كتابيه «وتبقى الكلمة» و»حياتي في الشعر».
٭ ولكني مازلت أرى ان الحياة خير وشر فالخير هو ما أعطى الحياة معنى من أصغر جزئياتها معنى كامل التشكيك والنقاء والشر هو ما جار على عناصر تشكيل الحياة ونقائها.
٭ وصل صلاح عبد الصبور إلى حقيقة أعظم الفضائل عنده هي الصدق والحرية والعدالة وأخبث الرذائل هي الكذب والطغيان والظلم.
٭ كان يعتقد ان فضائل الصدق والحرية والعدالة هي التي تستطيع تشكيل العالم وتنقيته وان غيابها معناه ببساطة انهيار العالم.
آه نحن الذين أردنا أن نمهد الطريق للمحبة لم نستطع
ان يحب بعضنا بعضا
اما أنتم
فعندما يأتي اليوم
الذي يصبح فيه الانسان صديقاً للانسان
فاذكرونا
وسامحونا..
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة