السودان يصطف مع روسيا ويخلط أوراق الولايات المتحدة تجاه أزمته

أعلن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) عقب زيارته الحالية لموسكو تأييده لقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاضي بالاعتراف بسيادة جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك واستقلالهما عن دولة أوكرانيا.
وتحمل الزيارة التي بدأها حميدتي الأربعاء، غير محددة المدة، لموسكو إشارة واضحة للولايات المتحدة مفادها أن المكون العسكري المسيطر على مفاتيح السلطة في الخرطوم يقف إلى جانب روسيا في موقفها من الأزمة الأوكرانية.
وتؤكد الزيارة أن الجيش ماض لتعزيز علاقاته مع موسكو لإنقاذ الحكومة المتعثرة في البلاد متجاوزا الارتباك الغربي في التعامل مع تطورات الأزمة السودانية.
وتوجه حميدتي على رأس وفد حكومي رفيع ضم خمسة من الوزراء، غلب عليهم الطابع الاقتصادي، إلى موسكو لبحث التعاون المشترك بين الدولتين، تلبية لدعوة من الحكومة الروسية تمت في وقت تدق فيه طبول الحرب أبواب أوكرانيا.
وبدت الدعوة الروسية متماشية مع رغبة الجيش في الارتكان على بوتين في هذا التوقيت والإيحاء بأن لديه أدوات يستخدمها في مواجهة الضغوط الغربية، وتأكيد الرئيس بوتين أن هناك عواصم محسوبة على واشنطن يمكن أن تقف بجانبه.
ووصف المحلل السياسي عصام دكين زيارة حميدتي إلى موسكو بالغامضة نسبيا في ظل الاضطرابات الإقليمية المتصاعدة، وأن المكون العسكري أراد إرسال إشارات إلى الولايات المتحدة بأنها إذا لم تتدارك مواقفها بشأن دعم السلطة الحاكمة فسوف يتجه السودان إلى المعسكر الروسي، وأن الأحاديث المتواترة عن زيارة أخرى لحميدتي إلى الصين بعد أيام تعيد الخرطوم إلى حضنها السابق مع هذين الحليفين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن السودان سيلجأ إلى أي دولة تسهم في إنقاذه من الوضع الداخلي المتردي وأنه يتنظر دعما من النفط والكهرباء والقمح من روسيا حتى يتمكن من عبور الفترة الصعبة، وتترسخ أقدام الحكومة المكلفة من قبل مجلس السيادة، والتي تواجه تحديات من القوى المدنية.
ويجد المكون العسكري في أزمة أوكرانيا واحتمال انتقال الصراع المشتعل بين موسكو وواشنطن على النفوذ إلى بقاع جغرافية مختلفة فرصة مواتية للحصول على المزيد من الدعم الروسي لمواجهة أزمات داخلية تقترب من الانفجار، ولن توجد موانع لتقديم تطمينات لموسكو بشأن تنفيذ اتفاق لبناء قاعدة عسكرية روسية بالسودان.
وهناك اتفاقيات سابقة جرى توقيعها بين البلدين تقضي بإنشاء ممثلية لوزارة الدفاع الروسية في السودان، وتسهيل دخول السفن الحربية الروسية إلى موانئه، وإنشاء مركز دعم لوجستي روسي في ميناء بورتسودان.
ويضع حميدتي خلال زيارته لموسكو في حسبانه توالي الضغوط التي تواجهها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة تحجيم النفوذ الروسي في السودان، وهو ما يجعل الولايات المتحدة منشغلة عنه وربما أكثر مرونة في التعامل مع السلطة التي انقلبت على الشراكة مع المكون المدني بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
ويقول مراقبون إن الخرطوم تبدو مغامرة بشأن العلاقة مع قوى غربية بانحيازها لموسكو، وقد تكون نتيجة ذلك عودة السودان إلى مربع العزلة الدولية مرة أخرى إذا تمكنت الولايات المتحدة من حسم المعركة مع روسيا لصالحها.
وتشير تقديرات دوائر عسكرية سودانية إلى أن الولايات المتحدة لن تنحاز إلى رؤية المكون العسكري بأي حال للوصول إلى مرحلة إجراء الانتخابات وسوف تستمر في موقفها المتذبذب بين دعم القوى المدنية وعدم خسارة العسكريين بشكل كامل.
كما أن تصاعد نبرة الهجوم من جانب الإدارة الأميركية على الجيش السوداني أخيرا أسهم بالتعجيل في الاتجاه نحو موسكو، فهناك إدراك بأن قطار العقوبات الأميركية الذي انطلق مع الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي لن يتوقف مع تراجع فرص التوافق مع المكون المدني.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي فيي مؤخرا إن بلادها تعكف على مراجعة مجموعة كاملة من الأدوات التقليدية وغير التقليدية لتقليص الأموال المتاحة للجيش السوداني وعزل الشركات التي يسيطر عليها.
وأكد الخبير الاستراتيجي السوداني اللواء متقاعد محمد خليل الصائم أن حميدتي يحاول توظيف مساعي روسيا في وضع قدمها في السودان للحصول على المزيد من المساعدات التي تمكن الجيش من الصمود في وجه الأزمات المتفاقمة، حيث يدرك أعضاء مجلس السيادة أن واشنطن سوف تعمل على تحجيم نفوذ موسكو، وهو ما يعني أن الخرطوم تعمل على الاستفادة من التناقضات بينهما أسوة بنظام البشير.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن السودان يذهب للانحياز لموسكو التي تُصر على تفعيل اتفاق القاعدة اللوجيستية في البحر الأحمر، وأن العوامل السابقة التي دفعت رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان لتعليق الاتفاق بحجة إقراره أولا من جانب المجلس التشريعي انتفت بعد الانقلاب على السلطة، وتوقف الدعم الذي قدمته واشنطن لتطبيع العلاقات، وقد يذهب باتجاه المزيد من التعاون مع موسكو.
ولدى المكون العسكري قناعة بأنه طرف غير مرغوب فيه من جانب القوى الغربية، والإدارة الأميركية خصوصا، ولا يعول كثيرا على استئناف المساعدات حاليا ويبحث عن مخرج أو طرف يسانده أمام توالي الضغوط الدولية.
ويسير بسرعة تؤدي إلى توسيع نطاق التدهور في العلاقات مع الدول الغربية، بينما يرى الصايم أن مصالح السودان الحقيقية مع إقامة علاقات جيدة مع جميع الأطراف.
ويتوقع متابعون أن يواجه السودان صعوبات سياسية واقتصادية حال اختارت واشنطن أن تتعامل بصيغة خشنة مع إصرار الخرطوم على التوجه نحو روسيا في هذا التوقيت، وهو أمر يتصاعد حدوثه تماشيا مع التطورات على الحدود الأوكرانية.
وقد دفع ذلك البرهان للتحذير من وجود “تحديات وتهديدات” تحيط بالبلاد خلال زيارته لمنطقة عسكرية الأربعاء، بدا فيها باحثا عن توجيه تطمينات للجيش بأن التحركات السياسية الجديدة تضع في الحسبان العواقب المترتبة عليها.
وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فاي قد حذرت من قبل من أن انتصار روسيا في السودان يعني عواقب إنسانية وخيمة في شمال وشرق القارة الأفريقية، حيث تسعى واشنطن لإعادة ضبط سياستها في الخرطوم التي ستبنى على أساس نتائج المواجهة مع موسكو، والتعامل بحذر مع الأطراف السودانية.
العرب
هل أصاب الرئيس ترامب عندما وصف خطوة بوتين بالاعتراف بالجمهوريتين دونتسك ولوغانسك بالعمل “العبقري”؟ ولماذا؟
ان يشيد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ويصف هذه الخطوة بأنها عمل “عبقري” خلال مقابلة إذاعية مع محطة يمينية، فإن هذه الإشادة التي نعترف بأنها تأتي في اطار المناكفة لخصمه السابق والرئيس الحالي جو بايدن، تنطوي على الكثير من الصوابية، لان “إدارة” الرئيس بايدن لهذه الازمة جاءت مليئة بالأخطاء الاستراتيجية، وتكشف عن سوء تقدير معيب للأوضاع الحق ضررا كبيرا بمكانة الولايات المتحدة.
صحيح ان الرئيس السابق ترامب لم يشرح اكثر أسباب “توصيفه” لخطوة بوتين بـ”العبقرية” والذكية، واكتفى بالقول بأن هذه الازمة الأوكرانية ما كانت ستحدث لو كان في البيت الأبيض (بحكم صداقته الغامضة مع بوتين)، ولكن من الواضح ان الرئيس بوتين خرج الفائز الأكبر “حتى الآن” بسبب “غباء” الرئيس بايدن وتردده في الرد بطريقة فاعلة، عسكرية او سياسية، حسب ما اعطى من انطباعات، واكتفى بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا، بات واضحا ان الرئيس الروسي استعد جديا لإجهاضها مبكرا، والرد عليها بخطوات انتقامية روسية صينية مشتركة بما قد يؤدي الى إعطائها نتائج عكسية.
ترامب وضع الصين على قائمة اعدائه عندما كان في الحكم، بينما اختار بايدن الصين وروسيا كعدوين لدودين محتملين، الامر الذي أدى الى توحدهما ضده في جبهة واحدة، وهذه خطيئة استراتيجية قد تكون مكلفة على جميع الأصعدة.
اصلا إقامة علاقات جيدة مع أمريكا امر في غاية الصعوبه لان مطامعها في السودان اكبر من أن يقبلها حاكم لا العسكر ولا المدنيين ولو كانت تقف مع المدنيين لساعدة حكومة حمدوك على الأقل في اتفاقه مع البنك الدولي والذي ترتب عليه رفع الدعم بصوره جنونية ادت للفشل الكبير.