
ونحن على اعتاب الشهر الفضيل شهر رمضان تعود بي الذكرى لسنوات ماضية في ربوع الوطن حين كانت الحياة اكثر نظاما وسلاما وامانا .. ولكن لحسن الحظ ما زالت البلاد تتمتع بخيرات وموارد طبيعية وبشرية كفيلة بإقالة عثراتها ..
“قولوا لعين الشمس ما تحماشي” أغنية لشادية كنت أستمع لهذه الاغنية القرن الماضي يوميا وانا ذاهب للعمل مع نسمات الصباح عبر المذياع في برنامج الصباح الذي كان يقدمه حمدي بولاد والمرحومة ليلى المغربي .. وقد تعود الذكرى الى عصر التلفزيون الذهبي وسهرة تحت الأضواء تقديم حمدي بولاد قبل ان تبتلعه بحار الاغتراب كغيره من الكفاءات .. وكثيرا ما أتذكر ذلك البرنامج الباذخ “تحت الأضواء” كلما ظهر على الشاشة هنا في أمريكا نجوم السهرة أمثال ديڤيد لترمان وجو لينون وجوني كارسون وغيرهم .. ومن حسنات وابداعات ما يفعله الفن الأصيل هو تخزين الأزمنة واللحظات الجميلة في الذاكرة حتى اذا احتاجها الانسان لجأ اليها بعد ذلك في أي وقت من الأوقات يستعيد ويعيش تلك الأزمنة مرات ومرات لتكون بمثابة تلطيف وتهدئة وسكن .. وهذا ما كانت تفعله شادية وأغنية شادية وبرنامج نفحات الصباح .. كان الكثيرون يعتقدون ان الاغنية من أغنيات الغزل حتى اتضح انها ما هي إلا أغنية وطنية تخلد ذكرى ضحايا قرية دنشواي الذين تم اعدامهم في الحادثة الشهيرة ابان الاستعمار الإنجليزي لمصر ..
أما المرحومة شادية كثير منا يعرفها شادية المغنية والممثلة السينمائية التي تتوهج القا وجمالا على الشاشة البلورية .. ولكن لم يُعرف على نطاق واسع شادية النبيلة المحسنة ذات القلب الرحيم .. كثير من الناس قد يخضعه المظهر ويتسرع في الحكم على شخص ما دون الغوص في المخبر” وهذا من شأن الدنيا كثير” مقولة طالما رددها لي خلال حواراتي معه المرحوم البروف عبد الله الطيب ..
ما اود تسليط الضوء عليه هنا ليكون عبرة لمن يعتبر هو بعض المواقف التي تعكس الجوانب الأخرى في سيرة الانسان خاصة المشاهير ..
يروى عن المرحومة شادية انه في إحدى أعمالها الكثيرة وهي مسرحية ريا وسكينة، كان الممثلون يتلقون أجرهم فى المسرحية كل 15 يوم،
حيث يتم تسليم كل ممثل مظروف خاص به، إلا شاديه كانت تتسلم أجرها حسب طلبها في 41 مظروفا، أحد المظاريف به أجرها لدورها في المسرحية، وأربعين ظرفا فارغا ..
وتقوم السيدة شاديه بتوزيع قيمة الاجر من المظروف المليان ووضع أجزاء منه بالتساوي فى المظاريف الأربعين الاخرى .. وتمر السيدة شادية على عمال المسرحية والكومبارس، وتعطي لكل واحد منهم مظروفا.. واللافت للنظر، إن شادية وهي الفنانة الكبيرة المشهورة لا تستدعيهم أو تبعث من ينوب عنها وانما تذهب ه بنفسها وتمر عليهم فردا فردا وتسلمهم المظاريف ..
ومما يروى عنها انها تكفلت بعلاج زميلتها في المسرحية الممثلة المصرية سميحة توفيق التي كانت تعاني من مرض الكبد لمدة تقارب الثلاثين عاما حتى وفاتها عام ٢٠١٠
.. وفى بداية الثمانينيات نمى الى علمها أن الدكتور مصطفى محمود لديه مشروع خيري لبناء مركز طبي عند مسجده بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، فما كان منها الا ان تتبرع بشقتها لبناء أول وحدة لتشخيص وعلاج مرض السرطان، وكانت الشقة مكونة من سبع غرف، وقيمتها وقتها كان 150 ألف جنيه، يعنى أكتر من 10 مليون جنيه حاليا ..
وتحولت السيدة شادية الى السكن مع والدتها في شقة ايجار عند حديقة الحيوان بالجيزة .. كذلك تبرعت بأرض تملكها لبناء مجمع طبي ..
.القلوب الرحيمه هي التي ينظر الله سبحانه وتعالى إليها يوم الحساب… إنما الصدقات تربو وما عند الله باقٍ
هناك من يتربى في أجواء التقوى أو يتخصص في علوم الدين في الازهر الشريف أو أي مؤسسة دينية ويواصل خدمة الدين معلما أو واعظا وتمضي حياته هكذا لم يتعرض لتجارب اخرى .. ولكن أن تكون مهنة الانسان وسيرته كما كانت المرحومة شادية في الجانب الآخر ومغريات الفن والشهرة وتترك كل ذلك وتكرس كل إمكاناتها للعمل الصالح هذا هو التحدي الأكبر الذي يحتاج الى قوة الايمان وعزائم الأمور .. إنها لحظة الاختيار الحر..
وقد قال الامام الشعراوي رحمه الله تعالى:
“الناس يمحون ماضيك الجميل مقابل موقف سيء منك، والله يمحو ماضيك السيء مقابل توبة منك، فأيهما أحق بطلب الرضا؟”
ويحضرني هنا في هذا الصدد ما قاله المرحوم مصطفى محمود: ” اذا اردت ان تفهم انسانا فانظر فعله في لحظة اختيار حر وحينئذ: سوف تفاجأ تماما فقد تري القديس يزني ، وقد تري العاهرة تصلي, وقد تري الطبيب يشرب السم, وقد تفاجأ بصديقك يطعنك، وبعدوك ينقذك ، وقد تري الخادم سيدا في افعاله، والسيد احقر من احقر خادم في اعماله ، وقد تري ملوكا يرتشون ، وصعاليك يتصدقون” ..
وقال الفيتوري رحمه الله تعالى واحسن اليه :
دنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استحياء
والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء
[email protected]
واشنطن
ياخى فكنا من المصريين ..من شادية الى سميحة توفيق مصطفى محمود الى الشعراوى .. خلاص فكيت الكابلى
و كثيرٌ من الناس قد لا ( يخضعه ) المظهر ، يا دكتور .
نعم هذا صحيح أيضا