جرة نم 12

نمة اليوم اخترناها من ديوان شاعر فحل ولد ونشأ وسط أرومة وأسرة تتنفس الشعر ذلكم هو الشاعر محمد شريف محمد سعيد العباسي. ينحدر شاعرنا “محمد شريف العباسي” (1918م -2003م) من بيت كريم حفظ له التاريخ أمجاداً توارثها كابراً عن كابر، فوالده ” محمد سعيد العباسي” شاعر الصولة والجولة وباعث نهضة الشعر العربي في السودان، وجده لأبيه الأستاذ “محمد شريف ولد نور الدائم”. وقد كان محمد شريف يجوب البادية وفيافيها على صهوة جمله المفضل (التلب) مواصلاً رسالته السامية وفي كل مرة كان يحن لوادي المِلك “ولرهده” العظيم ولناسه وأطياره المغردة ولحبيبته (عائشة) وعندما يتمكن منه هذا الحنين يطلب من جمله التلب أن يعود به سريعاً الى “مناطق الدمر” فيستجيب له التلب ويسرع به تلقاء من يهوي كأنما يحس بمشاعره ومحمد شريف ينشد:
الَرهَدْ الِبقَوقي دَبَاسُو
رِدتُو جَمِيعُو قُمريهُو وبلومو ونَاسُو
عَليْ بَلَدْ البُعَادْ أَكْتَافُو مِنْ خُرَاسُو
دَوْدَوْ بيْ واندفقَّنْ مَحَاجِمْ رَاسُو
فقد حدد الشاعر في البيت الأول مكان المحبوب بالحديث عن “الرهد” وهو مكان لتجمع المياه في فصل الخريف ولذلك يقيم حوله العرب الذين تكثر بينهم الحسان ومنهن محبوبة الشاعر فيزداد المكان ألقاً وجمالاً خاصة مع وجود الطيور أو” الدباس” وهو “يقوقي” ويعزف لحناً يتسق تماماً مع طبيعة ذلك المكان الخلاب مما يحدث تأثيراً واضحاً في أحاسيس الشاعر فيذكر ذلك الإيقاع في قصيدته. أما في البيت الثاني فيشير الشاعر إلى حبه العميق لذلك المكان بكل من فيه وكأني به يستلهم قول الشاعر العربي:
أيا ساكني شرقي دجلة كلكم إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
وهذا من قبيل ما يقال في حبِّ ما يتَّصلُ بالمحبوب من مكان وزمان ومخلوق! أما في البيت الثالث فقد تناص قول الشاعر مع قول العرب: ” فلانة بعيدة مهوى القرط” كناية عن طول جيدها، والقرط هو “الحلق” الذي تلبسه النساء. وطول العنق صفة تستحسنها العرب في النساء ومن ذلك قول عمر بين أبي ربيعة:
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل أبوها وإما عبد شمس وهاشم
وقول الملك الضليل:
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل
وفي البيت الأخير يشير الشاعر إلى أن بعيره يشاركه الشوق إلى الحبيبة حتى أسرع فسالت “الدومات” على رقبته كناية عن أنه جمل أصيل.

[email][email protected][/email]