مقالات سياسية

حان اوان حل الجيش السوداني

يوسف السندي

الانقلابات على حكم الشعب والنظام الدستوري هي الامتحان الذي يحدد مكانة الجيش وقيمته ، الجيوش التي ترفض الانقلابات وتواجهها وتحمي الدستور وحكم الشعب هي التي تستحق ان يطلق عليها لقب قوات الشعب المسلحة ، اما الجيوش التي تدعم الانقلابات وتخون حكم الشعب والدستور فهي مجموعة مسلحة خائنة ومجرمة لا تستحق لقب جيش ولا ينبغي أن يناديها احد بلقب قوات الشعب المسلحة.

المتابع المتفحص لمسيرة الجيش السوداني منذ الاستقلال ، سيجد انه مؤسسة مؤمنة بالانقلابات ، ادمنت خيانة شعبها وقتله ، وقد بدأت الخيانة مبكرا بانقلاب عبود في عام ١٩٥٨م بعد سنتين فقط من الاستقلال ، فبعد ان سلم رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل السلطة لعبود كقائد للجيش لتقديرات سياسية ، ثم علم خطلها عاد عبدالله خليل وطالب عبود بارجاع سلطة الشعب ، فما كان من عبود الا وأن اعتقله ونفاه الى سجون الجنوب ثم واصل في الحكم وكانه سيد السودان وسلطانه.

استمرت الخيانة بانقلاب النميري على الحكم الديمقراطي في ١٩٦٩م ، وبدل ان يواجه الجيش انقلاب بعض العسكر الخونة على الدستور وسلطة الشعب صمت وسكت ودعم الانقلاب ، ليؤكد انه جيشا يحمي العسكر وليس الشعب ، ثم عادت الخيانة مع انقلاب البشير على الحكم الديمقراطي في ١٩٨٩م ، وبدل ان يقف الجيش مع حكم الشعب ويواجه الانقلابين استجابة لدعوة قائده العام الفريق فتحي احمد علي ، صمت الجيش ودعم انقلاب حثلة من صغار الضباط الخونة ، الذين قوضوا الدستور وسرقوا سلطة الشعب بليل بهيم.

اخر الاخطاء واكثرها كارثية كانت هي انقلاب الجيش في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م على حكومة الثورة ، والحقيقة ان هذا الانقلاب كان نتيجة موضوعية لتسلسل ارتكاب الأخطاء السياسية الكارثية لقيادة الجيش منذ لحظة خلع المخلوع ، حيث ظلت هذه القيادة تقدم الجيش كقاتل وليس شريك في الثورة كطرف خائن وليس شريك ثقة في ادارة البلاد ، كقوى عسكرية قاهرة للجماهير وليس حامية لها ، ظهر هذا في الاعتداء على المظاهرات وقتل المتظاهرين ، وفي فض الاعتصام وما تلاه ، ثم حتى بعد ان تجاوز السياسيون شلالات الدماء والخيانة ووقعوا مع الجيش اتفاقا سياسيا استمرت قيادة الجيش في خيانتها للثورة بأن وضعت العراقيل امام حكومة الثورة وحشدت ضدها الفلول وعناصر النظام البائد حتى انقلبت عليها في ٢٥ اكتوبر ، وهو الانقلاب الذي فتح الباب لكارثة الحرب المدمرة الحالية.

حتى بعد اندلاع الحرب لم يتوقف الجيش عن ارتكاب الخيانات والأخطاء المكلفة التي جعلت موقفه السياسي والعسكري في مهب الريح ، واولها سماحه للكيزان والفلول بقيادة المعركة الاعلامية للجيش ، وهؤلاء بدل ان يوجهوا هذه المعركة ضد الدعم السريع وجهوها ضد القوى المدنية والثورية ، فردت هذه القوى بحملة اعلامية مضادة كشفت زيف هذه الحملة وصرعت خطاب الحرب مبكرا.

ثانيها سماح الجيش لكتائب الكيزان ان تتغلغل داخل الجيش لدرجة ان قائد كتائب البراء كان يبث فيديو مباشر في صبيحة اول يوم للحرب من نقطة عالية داخل القيادة العامة للجيش وهو شخص مدني وليس عسكري ، بينما كان المفتش العام للجيش لا يدري ماذا يجري حتى تم اسره ، وهذه الواقعة أثبتت ان الكيزان لم يطلقوا الحرب في المدينة الرياضية فقط بل كانوا يقودونها من داخل القيادة العامة للجيش وهذا ما يؤكد انها ليست القيادة العامة لجيش الشعب باي حال وانما هي القيادة العامة للكيزان.

المحطات المؤلمة في عمر الشعوب تستوجب المراجعات المؤلمة ، ومحطة الحرب المؤلمة الحالية تستوجب ان يراجع الشعب فائدة وقيمة هذا الجيش الذي لم يحمي يوما حكم الشعب ، واقتطع لنفسه معظم ميزانية الشعب السنوية لسنوات طويلة ثم هاهو يفشل في الدفاع عن العاصمة الخرطوم وتسقط فرقه العسكرية واحدة تلو الاخرى في يد قوات حديثة العمر ، دربها هو وانشأها هو يوم ان اسقط حكم الشعب واستفرد بالبطش والقهر للشعب المسكين .

في الماضي كان الجيش هو الجيش الوحيد في البلاد لذلك كان الاتجاه الطبيعي للشعب والقوى السياسية هو محاولة إصلاحه عسى ولعل ، وقد فشلت كل محاولات الإصلاح هذه في كبح جماح الجيش وخيانته للدستور وحكم الشعب وتعطشه للاستفراد بالحكم ، ولكن الواقع الراهن يظهر ان السودان أصبح فيه عدد ضخم من الجيوش ، وكلها جيوش نتجت كسبب مباشر لفساد هذا الجيش ، وهو ما يستوجب نسيان فكرة إصلاح الجيش ، وتقديم مقاربة جديدة ، مقاربة جراحية مؤلمة هي حل الجيش تماما وحل كل الجيوش الاخرى الموجودة في الساحة ، وتكوين جيش سوداني جديد (لنج) ذو عقلية حديثة مهنية تحمي حكم الشعب ولا تخونه ، وتدافع عن الدستور ولا تنقلب عليه.

الشرط الاهم لنجاح هذه العملية الجراحية هو ان يترافق هذا الحل مع اطلاق حوار سوداني شامل يجمع كل الشعوب السودانية حول عقد اجتماعي جديد يوحد السودانيين على مباديء عليا لا يتخطاها مواطن ولا حزب ولا جيش ، يرعاها الجميع ويصونونها واهمها الحرية والعدالة وسيادة حكم القانون.

هذا حل مؤلم وصادم نعم ، لكنه طريق مختصر يمكنه ان يعالج كل اخفاقات الجيش ، وكل اشكاليات الفرقة والخلاف بين الشعوب السودانية ، ويعيد توحيد البلاد تحت ظل جيش واحد وشعب واحد وحكم مدني ديمقراطي لا يظلم فيه مواطن ولا حاجة فيه لحمل السلاح من أجل المطالبة بالحقوق.

[email protected]

‫15 تعليقات

  1. اختلف معك تماما فى كلمة حل !! واتفق معك تماما فى الدور السلبى المتكرر من القوات المسلحة تجاه نظام حكم دولة السودان !! الحل ليس فى حل القوات المسلحة. هذه ولا ريب نظرة ضيقة ومعتلة لمسألة السودان المعقدة !! القوات المسلحة مؤسسة وطنية مملوكة للشعب السودانى ولديها وظيفتين اساسيتين: الاولى حماية الامن القومى والثانية حماية الدستور وهاتين الوظيفتين لكل منهما تعريف واضافات وتفصيلات طويلة ليس هذا مكانها. المؤسسه العسكرية مثلها مثل وزارة الصحة والمالية والتربية تعرضت لتدمير ذاتى من الاحزاب السياسية بل كان التدمير الذى حدث للمؤسسة العسكرية اشنع وافظع من واقع ان الحزب الذى يسيطر على الجيش هو من يسيطر على حكم البلاد وعند هذه النقطة نجد ان الجبهة الاسلامية كان لها القدح المعلى فى تدمير القوات المسلحة وخلق قوات شيطانية موازية والحرب الجارية الان اكبر دليل على ذلك. المهم فى الموضوع ان بناء جيش قوى مهنى وطنى لا يتم الا بعد حل جميع مشاكل السودان الساسية المختلفة فى مائدة واحدة وحينها يكون من السهل اصلاح (وليس حل) المؤسسة العسكرية !!
    بشير قوى

    1. يا بشير انا متفهم للعقلانية التي كتبت بها تعليقك علي الموضوع.لكن بكل اسف لن تنفع! ليس لان ما قلته خطأ و لكن الواقع تجاوز المنطق بمراحل كثيرة لدرجة ان فكرة حل الجيش هي اسلم فكرة مجنونة عند البعض، لتكون امل للأمة كي تبدأ من جديد علي الطريق الصحيح . فكر خارج الصندوق ما عندك حل تاني

  2. زمان دكتور حيدر ابراهيم النطاس قال نفس الكلام دة ، قام نط ليه تخيل من! ارزقي الانغاز الهندي عزالدين عشان يقل أدبه علي النطاس دكتور حيدر. رزايا الانغاز لن تنتهي

    1. حل الجيش يعني تقسيم السودان الي دويلات َالمؤسسه العسكرية هي الجه الوحيده في السودان التي يمكن أن نطلق عليها صفه القومية كيف تحل الجيش القومي رغم المشاكل الموجوده فيه استبداله بقوات الدعم السريع القبليه التي تنتمي الي بعض القبائل الرعويه ومؤسسة تحكمها اسره واحده وكل ضباطها من بيت واحد وبعض مشردي غرب أفريقيا ء وحركات مسلحه جل قياداتها قبليه او اسريه الكيزان رغم سؤهم لا يعتمدون على القبلية مثل مايفعل الدعم السريع والحركات المسلحه انتم السياسيون ابعدوا من القوات المسلحة وسوف ينصلح حال السودان اما الان المعركه معركه الحفاظ على البلد من المرتزقه امثالكم وبعدها يتم إصلاح القوات المسلحة الحديث عن حل الجيش في هذا الوقت هو تخزيل للقوات المسلحة ومساعدة الجنجويود في الحرب والسرقة والنهب والقتل تبا لكم ولامثالكم ياقحاته يا عملاء

  3. أول مرة تقول كلام سديد وبليغ يا سندي. نتفق معك قلبا وقالبا وعلى هذا (قرط) ولا تفرط ولا يشوشن عليك مشوش فتقول بغير هذا!

  4. الجيش حل نفسه بنفسه يوم فض الاعتصام حينها انفضت جموع الشعب السوداني من حوله واكتشف شعبنا ان هذا الجيش هو من يقنص ابنائهم ويقتل نسائهم ويحرق قراهم ويشرد ابائهم ويقسم وطنهم نعم حان لهذا الجيش ان يترجل ويرحل فلن تنفعه اكاذيب الكباشي او ادعاءات البرهان ولا عنتريات ياسر عطا و لا حروبه على الميديا فقد انتهى الامر

  5. واخيرا آمن دكتور يوسف السندي بعبثية الترقيع وتغطية الجروح كما اتفق حتى تتعفن اخيرا امن الكثير بعد ان صرح قائد الجنجويد بكل وضوح انه يدعو لسودان جديد وبعد أن امنت جماعة الهبوط الناعم ظهرها بسلاح غيرها وهم سادة العارفين بانه لا حل دون تغيير جذري في البلاد ولكنهم جبناء يخافون ان يقولو كلمة الحق بحجة أن السياسة فن الممكن وينسوان أن الفنون مع الاصدقاء والشركاء المدنيين ولا فنون ولا شراكة ولا تفاوض ولا مساومة مع الاعداء ويكفي شراكة الدم والوثيقة الاطارية على كل حال أن تأتي متاخر خيرا من ان لا تاتي يا السندي

  6. قبل حل الجيش المؤدلج دا يجب ان ننحل من شبكة وبلوة دولة دارفور
    يجب ان نقرر مصيرنا وننفصل عشان كل الناس ترتاح يا جلابة فك الارتباط واجب الساعة الزغاوة والرزيقات اتفقوا علي احتلال ارضنا وقتلنا كما فعل جدهم السفاح التعايشي في اجدادكم زمان الحل الوحيد والناجع والنهائي الانفصال وان نعود الى مكوناتنا الطبيعية المعروفة وان يحكم ابناء كل بلد منطقتهم كالاتي :
    ١. دولة سنار وهى دولة قامت علي ارض كوش وما ادراك ما كوش دولة وحضارة عمرها اكثر من ٧سنة وهى الرافعة الحضارية التى يفتقدها ابناء الهامش العنصري البغيض
    ٢. دولة دارفور ضماها المستعمر الانجليزى لسنار في يوم الاثنين الاسود الموافق ل ١يناير ١٩١٧م بعد مقتل زعيمهم علي دينار فى ٦نوفمبر ١٩١٦م
    ٣. اقليم جبال النوبة وضم لسنار في ١٩٠٠م بواسطة الانجليز بعد ان رسم الحدود بين سنار ودولة الجنوب الان

    لا حل ولا حياة طبيعية في ارض كوش الا بالانفكاك من بلوة دارفور
    دارفور مجهدة لخزينة اى دولة ولو كانت امريكا فمابالك بخزينتنا الخاوية الجاية من شوية الدهب بتاع الشمال والبحر الأحمر وزراعة الوسط وكردفان.
    دارفور بتساهم بشنو غير الحركات المسلحة العنصرية القبلية وكلهم عايشيت علي قفا المواطن الشمالى الغلبان.

    الانفصال
    الانفصال
    الانفصال
    اعلان الرجوع الى دولة سنار هو الحل

  7. معليش ماعدنا جيش …
    حملت الاخبار ان اكثر ثلاثمائة غسكري ينتمون للجيش السوداني عبروا الحدود الي دولة تشاد فرارا من الحرب التي تدور بينهم وبين الدعم السريع في دارفور كما افاد وصرح وزير الدفاع التشادي وانه تم تجريد هولاء العساكر من اسلحتهم ,,, انتهي الخبر
    يا للالم يا للحزن …

  8. عقب انتفاضة أبريل٨٥م قلتوا حلو جهاز الأمن فتم حله وبعد ثورة ديسمبر١٩م طلبتوا حل جهاز المخابرات وهيئة العمليات حلوها ليكم وكل ده مانفعكم
    في شي.الان عايزين تحلوا الجيش ذاتو..ده ياهو الفضل.. انتو ما شايفين نفسكم فاشلين بمعنى الكلمة لانو المره الجاية ستطلبوا تفكيك البلد حتى تتمكنوا من حكم قسم منها.

  9. جيش الهنا الهادر مالنا ودمنا يجب ان يسرح اليوم قبل الغد و لا ناس شمال يبكوك ولا اهل الغرب يبكوك ولا في الجنوب يبكوك ولا ناس الشرق يبقوك ووداعا يا ابكوك

  10. كامل احترامى لصاحب المقال وكل المتداخلين الكل مهموم بالوطن الكل مهموم بالسودان لكن( الكل ايضا لا اتفق معك وانا ضدك)تاكيد بسيط اقروا المداخلات بتاعتكم وكامل احترامى لصاحب المقال منطلق من نفس فوبيا الاختلاف ومامشى ل قدام وطرح فكرة ابعد لكن صعبة واعدائها كتار وهى نسال السؤال المهم ومانتسرع فى الأجابات الجاهزة التى وضعت فى عقولنا وافواهنا هل نحن نحتاج الى جيش بهذه التكلفة الكارثية هل لنا عدو خارجى حايجى يحتل السودان نستبعد شرازم المرتزقة فى كل افريقيا انتوا شايفين معاكم الحركة التجاريةل تصنيع السلاح وحلقات الأتجار بها هل سالتم انفسكم كم عدد الدول التى بلا جيوش وخالية من السلاح نعم فكروا مع مسالة حل الجيش او اعادة هيكلته مسالة السودان دولة بلا جيش دولة منزوعة السلاح هنالك مقترح فى افريقيا لأنشاء تحالف عسكرى شبية بالناتو هنالك افكار لتحويل الجيوش الى جيوش ذكية ا خدوا معاكم فكرة الأحتياطى المدرب من الشعب ويتم استدعائة
    السودان دولة بلا جيش منزوعة السلاح

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..