بكري عديل و العطاء الوطني الممتد.

بكري عديل و العطاء الوطني الممتد

ألا رحم الله الأستاذ القامة العم بكري أحمد عديل رحمة واسعة و تقبله قبولا حسنا و عوض الوطن في فقده الجلل.
و بعد … إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن السجل الحياتي للأستاذ بكري حافل بالعطاء الوطني الممتد الذي بدأ منذ شبابه الباكر إبان دراسته في كل من مدرستي حنتوب و خور طقت، و خلال دراسته الجامعية حتى إنتقاله للرفيق الأعلی. و قد شهدت هذه الفترة الزمنية الثرة حراكا وطنيا نشطا و واسعا من قبل الفقيد الذي كان مشاركا أصيلاً في النشاط السياسي الطلابي ضد المستعمر الإنجليزي، ذلك النشاط الذي إنتظم مناطق كثيرة من البلاد، حيث لعب الطلاب في تلك الحقبة الزمنية دورا محوريا في شحذ همم الجماهير و إيقاظ الحس الوطني و إيقاد جذوة النضال ضد المستعمر من خلال الندوات و المظاهرات و شتی أشكال النضال التي كانت تستهدف جلاء المستعمر و نيل الوطن استقلاله.
من جانب آخر فقد أسهم الفقيد إسهاما ملموسا، مع بقية قادة حزب الأمة و كيان الأنصار عقب انضمامه له خلال دراسته الجامعية، أسهم في بناء الحزب و تطويره و الارتقاء بمؤسساته الأمر الذي تسنی معه لهذا الحزب الرائد أن يلعب دورا طليعيا في وضع اللبنات الأساسية للنظام الديموقراطي في السودان. و قد ظل الفقيد طوال حياته مخلصا لحزبه، وفيا لمبادئه التي آمن بها و متفانيا في العمل الوطني الهادف أبدا إلی ترسيخ نظام الحكم الديموقراطي بالبلاد.
و قد كان، و هو يواجه الأنظمة الشمولية عبر محطات نضاله المختلفة، فارسا مغوارا لا يشق له غبار، جسورا لم تلن له قناة و لم ينكسر و لم يستمله بريق السلطة او إغراءات المنصب الذي يتقاطع مع قناعاته كما لم يحيد عن مبادئه، حيث ظل ممسكا بجمر القضية الوطنية إلی أن لاقی ربه.
و من المؤكد أننا إذا حاولنا أن نستعرض سيرته النضالية تفصيلا فسوف نحتاج لسفر متكامل ليتسنی لنا تغطيتها و إيفاءها حقها من التناول. ذلك أن هذه السيرة العطرة تعد بانوراما ثورية تتضمن الكثير من الأحداث و المواقف و الأدوار التي لعبها الفقيد مثل مشاركته في الجبهة الوطنية ضد نميري و منازلته للحكومات الشمولية المختلفة عبر العديد من المواقف الوطنية الشجاعة مما عرضه للسجن عدة مرات و الحكم بالإعدام.
من حهة أخری يعد الفقيد سمح السجايا، حيث كان دمث الأخلاق، لين الجانب، طاهر اليد، جم التواضع، عال الهمة، أبيا،كريم النفس مع صلابة متأصلة فيه تؤكد علی قوة شخصيته. و قد جعلت منه هذه الخصال محبوبا لدی الجميع بعد أن شغل مساحة مقدرة في قلوبهم. و ليس ادل علی ذلك من الحشود الجماهيرية التي شيعته إلی مثواه الأخير و الجماهير التي تقاطرت إلی كل من أم درمان و أبو زبد، من كل أنحاء البلاد، لتقديم واجب العزاء فيه و الفعاليات و الشخصيات العديدة التي نعته في وسائل الإعلام المختلفة.
و مما لا شك فيه أن خلاله السمحة و روحه الإنسانية قد جعلته محبوبا وسط أهله بكردفان عامة و دار حمر خاصة حيث عرف هناك ببساطته و تواصله مع الجماهير في أفراحهم و أتراحهم من خلال تعاطيه مع الشأن المحلي و حرصه علی الوقوف علی أحوال أهله و تفاعله مع قضاياهم و السعي الجاد نحو حلها.
لقد عرفت الفقيد منذ صباي الباكر حيث كان صديق الوالد و مثله الأعلی. كما عرفته عن كثب و جمعتني به العديد من المناسبات التي أكدت لي أنه قائد من الطراز الأول، ذو كاريزما، مسكون بالهم الوطني، قومي التوجه و شجاع لا يخشي في الحق لومة لائم، حيث ينطبق عليه معنی الأغنية التراثية الحمرية التي تقول في جزئية منها:

خاتم الفضة النضيف
ما شرد قالوا له أقيف
و تختزن الذاكرة الشعبية بدار حمر للفقيد الكثير من تفاصيل الحراك ذي الصلة بالليالي السياسية و الندوات و الانتخابات و غيرها. و لا زلت أذكر هتافات شعبيته خلال الانتخابات مثل (لا بديل لبكري عديل) و ( أصيل أصيل يا بكري عديل) و غيرها من الهتافات. و تبعا لذلك فقد كان، رحمه الله، رمزا وطنيا شامخا بكل ما تعني العبارة من معنی و سياسيا ملهما أسهم من خلال دوره الوطني الكبير في البناء السياسي للوطن فكانت له بصماته السياسية الواضحة فيه و إسهاماته المشرقة حيث ظل يرفد الحركة الوطنية و الحياة السياسية السودانية بثاقب فكره و نضاله المستميت و مواقفه الراكزة. لذا ترك إرثا وطنيا ثرا يمكن للأجيال أن تهتدي به من بعده.
له الرحمة و المغفرة.

محمد حمد مفرح
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..