الكيزان وثورة ديسمبر المجيدة كفتيلة مدخّنة لن تنطفي

طاهر عمر
أتباع الحركة الإسلامية السودانية دوما خارج التاريخ ويتأهبون الآن لكي يغادرون حتى هامش التاريخ في سيرهم المعاكس لمجد العقلانية وإبداع العقل البشري والمؤكد أنهم سيستمرون في تدمير كل الجسور التي تربطهم بعالمنا المعاصر حيث أصبحت البشرية ولأول مرة في التاريخ بعد الثورة الصناعية تعيش تاريخ مشترك للإنسانية كافة وبالتالي يصبح الإنكفاء والإلتواء كحيلتين يمارسهما أتباع الحركة الإسلامية السودانية لا تفتحان إلا على نهايتهم التراجيدية وما أكثر مثقفيهم التراجيديين وهم يقدمون مشروع سياسي لا يمكن تحقيقه على الإطلاق في زمننا زمن عقل الأنوار وأفكار الحداثة.
والمؤكد ما كانت بداياته خاطئة كمن يزرع الريح فلا يحصد غير العاصفة وهذا ما حصل لأتباع الحركة الإسلامية السودانية فهم تراجيديين بلا منازع و يريدون أن يجروا السودان بأكمله الى الهاوية. إنفتاح شهية الكيزان للعودة للسلطة من جديد مؤشر يدل على أن مستوى وعيهم متدني لدرجة بعيدة و خاصة وهم قد صدّقوا بأن الحركة الإسلامية قد حفرت عميقا لكي تتشبث بالحكم في السودان ومن طبقات حفرياتها الكامنة ما قامت به اللجنة الأمنية بقيادة البرهان وكباشي مع حركات دارفور بقيادة مناوي وجبريل و معهم مالك عقار و أردول وبهذه السهولة يمكنهم الرجوع للسلطة وبعدها يمكنهم التخلص من جبريل ومناوي وعقار وغيرهم من المغفلين كما تخلصوا من قبل من توابعهم في إنقلاب الكيزان 1989م.
المضحك أصبح أتباع الحركة الإسلامية أمثال حسن مكي وغيره من الكيزان يستطيع أن يزيح لثامه ويتحدث كما كان يتحدث قبل سقوط حكمهم وبنفس إبحارهم في وثوقياتهم ويقينياتهم داخل سياجاتهم الدوغمائية وهم مطمئنيين للاهوت القرون الوسطى وكأنه لم يتعظ مما حصل للسنوار وحماس وحسن نصر الله وحزب الله وكيف رأي بعينه كيف ذهب حزب مع الريح وكيف فتحت حماس أبواب الجحيم على نفسها ومواطني قطاع غزة وهذا هو حال الإسلاميين في أي مكان وأي زمان.
فهم خطر على أنفسهم وخطر على المجتمع خطر على أنفسهم لأنهم لم يدركوا بعد بأن زماننا قد أصبحت أحداثه متسارعة لدرجة بعيدة وها هو منجل الحصاد الأبدي ومكنسة الفنى الأبدي تبداء في كنسهم من على مسرح الأحداث في مصر وبسببهم قد لعب سيسي مصر دور نابليون وقطع طريق الثورة وفي تونس قطع الغنوشي بعشريته الفاشلة طريق ثورة تونس وبأوهامهم أضاعوا على السودانيين ثلاثة عقود من حكم التسلط بلا حدود والنتيجة تظهر في تدني مستوى وعي نخب الكيزان قبل أن يفيض تدني مستوى الوعي على بقية النخب المتواطئة مع الكيزان وخطابهم الديني المنغلق.
ها هي الخاتمة في ذهاب حزب الله مع الريح في غضون أسبوعيين لا أكثر بعد أن خطف لبنان واللبنايين لمدة أربعة عقود وها هي حماس بعد ثلاثة عقود وقد عرقلت طريق فتح للسلام وحل الدولتين خلال سنة تفقد كل رصيدها ويفقد معها الفلسطيين أي أمل وها هي غزة بعد سيطرة حماس وهي صنيعة إسرائيلية هدفت إسرائيل لتقويتها لكي تضعف بها فتح خلال ثلاثة عقود ها هي حماس خلال عام تفقد كل أرصدتها وتصبح خارج
التاريخ.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الوحيد الذي إنتبه لخطورة الخطاب الديني المنغلق وقال بأنهم معهم وبهم ويقصد رجال الدين لا يمكن أن تحدث عبر فكرهم تنمية ولا يمكن أن تكون هناك أفكار حداثة وقد تجاوزهم وقدم مشروع 2030م وارتاحت السعودية من إزعاجهم وبداءت أول خطواتها في تصالحها مع نفسها ومع العالم.
عليه نقول للنخب السودانية أن الشعب السوداني أنجز ثورة ديسمبر وكان متقدم على نخبه الفاشلة وقد أضاعوا الثورة بتدني مستوى وعيهم حيث غاب السياسي بالمعنى المعاصر وهو المتسلح بالفلسفة السياسية والفلسفة الإقتصادية لكي يعبر بالشعب مع أقلية خلاقة تظهر في لحظات إنقلاب الزمن مدركة لمعنى الشخصية التاريخية وهي تنبع من صميم تاريخ الذهنيات لكي تفارق عقل جمعي خانع ومجسد لتاريخ الخوف تجسد بسبب الأفكار المتكلسة التي طرحها الإسلاميين في سيرهم المعاكس لأفكار الحداثة.
وللأسف كان جبن النخب السودانية وعدم شجاعتهم في مجابهة التحدي والتغلب عليه وبدلا من مجابهة التحدي نجدهم قد ساروا في طريق تواطؤهم مع الخطاب الديني ولذلك تجد طرح النخب السودانية المتواطئة مع خطاب الكيزان ومن عناوينه المؤالفة بين العلمانية والدين والمساومة التاريخية بين اليسار السوداني الرث واليمين السوداني الغارق في وحل الفكر الديني ومهادنة الطائفية والشيوعية السودانية المتكلسة وكذلك نجد تواطؤ اليسار السوداني الرث في حوار حول الدولة المدنية وفي آخر مطافه يقدم علمانية محابية للأديان في طرح محمد ابراهيم نقد.
تواطؤ النخب السودانية وإلتواءهم مع خطاب الإسلاميين جعل الساحة السودانية لا تستطيع أن تقدم شخصيات تاريخية تظهر في لحظة إنقلابات الزمان كلحظة ثورة ديسمبر قد ولدت الثورة في غياب شخصية تاريخية مثل مارتن لوثر كشخصية تاريخية قد تحدى تاريخ الخوف وقدم فكرة الإصلاح الديني في لحظة إنقلاب زمان أو روزفلت أيام الكساد الإقتصادي العظيم و قد أحاط نفسه بالمشرعيين عندما أدرك بأنه في لحظة إنقلاب زمان فيه تنتهي فلسفة التاريخ التقليدية وعلى يدية تولد فلسفة تاريخ حديثة وبالتالي أن الليبرالية التقليدية في طريقها للأفول لكي تحل مكانها ليبرالية حديثة.
لهذا أي بسبب غياب الشخصية التاريخية التي تسوق أمواج ثورة ديسمبر يعتقد أمثال حسن مكي وعبد الوهاب الأفندي وغيرهم من من تخلّقوا في رحم الحركة الكيزانية السودانية بأنهم على موعد دائم مع التاريخ وموعد مع الحضارات وهيات ونقول لهم الموعد مع التاريخ والموعد مع الحضارات عمره لا يخرج من اليقينيات والوثوقيات بل يخرج من غياهب الشك ومشاريع النقد التي تفعّل القطيعة مع التراث الديني المؤدلج وتفتح على نزعة إنسانية لاتفسرها غير معادلة الحرية والعدالة في الفكر الديمقراطي الليبرالي بعيدا عن أوهام مشاريع الإسلاميين ودكتاتورية البروليتاريا عند أتباع الشيوعية السودانية المتكلسة وكلاهما أي الشيوعي والكوز لم ولن ينتصرا للفرد والعقل والحرية وكلاهما ثمرة لا تنبت غير نظم شمولية بغيضة ولا يقل قبحهما عن النازية والفاشية ولكن بسبب غياب الشخصية التاريخية في السودان فقد أزهرت أزهار الشر في السودان وظهرت في تكلس الشيوعية السودانية وتواطؤ النخب السودانية مع خطاب ديني مؤدلج.
فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي في مذكراته يتحدث عن خنوع النخب المصرية في زمن جمال عبد الناصر خلال عقدين والى رحيل عبد الناصر يقول عبدالرحمن بدوي أن النخب المصرية قد صارت على مستوى من تدني الوعي يثير الرثاء و فقدت النخب المصرية الصفات التي تمكّنك وتجعلك أن توصفهم بأنهم قدر المسؤولية وأغلبهم تابعيين للمخابرات والأمن المصري يتلصصوا ويتجسسوا على بعضهم البعض ولا يمكن أن تثق فيهم من أعلى مستواياتهم الى أدنى مستوياتهم.
لذلك قال عبد الرحمن بدوي أن عبد الناصر قد خلق في النخب المصرية الإلتواء وعدم مجابهة أي تحدي ومعه الشيوعيين في مصر بسبب ضجيجهم قد دمروا كل قنوات الثقافة وكل مجال يمكن أن يساهم في تنمية الوعي والمضحك أن عبدالرحمن بدوي يتحدث عن عقدين لجمال عبدالناصر فما بالك بالنخب السودانية وهي تحت نير الكيزان لثلاثة عقود وكيف تتخيل تدني مستوى وعيهم لدرجة تحجبهم عن كتابات اماني الطويل وهي تكتب بروح المخابرات المصرية وأمثالها جعل عبد الرحمن بدوي يقطع العشم في أي إصلاح سيحدث في مصر في ظل نخب أغلبها تتلصص وتتجسس على بعضها البعض من أعلى الهرم في الدولة الى حضيضه.
والمحزن نخب مصرية بهذا المستوى المتدني الذي تحدث عنه فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي يستطيعون عرقلة التحول الديمقراطي في السودان وأقصد ليس لذكاءهم الفائق بل بسبب تدني وعي النخب السودانية الذي يسجل درجة أقل في مستوى الوعي من وعي النخب المصرية المتدني وقد تحدث عنه فيلسوف مصر عبد الرحمن بدوي ولمن أراد المزيد فليقراء مذكراته.
ما وددت قوله في هذا المقال هو أن بإمكان هي مجموعة إسلامية سواء كانوا كيزان أو حماس أو حزب الله في لبنان يمكنهم إختطاف بلد بأكمله وقد حدس في غزة من قبل حماس وفي لبنان من قبل حزب الله وفي السودان من قبل الكيزان والنتيجة واحدة. وبالتالي كي لا يذهب السودان مع الريح عليكم أن تدركوا أن ثورة ديسمبر مفصل زمان فإنها تفصل بين قديم لا يمكن بعثه وفي نظر الكوز ماضي ذهبي وجديد يفتح على الحرية والعدالة ولا يتحقق بغير الفكر الليبرالي وعودة العقلانية والأخلاق كإبداع عقل بشري بعيدا عن دولة الإرادة الإلهية وألاعيب تجار الدين من كل شاكلة ولون.
والجديد من الفكر في العادة يجد صعوبة لكي يقبل كما حدث ذات يوم للسيد المسيح فقد وصف طريقه وبشارته بأنها فكرة هشة وضعيفة ولكنها بمثابة قصبة مرضوضة لن تنكسر وفتيلة مدخنّة لن تنطفئ وهي كانت تمثل بدايات العلمانية الساذجة وبعدها قد أصبحت متحكمة في أوروبا لألف عام وبعدها جاءت الشخصيات التاريخية وقدمت الإصلاح الديني وتجاوزت لاهوت القرون الوسطى المشابه للعقل الكيزاني السائد الآن.
وبالتالي ثورة ديسمبر في السودان تجاوز لفكر الكيزان الذي لا يشبهه غير لاهوت القرون الوسطى وقد حان الوقت لتجاوز الفكر الديني وألاعيب أتباع الفكر الديني من كل شاكلة ولون و بالتالي ستظل ثورة ديسمبر فتيلة مدخّنة لن تنطفي وستفصل عقل اللاهوت وعقل القرون الوسطى في السودان عن عقل مستقبل الثقافة في السودان أي مستقبل الثقافة الآتي من تراث الإنسانية وخاصة أن تاريخ الإنسانية لأول مرة في التاريخ قد أصبح تاريخ واحد لكافة البشرية منذ قيام الثورة الصناعية وهذا التاريخ المشترك للإنسانية يتطلب جهد جديد من النخب السودانية لإدراكه ومن ثم يمكننا التعامل معه وعدم إدراكه وسط النخب السودانية ما يشجع أمثال البرهان على القيام بإنقلاب بائس يريد أن يرجع به عقارب الزمن الى الوراء أي الى زمن الكيزان البائس وهيهات.
كلام من ذهب..