الشعبي.. حزب كل المواقف..!

لا شيء يبعث على الحيرة، ويحرِّض على الاستغراب، مثل التحوُّل الذي حدث في مواقف غالبية قادة المؤتمر الشعبي..! ولا شيء يحفِّز على التعجب والاندهاش، مثل حالة الاستغفال التي يضعنا فيها معظم قادة المؤتمر الشعبي، ولا سيما الذين كانوا أعلى الناس صوتاً، حينما كان المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي على طرفي حبل مشدود..!
فمن يسمع اللغة التي يتحدث بها قادة المؤتمر الشعبي حالياً، سوف تصعقه المفاجأة، وخاصة إذا ذهب إلى العم “قوقل” أو الحاج “يوتيوب” فهناك مخزن الماضي الذي لا يموت أبدًا..!
وما دعاني لهذه التقدمة، هو أنني ذُهلت ? وبالطبع لن أكون وحدي ? من الحديث الذي جرى على لسان القيادي البارز في حزب المؤتمر الشعبي الدكتور بشير آدم رحمة، وهو ينافح عن مخصصات الدستوريين، ويدافع عن ما يتقاضاه الدستوريون، بحجة أن مخصصاتهم ليست ضخمة وأنها لا تساوي شيئاً..!
نعم فقد قطع الدكتور بشير آدم رحمة، في حواره مع الزميل عمر دمباي بصحيفة “آخر لحظة” بأن “الجيش الجرار من الدستوريين لا يمثل عبئاً على الخزانة العامة، لأن مرتبات النواب والوزراء ليست عالية”.
وظني أن ذلك أغرب حديث يمكن أن ينطق به سياسي، وخاصة إذا كان يُوصف عند البعض بأنه حاذق، ببساطة لأن الخبراء الاقتصاديين ظلوا يطالبون طوال الفترات الماضية بضرورة خفض الإنفاق الحكومي، لإنجاح السياسات التقشفية التي تقول الحكومة إنها افترعتها لامتصاص الصدمة الناتجة عن انفصال جنوب السودان. فكيف بعد هذا كله، يأتي دكتور بشير ليقول إن مخصصات الدستوريين لا تساوي شيئاً، ولن ترهق كاهل الدولة والمواطن..!
كيف لا تساوي مخصصات الدستوري شيئاً، وهناك من يبحث عن جرعة العلاج الكيميائي لعلاج السرطان اللعين، ولا يجدها، وهناك من ينتظر جرعة الأكسجين في المستشفيات، ولا يجدها، وهناك من ينتظر دوره في غسيل الكلى، فيخبره الطاقم العامل بأن ضيق الإمكانات، حال بينه وبين تلك الجرعة..!
فأيهما أولى وأهم، توفير مرتب الدستوري أم توفير جرعة العلاج لمن يحتاجها، وخاصة في بلد اقتربت فيه نسبة الفقر من حاجز الـ(50%)، وبلغت فيه نسبة العطالة شأواً، لم يكن يوماً في متخيّل أحد..!
المؤسف في القصة كلها، أن بشير آدم رحمة الذي كان ينتقد الفساد الحكومي بلسان مبين، جاء وبلع ذلك اللسان، واستعاض عنه بلغة تبريرية مهادنة، مع أنه كان يصدع عالياً، بأن أس الأزمة المالية والاقتصادية يكمن في التجاوزات المالية والإدارية، وفي الصرف غير المرشّد. بل إننا نذكر له حديثه الشهير في واحدة من الندوات الشهيرة التي تحدث فيها ? بحسب ما أخبرنا عمك يوتيوب ? عن فساد الحاكمين الذين حوّلوا البلاد إلى جحيم، بسبب العمولات و”الكوميشن”..! فقد حدثنا دكتور بشير، وحدثنا السنوسي، وأخبرنا كمال عمر، وحكى لنا يوسف لبس، وحدثنا تاج الدين بانقا، عن أن المؤتمر الوطني أفسد الحياة السياسية، وأنه أهدر مال البلد العام في استثمارات ومنافع خاصة، بل إن هؤلاء ? وكلهم من قادة المؤتمر الشعبي الفاعلين ? كانوا يحرِّضون الناس ضد الفساد وضد الصرف الحكومي غير المبرر وغير المرشّد..!
ثُمّ..
ثُمّ، هم أنفسهم يحدثوننا – الآن – عن أن مرتبات الدستوريين ومخصصاتهم ليست عالية، وأنها لا تساوي شيئاً، دون أن يجري الخجل على جبينهم، ودون أن يشعر الواحد منهم بالحياء، ودون أن يتفطّن إلى أن ذاكرة الناس لا تزال تحتفظ بحصائد الألسنة في أيام الجحيم، لتحاكم بها أصحابها في أيام “البحبوحة” والجحيم..!
الصيحة