هل (المعارضة) قلة شغلة ؟

الاحتجاج على الظلم ومقاومته موقف وفعل بشري ينسجم تمام الانسجام مع الفطرة المحضة والوجدان السليم والعقل السوي والضمير الحي. ولا يستنكر هذا الموقف والفعل البشري إلا من كان معلولا في هذه النواحي الأربع، كلها أو بعضها.
ألا ترى أنك إذا حاولت أن تطأ ذيل هرة وديعة اليفة “خربشتك” وناوشتك وماءت في وجهك؟ ألا ترى أنك إذا ضربت رجلين بسوط عنج أو نحوه وحاول أحدهما مسك السوط من يدك وحاول اقتلاعه بينما وجم الثاني فإنك ستتعجب وتندهش من حال الأخير لا الأول؟ ألا تشهد على نفسك أنك ستحس بالخزي إذا ظـُلم شخص واحد أمامك ولم تهرع ? لعلة أو لأخرى ? فورا لإنصافه ونصرته؟ فما بالك والظلم قد عم الملايين بعد أن شملك أنت شخصيا؟؟؟
وغالب الظن أن أول شهداء بني آدم ما كان سيختار “المقاومة النظرية” وحدها لو لم تكن حادثته هي الاولى من نوعها في تاريخ البشرية حسب نصوص الرسالات السماوية. فلو قرر سيدنا هابيل عليه السلام الاستفادة من الحق المشروع في الدفاع عن النفس في ذلك البغي والعدوان الباكر جدا فإنه كان سيضع نفسه بمواجهة احتمالات أخرى من بينها نجاحه هو في قتل قاتله الشقيق دفاعا عن النفس وحينها لن تختلف النتيجة كثيرا عما حدث بالفعل. بل لعله اختار أن تكون جريمة القتل الأولى عدوانا لا ردا لعدوان تفضيلا للخيار الاحتجاجي المقاوم الذي نسميه الآن اللاعنف.
الغريب أن تجد وسط الناس من يروّج إلى أن اختيار المقاومة والاحتجاج، حتى لو كان سلميا ولا عنفيا محضا، فعل وموقف ينافي المنطق والعقل والوجدان والضمير والفطرة، مستكثرا على الانسانية وعلى الوطن والذات والمواطنين هذا القدر أو ذاك من التضحيات المرئية او المتوقعة ناسيا أنه لا يوجد ثبات على حق، أي حق، بلا تضحيات. وأنه لا يوجد طريق يفضي إلى وصول صادق بلا عَرَق ? وربما دمٍ – ناز ٍ ودافق
وأفسد قياس وأهبنق استدلال ذلك الذي يجعل المقاومين والمحتجين السلميين سواسية مع الحكام الظالمين الفاسدين بذريعة باطلة [أنهم جميعهم سياسون] واستطراد اشد بطلانا [أن السياسيين جميعهم يقولون ما لا يفعلون ويدعون للخير والعدل وهم في (المعارضة) ثم يفعلون عكس ما كانوا يدعون إليه إذا وصلوا للسلطة] فالذريعة غير صحيحة من تعريفها، لأن المقاومة والاحتجاج فعل وموقف بشري افتراضي يتوقع من جميع الناس سياسيين وغير سياسيين وما كل من يقود الثورات ومشاريع التغيير ويشارك فيها سياسي (ومشروع حاكم) بالضرورة. والاستطراد خاطئ أيضا لأنه يستحيل البرهنة على أن مجموعة لانهائية من البشر تشترك في صفة أوصفات محدودة ذميمة كانت أو غير ذلك
فضلا على أن التجربة العملية اثبتت كثيرا وجود سياسيين وحكام يتمتعون بقدر وافر من العدل والحكمة وحسن إدارة شئون الناس وهذا كله زيادة على أن معركة التغيير في أصلها ليست معركة استبدال اشخاص بآخرين واحزاب بغيرها بقدر ما هي معركة احلال طريقة في ادارة شئون الناس والبلاد لا تقود إلا إلى التناحر والفوضى والظلم والغبن والاختلاف بطريقة اخرى تعتمد المؤسسية بدل الكارزما ورأي الجماعة بدل أهواء الافراد ومطامعهم وسيادة حكم القانون على الجميع ومنع احتكار السلطة والثروة لفئة او فرد او بضعة افراد ايا كانوا
هذه المعركة بوصفها هذا لن تنتهي إلا بالانتصار العملي الملموس لقيم العدل والحرية والادارة النزيهة البناءة لشئون الدولة ولا يمكن بحال من الأحوال أن تـُـهجَر مهمة الثورة والتغيير هذه بحجة أنها موجة ركبها في هذه اللحظة أو تلك حفنة من الانتهازيين والنفعيين كبرت أو صغرت. فكل المهمات العظيمة في تاريخ البشرية ركبها انتهازيون ونفعيون بما في ذلك رسالات الأنبياء وأديانهم فهل كان ذلك مسوغا للصادقين والحقيقيين أن يتوقفوا عن أو يهجروا مهامهم التي انتدبهم إليها الفطرة الفطرة المحضة والوجدان السليم والعقل السوي والضمير الحي؟

فتحي البحيري
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كلام يدل على بصيرة نافذة وتفكير عميق
    لكن ياعزيزي هناك بشر صاروا عبيدا حقيقيين ولا تستغرب لذلك ،كثير من سودانيين اليوم خضعت اعناقهم للذل والقهر واصبحوا يساقون بالاضطهاد والاذلال ويتعلقون بمن يضطهدهم ويظلمهم
    السادي يجد شيء من المتعة في ايذاء الغير
    والشخص الماسوشي يجد متعة في تقبل الاذى ويتعلق فؤاده بمن يؤذيه وبهذا فمن يعاني من السلوك الماسوشي عبد حقيقي لو احسنت اليه لوجدته جاحد شكاكا ولو قمعته اتاك يتمسح في رجليك
    عقدة الماسوشية يعاني منها نفر كثيرين في مجتمعنا واظن انك تعني بحديثك امثال هؤلاء من المرضى
    كل شخص سوى ان لم يغضبه الظلم ولم يحرك فيه ساكن سيفقد انسانيته وادميته ويتحول الى حيوان بل الى كائن ادنى من الحيوانات رتبة لأن الحيوانات نفسها لاتقبل بأن يتسلط عليها مخلوق اخر وتثور مدافعة عن نفسها اذا ماوقع عليها عدوان
    حتى الحمار الذي يضرب به المثل في تقبل المهانة والاستكانه ،يفنجط ويرفس اذا ضرب بلا مبرر
    (ماعارف بشر زي ديل يقولو عليهم شنو!)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..