كمال عمر ومتلازمة الانشطار

تيسير حسن إدريس
حلم التغيير مشروع ولكن وضعه قيد التنفيذ يستوجب الهبوط من فضاء المتخيل الرحب لضيق كدح الواقع ؛ فالحلم وحده لا يشعل فتيل ثورة.
(1)
إن كان ثمة فائدة جناها المواطن السوداني من طول بقاء نظام الحركة الإسلامية جاثمًا على صدر الوطن فهي النقلة النوعية التي تمت في وعيه، وجعلته أكثر فهما وإدراكا لما يدور حوله من ألاعيب الساسة. فلم يعد بمقدور أحد بعد اليوم استغلاله باسم الدين، أو التحايل عليه بالشعارات البراقة، وقد رأى بأم عينيه مَن خدعوه باسمها؛ يلغون في الحرام دون حياء ولا يراعون حرمة المال العام؛ ويمارسون القتل والتعذيب وإبادة الشعب بدم بارد من أجل البقاء في السلطة؛ إرضاء لمشاعر مريضة، دون اكتراث لسيادة الوطن ولا وحدة ترابه؛ بل ويرتكبون أرذل المحرمات، ثم يمضي الفرد منهم حاملا مسبحته معتمرا عمامته محوقلا ليفتي في المساجد متهما الشرفاء بالفجور والإلحاد.
(2)
لقد انتقل وعي العامة خلال ربع قرن نقلة كبيرة ساعدت في سقوط الدعاوي والأكاذيب التي قضى شيوخ الحركة الإسلامية العمر في صياغتها، ومحاولة غرسها كمسلَّمات في عقل المواطن وضمير المجتمع، بغرض التخلص من هم التدافع والتنافس السياسي الشريف القائم على الأفكار والبرامج. ولم تعد بعد الآن الاشتراكية تعني لرجل الشارع ذهاب الأخلاق والقيم، وزواج الأخ بأخته، كما ظل المتأسلمة يروجون ، خاصة وقد عاش ورأى مدى التفسخ والانحلال، وذهاب القيم والأخلاق الذي حاق بالمجتمع تحت ظل سلطة تدعي أنها (لله)، وانتبه وسط غبار هذه المزاعم الساقطة إلى مدى سذاجة وخطل تلك الدعاوى والاتهامات الباطلة.
(3)
والمثير للحيرة والعجب في تجربة الحركة الإسلامية السودانية ليس فقط الحربائية المطلقة في تعاطيها السياسي إنما متلازمة الانشطار الأخلاقي والقيمي الكامل بين الطرح والممارسة، والتي يمثلها على الساحة اليوم خير تمثيل الناطق باسم أماني الشيوخ الأستاذ كمال عمر، ويكفي فقط تتبع مواقف وتصريحات الرجل على مدار العام ليصاب المرء بالدوار، من شدة ألاعيب الحواة التي يتقنها، وبالدهشة من قدرته الفائقة على التلون، دون أدنى إحساس بالحرج، فهو بكل أريحية يتخذ الموقف السياسي ونقيضه في ذات المرحلة، دون كوابح مبدئية أو أخلاقية، وعلى هذا النحو والشاكلة بقية العقد الفريد، من دهاقنة الحركة، مما يجعل ممارستها للسياسة ضربَا من ضروب الاحتيال والعبث العقيم.
(4)
وكمال عمر الذي يعلن على الملأ اليوم أنه وحزبه لا يثقان في قوى الإجماع الوطني؛ بسبب موقفها من قضية عزل أخيه في الله محمد مرسي، وهي قضية خارجية لا تهم مواطن السودان المسحوق، ولا الشأن الوطني إلا بقدر تأثيرها على المصالح المشتركة، قافزا بتبريره الفطير فوق القضايا الوطنية كافة التي تمور بها الساحة، متجاهلا قتلى وشهداء الوطن من دار فور، مرورا بجبال النوبة والنيل الأزرق وكجبار حتى شهداء هبة سبتمبر الأخيرة، متنكرا لكل هذه الدماء العزيزة؛ ليفترش مع إخوانه ميدان رابعة العدوية، ينوح على
قتلى الثورة المصرية بحجة أن المبادئ لا تتجزأ. وهو لا شك يمارس مدفوعا بدوافع معروفة ترف وبطر سياسي مستهجن وغير معتاد، وليته توقف لحظة مع نفسه ليسألها عن كنه المبادئ التي تنكر دمها وترفع المصاحف وقميص عثمان طلبا لدم غيرها!!.
(5)
الحق إن المبادئ لا تجزأ؛ لكنها أيضا لا تمارس بانتقائية عنصرية فجة، كما يفعل كمال وجماعته، والأحق أن تشمل بعطفها القريب قبل الغريب، وهذه هي النزعة الإنسانية السوية، التي جبل الله عليها بني البشر، فمن يتجاهل قرح أهل بيته بحجة انشغاله بطبابة جرح الجار، إما معتوه أو صاحب غرض، والأمانة تقتضي أن يوضح الأستاذ كمال من أي النوعين هو وحزبه، وكفى صياحا ونواحا فقد أترعت الساحة السياسية بغث أطروحات ميكافيللية، حتى لم يعد في مقدور أحد احتمال المزيد منها، والتاريخ القريب يشهد والذاكرة الجمعية تذكر لجماعته متواليات مواقفها المخزية، التي أورثت الوطن الهم والغم، وبعثرت وحدته باسم المبادئ ومشاريع الوهم الحضارية.
(6)
الأستاذ كمال عمر ? لا فض فوه – يتهم قوى المعارضة بعدم المبدئية، وهي التي احتضنته طريدا من رحمة إخوانه في الله، ونصبته متحدثا باسمها رغم تاريخ مشاركته في نظام الإنقاذ، وكانت تعلم سر لجوئه لها ذات هوان، ولم تك غافلة؛ بل أرادت بهذا التصرف السياسي الذي رآه البعض غير حصيف أن ترسل رسالة مفادها أن لا إقصاء ولا تآمر؛ علها بهذا تزيل أوهام ومخاوف كمال وإخوانه، وتحدث اختراقا يعالج عوار سياسات الشيوخ التي لوثت طهر الساحة السياسية؛ فلم توصد الباب في وجه حزبه وهو مهيض جناح؛ بل قدمت له الفرصة من جديد، مثلما قدمتها من قبل عقب زوال نظام مايو، على الرغم من أن حركته الإسلامية قد شاركت النظام المقبور جرائمه ومخازيه كافة.
(7)
لقد هدفت قوى الإجماع الوطني من وراء استيعاب حزب المؤتمر الشعبي في صفها إلى تهيئة الساحة لممارسة سياسية معافى من أدران الماضي، بترسيخ مبادئ وقيم المشاركة والتعايش السلمي، كما هدفت أيضا أن تعلن بالصوت الجهير أن ما مارسته الحركة الإسلامية طوال الفترة الماضية من إقصاء وتهميش لم يكن في مصلحة الوطن، وقدمت بهذا للشيوخ درسا عمليا في الوطنية، والتسامي فوق الجراح ، وكيفية أن يكون المنهج متسقا مبدئيا وأخلاقيا مع الممارسة في السياسة الرشيدة، وقد كان حريًّا بالأستاذ كمال عمر أن يستفيد من هذا الدرس المجاني، عوضا عن حصب مقدميه بالحجارة وعض يد الإحسان.
(8)
الكل يعلم أن بكاء الأخ كمال ونواح الشيوخ ليس من أجل سواد عيون المبادئ، ولا حبا وتمسكا بالديمقراطية، إنما هو محض تباك على لبن السلطة المسكوب، وضياع أحلام الإمارة التي ظن الجمع أنها أتت طائعة تجر أذيالها فأطاح بها ثوار مصر، وتركوا الملأ في حيرة يفترشون الميادين لطما وشقا للجيوب؛ فمن السهل على كمال وغيره من (إخوان) السودان الذين يرون أن دماء (رابعة العدوية) أطهر من الدم الوطني أن يتشدقوا بحديث المبادئ والقيم النبيلة، ثم يحيدوا عنها في محك الفعل، ويدموا في كل خطوة خاصرة الوطن، فليس بعد الكفر ذنب، أما ترى (الإخوان) قد نسوا كيف اغتصبوا الوطن ليلا، وفضوا بكارة تجربته الديمقراطية على ظهر (دبابة)، حين يندبون الحظ في وسائل الإعلام، وينوحون على ديمقراطية (مرسي العياط)، التي رفضها شعب مصر ولم يسمح بتنفيذ (بروتوكولات زعماء الإخوان) من (تمكين) و(فقه سترة وضرورة) حصاد تجربة البؤس (الإنقاذية)؟!.
(9)
كان على الأستاذ كمال عمر أن يكون أكثر احتشاما وهو يعبر عن حالة الانشطار القيمي والاخلاقي التي يعانيها حزبه، ويكتفي بدور (درق سيدو) في التسويق لحوار فض حفله وجمعت مقاعده، بينما هو لا يزال يتبرج متخيرا أفخم ألفاظ الانبطاح ، ولا يقحم نفسه في دور المصلح السياسي الناصح لقوى المعارضة؛ فقوى المعارضة أدرى بشعاب النظام الذي أهدر دم شيخه من قبل، ويرفض ضمنا بممارساته أي حوار جاد يمكن أن يحل المعضل الوطني، حين يعتقل معارضيه، ويضيق من هامش الحريات، غير مكترث بإصرار السيد كمال ولا بتصريحاته الكوميدية التي لا يسمع غير حزبه (العشمان) رجع صداها.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 18 /06/2014م
[email][email protected][/email]
الاستاذ تيسير كيف نثق فى من كذب على الله اجرد اقواله وستتراءه لك عوراتهم التى لا زالت تشوه وجه الوطن……..هولاء يجب ان يدخلوا فصول محو الاميه فى حب الانسان والاوطان.
الاستاذ تيسير كيف نثق فى من كذب على الله اجرد اقواله وستتراءه لك عوراتهم التى لا زالت تشوه وجه الوطن……..هولاء يجب ان يدخلوا فصول محو الاميه فى حب الانسان والاوطان.
اوفيت وكفيت الأخ تيسير حسن
لا تعليق يسلم يراعك ولك الشكر الكتير
معروف يا اخ تيسير ان الحركة الاسلاموية السودانية ولائها للخارج واقصد حركة الاسلام السياسى العالمية اكثر من ولائها للسودان!!!
وانحنا عندنا هنا فى السودان جزمة مواطن سودانى مسلم او مسيحى او حتى لا دينى(اديان احيائية) وملطخة بالبراز اقسم بالله الذى لا اله غيره انها اشرف واطهر من اى اسلاموى سودانى او عربى او عجمى!!كلامى ده واضح ومفهوم ولا داير ليه ترجمة وما الحركة الاسلاموية السودانية او العالمية الا اولاد كلب واولاد حرام والله على ما اقول شهيد!!!
سودان جديد ديمقراطى ليبراللى علمانى سياسى وليست علمانية تحارب او تحتقر الاديان يدفن الى الابد حركات العهر والدعارة السياسية باسم الدين وجهاز امن قوى ورقابة شعبية تراقب اى اسلاموى سودانى او عربى او عجمى يريد دخول السودان حتى لا نصير مثل العراق وسوريا وليبيا وهلم جرا حروبا طائفية حتى بين ابناء الطائفة الواحدة واى زول يخالف كلامى هذا انا بعتبره عميل وخائن للسودان والاسلام ذلك الدين المتسامح الوسطى الانتشر بالقدوة والاخلاق الحسنة وكفاية عهر ودعارة سياسية باسم هذا الدين العظيم!!!!!!!!!
لو أن فيهم أحد يعرف الله حقا ، لما بقى معهم
كنا فاكرين القدرة الفائقة على التلون واتخاذ المواقف السياسية ونقيضها في ذات المرحلة دون أدنى إحساس بالحرج ماركة مسجلة باسم المؤتمر الوطني لكن من مقالك الرصين هذا إتكشف لينا أن هذه الصفات الذميمة وارثها المؤتمر الوطني من كبيرهم الذي علمهم السحر.