تكييف المآلات الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر المجيدة وآليات الحلول (7-10)

حسين أحمد حسين
4- التكييف الاقتصادي/الاجتماعي والسياسي للثورة السودانية
ما يجب التنويه به أنَّ هناك مراقبة لصيقة لحال ومآل الثورة السودانية من قِبَل كل الفاعلين الدوليين والإقليميين ومخابراتهم على مدار الساعة، وذلك بغرض ترويضها وإدارة شئونها وِفق نظام التطور الرأسمالي النيوليبرالي. ويبدو أنَّه لا منجى من النظام الرأسمالي النيوليبرالي إلاّ إليه وهو في أوجِ هيمنته الآن، وتحت سقفَ القطبية الآحادية الرأسمالية التي تقود العالم في الواقع الراهن، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي – راعيا غرماء النظام الرأسمالي الامبريالي قبل ثلاثة عقودٍ ونيف، ومع التحول المهول لروسيا من الاشتراكية إلى الرأسمالية المفرطة والنهمة والدموية أحياناً (في المثال السوري).
وفي ظل هكذا واقع، نرجو ألاَّ ينخدع اليسار السوداني بوجود مرافيده وبعض أعضائه الأمميين والقطريين على سدة الحكم في الفترة الانتقالية الراهنة، بأنَّ النيوليبرالزم قد بدأت تُغيِّر من مواقفها تجاهه بالكامل؛ ليس بعد، ليس قبل أن يقبل بالتدجين وينخرط في نموذج النيوليبرالزم بشكل سلس. فالأمر مقصودٌ به الآن إخماد الثورة السودانية وامتصاص الغضب الكامن فيها، أو قل السيطرة عليها وعدم تصديرها إلى بقية العالم الذي استوى على الحقيقة النيوليبرالية منذ العام 1989.
وشدَّ ما يُقلِق النيوليبرالزم الآن، هو استلهام الثورة السودانية في كل العالم: في الجزائر، وفي لبنان، وفي تشيلي، وفي فرنسا، وحتى في عقر دار النيوليبرالزم بأمريكا حيث اتخذت “حركة الانتباه لأهمية حياة السود (Black Lives Matter) من ثورة السودان نموذجاً يُحتذى به؛ وقد اشتغلنا معهم عبر تويتر لتوجيه الحركة نحو الفعل السلمي ونبذ العنف للانتصار لقضيتهم، استناداً على كتابات الأمريكية بروفسير إريكا جينويث حول الحركات العنيفة والسليمة التي غطت الفترة من 1900 إلى العام 2006
(https://www.hks.harvard.edu/wiener-conference-calls/erica-chenoweth).
ويجب الانتباه إلى أنَّنا الآن في خِضمِّ المرحلة الثانية من تغيير المشهد من الوجوه اليسارية، إلى وجوه الرأسمالية التقليدية الخراجية/ الريعية وقحت الناعمة، والتي في اعتقادي سيعقبها في المرحلة الثالثة الانتقال للوجوه النيوليبرالية (أحفاد مختطفي الاستقلال، أبناء سارقي ثورة أُكتوبر، والجيل الثالث من سارقي ثورة أبريل، وربما بعض كاموفلاجات الفلول التي تدرس وتعمل حالياً في الغرب) أو للوجوه اليسارية والأممية إن أبديا مهنية عالية بعد نيل العديد من برامج تنمية القدرات، وإن ابتعدا عن الأيديولوجيا كما يكرر ذلك د. عبد الله حمدوك من وقتٍ لآخر.
4-1 حيثية
ما يجب ذكره هنا، أنَّ المشهد السوداني لم يخرج في إطاره العام منذ العهد التركي المصري عن مسار طريق التطور الرأسمالي: الميركانتالي في ذلك الزمان، والنيوليبرالي في الوقت الراهن. وهنا ينشأ سؤالان مرتبطان بفحوى التغيير، الأول: إذا كانت الثورة المهدية بحسب بعض التقديرات هي عبارة عن “فَوَاق صيرورة – Hiccup” أو قُلْ “حالة انتحارية” في ظل سيادة وهيمنة المد الميركانتالي الجارف والعنيف آنئذٍ، فكيف نُكيِّف ثورة ديسمبر 2018 المجيدة في ظل الظروف الراهنة التي انهار فيها النظام الاشتراكي، والتي أصبح فيها الاتحاد السوفياتي/روسيا حالياً رأسمالياً شرِهاً ودموياً كما جاء بعاليه، تماماً كالنظام الرأسمالي النيوليبرالي الذي يتخذ الحرب عنصراً سرمدياً لإعادة صياغة الشعوب وفق النموذج الرأسمالي؛ هل هي ثورة رأسمالية ليبرالية لتصحيح مسار رأسمالي ليبرالي، أم هي ثورة يسارية/اشتراكية تسبح ضد سيادة وهيمنة النظام النيوليبرالي الجارف الدموي العنيف؛ وبالتالي نتوقع هلاكها أو تفكيكها كما هو جارٍ أمام أعيننا الآن؟ والثاني: أي نوع من أنواع الدولة يصلح لتكييفاتنا المنظورة لثورة ديسمبر المجيدة: الدولة الدينية، العلمانية، أم المدنية؟
وللإجابة على السؤالين أعلاه، فلابد لنا من استعراض تجارب اليسار العالمي في الوقت المعاصر، لنستقي منها الدروس، ونبحث عن إمكانية أن يلعب اليسار السوداني دوراً مهماً داخل المنظومة الآحادية للنظام الرأسمالي العالمي النيوليبرالي الذي نعيش فيه الآن.
4-2 اليسار العالمي والسوداني: إمكانيات التعافي والاضطلاع بمهام المرحلة
نرجو أن تكون بداية التعامل الكريم الجاري أمام أعيننا الآن مع الحكومة السودانية من قبل الرأسمالية العالمية النيوليبرالية ومؤسسات تمويلها الدولية، بالرغم من وجود عناصر يسارية في سدة الحكم، هي البداية الحقيقية ونقطة التحول المركزية للسماح لليسار السوداني الوصول للسلطة (لطالما كان ممنوعاً من الوصول إليها منذ الاستقلال كما جاء آنفاً)، ولانتباذ العقيدة الرأسمالية (الأمريكية) المتبنية للكينزية العسكرية القائمة على متلازمة الحرب في طريق تطورها الرأسمالي (تناقص الأرباح/الكساد – الحرب – التسوية الاقتصادية الجبرية – تناقص الأرباح/الكساد من جديد – فالحرب من ثان – ثم التسوية الاقتصادية الجبرية ثانيةً – وهكذا دواليك) أسوة بمنافسيها.
وفي الحقيقة لن يضير الرأسمالية العالمية النيوليبرالية (الدولة الأمريكية والغرب الأوروبي) لو أنَّها جنحت لتنمية الشعوب المتخلفة بصيغة خالية من الحروب، بصيغة تعمل تحت شعار “نحو نظام إنساني عالمي جديد”. فالعالم يحتاج إلى “دالة إنفاق إنسانية ودالة منفعة لانهائية”، وأعتقد أنَّ اليسار العالمي (والسوداني بخاصة) مؤهل لفعل ذلك داخل المنظومة الرأسمالية نفسها لأنَّه يتمتع بقدرعالي من الأخلاق (ينفق ولا يسرق، يُعمِّر ولا يُدمِّر، يستثمر ولا يُبَذِّر، وفوق ذلك صديق للبيئة).
فمثلاً؛ الصين التي التزمت جانب الكينزية المدنية منذ العام 1979، ولم تستثمر فلساً واحداً منذ ذلك التاريخ على أيِّ نوع من أنواع الحروب أو الإنفاق العسكري، استطاعت أن تزيح الفقر في الوقت الراهن عن 800 مليون صيني {يقترب الرقم من ثلاثة أضعاف سكان الولايات المتحدة الأمريكية ويزيد على ثُمن سكان العالم} كما قال رئيسها في شهر فبراير 2021 (راجع: الاقتصادية، 24/02/2021).
ويبلغ احتياطي الصين من العملات الصعبة 3.166 تريليون دولار، واحتياطيها من الذهب بلغ في يونيو 2020 1948 طن، وتستثمر الصين في السندات الأمريكية بما يزيد على 1.1 تريليون دولار بحسب العين الاخبارية (العين الإخبارية، اكتوبر: 2020).
أما أمريكا صاحبة الـ 45% من الانفاق العسكري في كل العالم لنفس الفترة، فقد أنفقت 3000 مليار دولار على الحروب، وتمتلك 725 قاعدة عسكرية حول العالم. وفي 16/10/2020 وصل عجز الموازنة العامة في أمريكا 3.132 تريليون دولار بحسب آر تي العربية على الإنترنت، ويتخلف النظام الصحي الأمريكي عنه في دولة كوبا المحاصرة بالجوار، فقط لأنَّه ليس من أولويات النخب الأمريكية (Stiglitz 2008)، (راجع صفحة برونو غيق على الفيس بوك، أو ترجمة بروف عبد الله على إبراهيم لذات المقال: سقوط النسر بات وشيكاً، 24/04/2019)، (آر تي العربية على الإنترنت، أُكتوبر 2020).
وروسيا الآن تتقدم بخطى حثيثة نحو معدلات نمو إيجابية رغم اقتصاد الكورونا الذي أقعدها وأقعد الكثير من الدول في عام 2020. ويقول الخبير المصرفي الكبير ميخائيل زادورنوف أنَّ الناتج المحلي الروسي سيرتفع إلى 3% – 3.5% في 2021، وهو ما يوافقه فيه البنك الدولى، وسيظل سعر الفائدة 4.25% دون أي زيادة في 2021. وقد حقق النظام المصرفي الروسي في 2020 أرباحاً بلغت 1.6 تريليون روبل خلافاً للقطاعات الأخرى التي لا تستطيع أن تعمل من منازلها، وسيظل معدل سعر صرف الروبل مقابل العملات الأجنبية في حالة ارتفاع ما لم تتجدد العقوبات الغربية على روسيا (آر تي 26/02/2021).
وكوبا التي عانت حصاراً امريكياً لمدة 60 عاماً، وحصاراً خاصاً في الفترة الرئاسية لترمب، وتراجعاً كبيراً في نمو الاقتصاد (الذي وصل 11% في 2020) بسبب جائحة كورونا، مازالت تمتلك نظاماً صحياً يتفوق على النظام الصحي الأمريكي. وها هِيَ بعد أن حققت قدراً مهماً من العدالة الاجتماعية بين سكانها، وملَّكت عدداً قليلاً من القطاعات الحيوية لقطاع الدولة، ها هِيَ تفتح اقتصادها للقطاع الخاص كما قالت وزيرة العمل مارتينا إلينا فيتو؛ الأمر الذي جعل قائمة النشاطات الخاصة المصرح بها تزداد من 127 إلى 2000.
(https://www.bbc.com/arabic/world-55972191)
وتشيلي التي ظلت تتقلب حكوماتُها بين الاشتراكيين والرأسماليين في الـ 15 سنة المنصرمة/الجارية (متشيل باتشلت – سباستيان بييرا – جابرييل بوريك)، فالذي ظل ثابتاً رغم ذلك التقلُّب هو معدلات نموَّها الموجبة خلافاً لتداعيات اقتصاد الكورونا (6% في 2020، و4.2% لسنة 2021). ومن المتوقع أن تعود حيوية كل أنشطتها الاقتصادية إلى واقع ما قبل الكورونا في 2022؛ وذلك بفضل السياسات الحكيمة من الاشتراكيين والرأسماليين معاً الذين يتبارون في تكريس أنفسهم كخدَّام مدنيين لشعبهم، دون أن يَفِتُّوا عضدهم بالحروب والنزاعات التي ليس من ورائها طائل (http://www.oecd.org/economy/chile-economic-snapshot/).
ودونكم في هذا الخصوص ما غرد به بالأمس 20/12/2021 الخاسر خوسيه أنطونيو كاست منافس الفائز جابرييل بوريك في الانتخابات التشيلية: “تحدثت للتو مع جابرييل بوريك وهنأته على نجاحه الكبير… {و} من اليوم هو الرئيس المنتخب لتشيلي ويستحق منا كل الاحترام والتعاون البناء؛ تشيلي أولاً على الدوام”. وفي المقابل قال جابرييل بوريك في اتصال هاتفي مع الرئيس المنتمي لتيار يمين الوسط سيباستيان بنييرا والمنتهية ولايتُهُ في مارس المقبل: “سأكون رئيساً لكل التشيليين” (المصدر: آر تي 20/12/2021).
ورحم الله الزعيم العمالي النبيل توني بن إذ يقول في بعض أقواله المأثورة: “إذا كان بمقدورنا أن نوجد المال لقتل النَّاس، فإنَّه سيكون بمقدورنا أن نوجد المالَ لمساعدتهم”، “إذا كان بإمكانك أن تكون في حالة عمالة كاملة بالإنفاق على قتل الألمان، فلماذا لا يكون بإمكانك أن تكون في حالة عمالة كاملة ببناء المدارس الجيدة والمستشفيات الجيدة والمساكن الجيدة” (https://www.azquotes.com/author/1213-Tony_Benn).
وأنا أجرؤ وأقول: “إذا كان بإمكان ألصين التفوق على أمريكا بالكينزية المدنية، فلماذا لا تنتبذ أمريكا الكينزية العسكرية وتتبنَّى الكينزية المدنية وتتفوق بها على الصين، وهِيَ بعد مؤهلة أكثر من الصين لذلك”، خاصةً في ظل إدارة بايدن التي شرعت في إنفاق ما يزيد على الـ 2 ترليون دولار على البني التحتية (هل نحن أمام تحول من هذا النوع يا أمريكا، ليته يكون كذلك).
واسمحوا لي أن أخوض بقليل من التفصيل في التجربة التشيلية لأنَّها شديدة الشبه بالمخاض الذي يمر به الشعب السوداني الآن، حيث أنَّنا إذا لم نوجِّه كل إهتمامنا بالسودان وأهله فإنَّ تشاكس الثنائيات التي تكلمنا عنها بعاليه قد يورد البلد المهالك.
فأهل تشيلي في حقيقة أمرهم أُناس ذوو أفكار وعقليات بنائية؛ بحيث أن سلفادور الليندي حينما حكم تشيلي لم ينادِ بكنس آثار من سبقوه، ولم يفعل ذلك حتى الديكتاتور بيونشيه ولا من خلفوه، ولكنَّهم بنوا عليه. ولهذا السبب كانت تشيلي من أكثر البلدان استقراراً وتطوراً بنائياً في المجال الاقتصادي من بين الدول التي حولها، حيث جمعت تجربتها بشكل متوازن بين تحرير الاقتصاد والانفتاح على العالم الخارجي الذي أنشأه بيونشيه، وبين سيطرة الدولة على ما يجب أن تسيطر عليه لخلق اقتصاد متوازن ومستقر وكفؤ
(https://smileeng.ru/ar/mythology/vremya-v-chili-kratkaya-istoriya-chili-razvitie-chili/).
وبالتالي حينما قررت تشيلي أن تنتهج طريق التطور الديمقراطي المدني في بداية تسعينات القرن المنصرم، فإنَّها قد انتهجت منهجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً شديد الفرادة والخصوصية، ويكاد يستعصي على كل المفاهيم التبسيطية التقليدية لتعريف النمازج الاقتصادية المألوفة. وهذه المزاوجة بين رأسمالية الدولة وريادة القطاع الخاص في تشيلي هي المسئولة عن اضطراد معدلات النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي والاجتماعي فيها، بالقدر الذي جعلها تتطلع للخروج من التنميطات التي تطلقها الدول الغربية على الدول الغير متقدمة
(http://www.siyassa.org.eg/News/1674.aspx).
فالاقتصاد التشيلي جمع بين الأهداف الاقتصادية قصيرة المدى والأهداف الاقتصادية طويلة المدى، القائمة على البناء المؤسسي القاعدي السهل التطبيق والشفاف واللاريعي، وذلك لتجنب الشعوبية التي تُقيِّد صانعي السياسات. أيضاً، فقد فطنت تشيلي باكرأ إلى حقيقة أنّ السياسات الاجتماعية الداعمة لبعض فئات المجتمع قد تكون جيدة في مرحلة معينة من مراحل البناء التنموي، ولكن يجب تغييرها مع تطور القوى المنتجة والسعات الانتاجيةَ. كذلك قد تلمَّست تشيلي الدور الحاسم للقطاع الخاص وأسواقه المالية والانفتاح على العالم في دينمائية التنمية ونقل التكنولوجيا، فشجعت الاستثمار الخاص المحلي والعالمي وريادة الأعمال خاصة مع انعدام رأس المال المالي والبشري، ووازنت بين حوافز الاستثمار وسياسات توزيع الأرباح بالقدر الذي يجعل العملية التنموية مستدامة. كما وعت تشيلي حقيقة أنَّ اقتصاد السوق الحر (مع أهميته في تخصيص الموارد وزيادة الانتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي) من غير تنظيم الدولة له، سيكون غير قادر حتى على صيانة نفسه، وبالتالي لابد من التدخل لتنظيمه كما يقول جورج سوروز (Soros 2002)، (راجع أيضأ: رودريغو فوينتس و كالوديو سابيلي: خيارات السياسات الاقتصادية في المراحل الانتقالية في تشيلي: دروساً لليبيا؟، تقرير مشروع بحثي، سبتمبر 2011).
من هذا الملمح العالمي يمكن لليسار السوداني الذي ظل ممنوعاً من الوصول للسلطة حتى نهاية الحرب الباردة، أن يصل إليها الآن؛ فقط لا عن طريق القرارات الفوقية التي تمليها النيوليبرالزم ومؤسسات تمويلها الدولية كما هو شاخص أمام أعيننا في السودان الآن بغرض امتصاص الغضب الثوري عند الشباب وتدجين الثورة؛ وكأنَّنا في كل ركنٍ من أركان العالم مجرد موظفين عندها؛ ولكن بصيغ أُخرى نابعة من معادلة/دالة الإنتاج (الإنتاج = العمل + رأس المال + التنظيم/الإدارة + الأرض + (عوامل أخرى)، وأكثر استدامة لتوازن وديمقراطية اقتصادنا ورفاه شعبنا. وذلك بأن يكون لعناصر الإنتاج المذكورة في المعادلة أعلاه تمثيل حقيقي وأصيل على مستوى الأرينة السياسية؛ بحيث يكون هناك حزب/أحزاب للعمال يدافع عن حقوقهم بالأصالة لا بالوكالة، وحزب/أحزاب للرأسماليين يدافع عن حقوقهم، وحزب/أحزاب للبورجوازية الصغيرة يدافع عن حقوقهم، وتبقى بورجوازية الدولة (القضاء، والخدمة المدنية، والشرطة، والجيش، وسائر المؤسسات البيروقراطية) ممثِلة للأرض في كامل الحيادية والاستقلالية.
وطالما أنَّ هناك حساسية في الداخل والخارج من مفهوم مصطلح اليسار (الذي يوضع على محك الاختبار في هذه الفترة الانتقالية من قِبَل مؤسسات التمويل الدولية)، فمع وجود حزب للعمال ستنقسم أحزاب البورجوازية الصغيرة بحسب طبيعتها إمَّا متحالفة ومدافعة عن العمال؛ وإمَّا متحالفة ومدافعة عن الرأسمال. وهذا الواقع سينتهي وشيكاً ليجعل المعادلة الاقتصادية في حالة توازن وتشغيل كامل وديمقراطية اقتصادية، واستدامة التوازن الاقتصادي ستؤدي إلى استدامة الاستقرار السياسي واستدامة الديمقراطية السياسية حتى بلوغ مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ولو جاءت بالمعني النيوليبرالي حتى.
وأنا أجرؤ وأقول: في غياب حزب للعمال والقوى الحديثة والمستضعفة (حزب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير)، لن يحدث توازن على مستوى الاقتصاد وسوف تغيب الديمقراطية الاقتصادية، ولن يحدث استقرار سياسي في السودان، ولن تُستدام ديمقراطية سياسية/تغييرسياسي فيه، ولن يصل اليسار السوداني لسدة الحكم. وبالتالي التحالفات المرحلية/التكتيكية (سمها ما شئت) مع شرائح رأس المال لاستدامة التغيير وتوازن الاقتصاد والديمقراطية ولإنجاز قضايا العمال، هو عين التسيب السياسي؛ إن لَّم يكن مقصوداً لذاته بواسطة البورجوازية الصغيرة وشرائح رأس المال للطمر على أهمية وجود حزب للعمال والقوى الحديثة ولسهولة ابتزازه واستغلاله؛ وكذلك (أي البورجوازية الصغيرة وشرائح رأس المال) تفعلان.
عليه نرجو من اليسار السوداني أن ينتبه لهذه الحقائق، ويخضعها للنقاش، فهي وسيلته الوحيدة للوصول للسلطة بشكل ديمقراطي.
يُتبع …