مقالات وآراء سياسية

ربط ملف السلام بالعدالة الإنتقالية و الحكم المحلي: إستكمال الثورة

د. مقبول التجاني

التحية و المجد و الخلود للشهداء…

أيتها الجماهير الثائرة:
لقد إنطلقت ماكينات و تروس عملية التغيير، الثقافي، و الإجتماعي، و السياسي، علي مر سنوات النضال الطويل، حتي وصلت بنا الي هذه المرحلة الدقيقة و المفصلية، من عمر دولتنا الفتية.
كعادة أي جهد بشري غير مقدس، فقد صاحب هذه العملية التغييرية، الكثير من الهنات و الإخفاقات و النواقص، و الصعود و الهبوط، و من ثم الصعود مرة أخري.
كان من أهم تلك النواقص و الإخفاقات، هو ملف ضمان إستقلالية القضاء، و ملف تحقيق السلام الشامل العادل.
نحن هنا الآن ليس في مقام توجيه النقد أو إلقاء اللوم، فقد حدث ما حدث، و سيأتي يوم الحساب العسير، لكل من قصر، أو تقاصر، أو أخطأ التقدير، أو خان، أو فرط، في حق هذا الشعب الكريم، و ثورته العظيمة.
لذلك أدعو جميع النخب الثورية، و القيادات السياسية، و شخصي الضعيف، الي تقديم نقد ذاتي عميق، و تصحيح للمسار، حتي نتمكن من إستكمال ثورتنا المجيدة.
واجبنا الآن هو أن نستكمل عملية التغيير السياسي، حتي نصل بها الي غاياتها المنشودية، من سلام شامل مستدام، و عدالة راسخة محترمة، و تنمية متوازنة حقيقية، تكون فيها السلطات الفعلية بيد الجماهيير، عبر مستويات الحكم المحلي المختلفة.
لقد أثبتت التجارب السابقة، فشل مقاربة قسمة السلطة و الثروة، في تحقيق و إستدامة السلام، و إنتهت بالإتفاقيات الكثيرة الناجمة عنها، الي مناصب و أموال، في جيوب النخب القادمة من الهامش و الريف، دون أن تنعكس إيجابياً علي أحوال الفقراء المهمشين الحقيقيين، في القري و معسكرات النزوح.
المقاربة الجديدة لتحقيق السلام المستدام، التي أدعو لها، هي:
مقاربة كل الثروة و السلطة، للمهمشين الحقيقيين.. لتتنزل عبر مستوي الحكم المحلي، لكل مناطق السودان.
تذهب فيها عوائد البترول، و الثروة الحيوانية، و الزراعة، و المعادن، و ذهب جبل عامر، و غيرها، كلها الي المواطنيين المهمشين الفقراء في تلك المناطق، بالكامل.
كما تمارس في مقاربة السلام الجديدة، كل السلطات الحقيقية، علي مستوي الحكم المحلي، لأن المواطن في الريف و الهامش، لا يحتاج الي من يمثله في حكم المدن و المركز، أكثر من حوجته الي حكم نفسه في الهامش و منطقته بنفسه، و التمتع بخيرات منطقته، و الإستفادة من عوائد إنتاجه، و التخلص من الكمبرادوريين الموالين لرأس المال الطفيلي.
أيضاً لا يمكننا الحديث عن تحقيق السلام العادل، بدون ربطه بملف و إستحقاق العدالة الإنتقالية، و القصاص ضد من أجرم في حق المناطق المكتوية بنار الحرب و الإبادة الجماعية، و رد الأملاك المنهوبة، و الحواكير المغتصبة الي أهلها.
هذه العدالة الإنتقالية المرتبطة بملف السلام، تحتاج الي آلية تعمل بها، يمكن أن تكون في شكل محكمة وطنية خاصة، بها قضاة و إدعاء عام، تشكل بموجب إتفاقية سلام، و تعمل بإستقالال تام عن السلطة القضائية، المسيطر عليها بالكامل من دولة الكيزان العميقة.
بهذا نكون قد تلافينا فزورة تعيين رئيس القضاء، بخلق قضاء موازي يحقق إستحقاقات السلام، و العدالة الناجزة، و محاكمة المجرمين من دهاقنة الإسلام السياسي البائد.
يجب أن تعالج إتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة، مسألة الإعتراف بالتنوع الثقافي، و اللغوي، و الديني، و العرقي، لشعوب السودان المختلفة، و النص صراحة علي علمانية الدولة، و إحترام حقوق الإنسان حسب المعايير الدولية، و ضمان الحريات العامة و الشخصية.
كما يجب النص صراحة علي قوانين و سياسات، تدعم و تحفظ حقوق المنتجين الحقيقيين في الريف، ضد سماسرة المدن.
علمانيووو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..