مقالات سياسية

الإسلاميون والغيبوبة الجماعية..!

خالد عبدالله- ابواحمد

كتب الدكتور أمين حسن عمر على صفحته في (الفيس بوك) ردا على ما تناولناه الأسبوع الماضي حول الاسلاميين والدعوة إلى المصالحة الوطنية، برغم أن غالبية الذين كتبوا عن هذا الموضوع أبدا لم يتطرقوا إلى صفقة لكن شيخي السابق عنون مقالته بنفي وجود (صفقة)، ولم يتطرق أحد إلى ما سماه أمين عمر حسن بالتسوية، لكنه كتب كلاما لا أدري إن كان هو أمين حسن عمر الذي أعرفه الذي كان المستشار الصحفي للرئيس المخلوع، مسؤول القطاع الاعلامي في (الحركة الاسلامية) أم أمين حسن عمر شخص آخر لا أدري..؟!.

أدعو القارئ الكريم أن يتأمل معي عبارات الدكتور أمين حسن عمر هذه دون أن نقدح في ذاكرته عندما يقول:
-الإسلاميون لا يريدون مصلحة لهم وإنما يريدون مصالحة بين أبناء الوطن جميعهم بعضهم مع بعضهم الآخر و لا يدخلون في مساومات ولا تسويات.
– يريدون للسودان أن يتفق أبناؤه على الخروج من وهدته التي يعرف الناس جميعا من حفر لها عميقا في تربة الفشل والتبعية وسوم السيادة الوطنية في أسواق النخاسة الدولية.
– الإسلاميون يريدون فك أحتكار القلة المتأدلجة التي لا يهمها معاش الناس وصحتهم ولا تعليم أبنائهم وأكثر من ذلك لا يهمها دينهم ولا تقاليدهم التي هي موضع فخرهم و أعتزازهم.
– الإسلاميون لا يريدون عقد صفقة ليعودوا بها للسلطة فهم آلوا على أنفسهم ألا يعودوا إلا محمولين على أعناق الشعب عبر إنتخابات حرة نزيهة لا يستريب في أمرها مستريب ولا تساوره الشكوك. لأن الذي يعنيهم أكثر من إستعادة السلطة هو إستعادة ثقة الشعب وتواصله الصادق الحميم معهم.
– الإسلاميون لا يريدون صفقة ينال به من إجترح ظلما أو إثما عفوا من سلطان متغلب ينجيه من العقاب، لأن الذي يخاف العاقبة عند الله لا يخاف العقاب من الناس، وإنما لن يقبلوا بالظلم، ولن يقروا به ولن يخنعوا له.
– القبول بالظلم والإستضعاف في دينهم حرام يدخل جارمه النار فليسوا ممن يعتذر بالقول (كنا مستضعفين في الأرض) هم لا يريد عفوا بل يريدون عدلا وسينا لونه بأذن الله، لأنه لا يضيع حق وراءه مطالب حريص ،وسوف ينشدون حقهم بكل سبيل مشروع لا يوقفهم تخويف ولا تهديد وهم يقرأون(أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه).
– الإسلاميون لن يستجدوا حقوقهم المدنية و السياسية من أحد حتى يأخذونها صلحا، فالحق يؤخذ عدلا، ولا يؤخذ صلحا.
-الإسلاميون يريدون لدستور متوافق عليه محترم، أن يحترم، ولقانون عادل ناجز أن يسود، ولحكومة صادقة فاعلة، أن تنصب ويريدون للسلم والتراضي إن يسود بين أبناء الوطن الواحد.
-إلاسلاميون يريدون لكل مواطن مهما يكن لون جلده أو خياره السياسي أن يكون حرا تحت سقف القيم و الأخلاق و الدستور.
-يريدون للوطن أن يكون حرا ولا يكون لأبن حرة صاحب أموال ودثور، ولا لبلد ذي جاه ومهابة، أن يكون له عليه يد يغضي لها حين يغضب، فليست بلادنا بلاد من يغضي ويطأطيء بل بلادنا بلاد من يمشي الخيزلى وهو فخور.

وقفت كثيرا في عبارات أمين حسن عمر هذه، وشككت في بادي الأمر أن يكون كاتبها أمين نفسه، لكنني تيقنت من ذلك بعد أن دلفت إلى صفحته في (الفيس بوك)، التي ربط فيها (الاسلاميين) بالزهد والورع والخوف من الله، والحرص على مصلحة الوطن، والحفاظ على اللحمة الوطنية، والحرص على تطبيق القانون، وايمانهم بدولة المؤسسات والحقوق، والبُعد عن الظلم، وكثرت في مقالته عبارة (العدل) يا سبحان الله..!.

إن مقالة أمين حسن عمر خلت تماما من أي عبارة فيها ندم على ما فعل الاسلاميين في سنوات حُكمهم، إذا تركنا جانبا سرقة المال العام، برغم أن ما يعنيه المال العام والتعامل معه في الأدب الاسلامي فهو شأن ذا أهمية استراتجية، لأنه مرتبط بحياة الناس في معيشتهم وصحتهم وتعليمهم وكرامتهم، لكن كان هناك الأكثر جرما من السرقة وهو نهج التصفيات الجسدية، والتاريخ يشهد أن حُكم الإسلاميين أبدا ما كان يعرف فضيلة للحوار بالحسنى، بل كان الضغط على الزناد هو الأقرب لأنهم لا يريدون ضياع الوقت في التحاور والخروج بحلول.
مجازر أمري وكجبار وديم عرب ببورتسودان..!!.

وعندما نقول أن القتل لديهم أقرب من الحوار لنا في ذلك عشرات الأدلة والشواهد في المجازر الكثيرة التي ارتكبوها في البلاد، ومن بينها مجزرة أمري وكجبار، هذه الحادثة التي مورست فيها عنجهية وقلة أدب وتكبر وخروج عن الإسلام بشكل غير عادي، لم يكن متوقعا بالنسبة لأهل المنطقة، فعندما فكرت دولة (الإسلاميين) في إنشاء سد مروي، والذي قبل بدء العمل فيه نادى الكثير من الحادبين على الوطن بعدم إنشائه اعتمادا على الدراسة التي كانت بحوزة المسؤولين، ومن بين هؤلاء د. علي عسكوري بن المنطقة الذي حذر من الفشل وضياع الجهود والمال العام في مشروع فاشل، لكن عنجهية السيد اسامة عبدالله وزير السدود وعجرفته حالت دون الانصياع لهذه النصيحة فكان الفشل الزريع وضياع المليارات من الدولارات.

فعندما بدأت الإجراءات الخاصة بتحويل أهل المنطقة إلى مناطق أخرى في شرق البلاد رفض الأهل هذا الخيار رفضا باتا، خاصة وان وزير السدود تعامل مع الناس بتكبر وقلة أدب اجتماعي لم تحدث من قبل، أن أرسل لهم فتوات من جماعته الذين كانوا معه من قبل في منسقية الخدمة الالزامية، لم يتعاملوا مع كبار أهل المنطقة بطريقة سودانية، فأرسلوا للوزير رسالة مفادها أن رسلك لم يتعاملوا معنا بالشكل اللائق، فرد عليهم ليس لدي غيرهم، فرفضوا فارسلوا رسالة لرئيس البلاد يقولون له ” الشهيد الزبير محمد صالح كان يأتينا في مناطقنا ويجلس معنا على الأرض ويطايبنا ويحترمنا ويقدرنا ويأكل معنا (الميلوحة)، وبعد ذلك يتحدث عن المهمة التي جاءت به، لكن وزيرك ومن أرسلهم ليس لهم احترام في تعاملهم مع الكبار”.

استلم الرئيس المخلوع الرسالة لكنه كان في وادي آخر، فلما أصر وزير السدود على ترحيل الناس من مناطقهم بالقوة الجبرية خرج الشباب يحملون جريد النخل ويهتفون ضد القرار الظالم، وهم عزل تماماً من أي قطعة سلاح لأنهم رفضوا ترحيلهم من أرض أجدادهم لمكان لا يعرفون عنه شيئاً ولم يألفوه؛ كما أن التعويضات لم تكن مجزية بل أن الكثير منهم الذين نفذوا الأوامر لم يتسلموا هذه التعويضات أصلاً، هؤلاء قُتلوا لأن الطغمة تترفع عن مجادلتهم بالحق؛ فكان أقرب طريق لحل المشكلة هو قتلهم بدم بارد، كانت دهشة الناس أقوى من الجريمة نفسها فلا أحد كان يتوقع هذا المصير، على القارئ الكريم أن يشاهد فيديو مجزرة أمري وكجبار https://cutt.us/bIzDL.
وعلى ذات النسق كانت مجزرة بورتسودان (حي ديم عرب) لأن الضحايا خرجوا في تظاهرة يطالبون بحقوق لهم اقرتها كل الدساتير وكل الشرائع، كانت التظاهرة سلمية إلا من عِممهم وسراويلهم الطويلة (شاهد الفيديو وصور القتلى والدماء الطاهرة https://cutt.us/Vu26Z).

مجازر جبال النوبة والنيل الأزرق

إن الاسلاميين الذين حكمُوا البلاد بطولها وعرضها قد صوّر لهم خيالهم المريض أنهم خالدين في الحُكم إلى يوم الدين، وهذا في حد ذاته ينفي عنهم أي علاقة بديننا الحنيف وأدبياته ونماذجه الطاهرة والشريفة، وفي سياق اراقة الدماء كانت مجازر جبال النوبة والنيل الأزرق التي صورتها الكاميرات الأجنية وأصبحت مادة دسمة لك من ينكر ارتكابها، هذا بعيدا عن الابادة الجماعية وجرائم الحرب التي مورست في دارفور، ليت قادة الاسلاميين صمتوا إزاء ما ارتكبوه من مجازر، فكانت العبارات المستفزة للوجدان السوداني نجد ذلك بالمقاس تماماً في أحاديث الرئيس المخلوع من شاكلة “تحت جزمتي” و”شذاذ الآفاق”، ود. نافع علي نافع و”لحس الكوع”، وغيرها من (أدبيات) اهل الجماعة (شاهد مجازر جبال النوبة https://cutt.us/5yXig).

بيع شركات القطاع العام

بالرجوع إلى مقالة د. أمين حسن عمر إذا تأملناها سنجد بين سطورها استمرار للتكبر والتعالي وايراد كلام على غير الحقيقة خاصة عندما يتحدث عن أنهم يريدون للسودان أن يتفق أبناؤه على الخروج من وهدته، هذه يخالفه فيها الواقع والمنطق والتاريخ،30 عاما أبدا لم يعمل فيها حُكم (الاسلاميين) على الارتقاء بالسودان، وإذا صدقوا في ذلك لبقوا في الحُكم إلى ما شاء الله، لكنهم شردوا الكفاءات التي تمتلئ بها دول الخليج العربي من كافة الشرائح، وإذا صدق (الاسلاميين) في اهتمامهم بالبلاد لِما تعمّدوا إيقاف المشاريع الزراعية التي يفوق عددها الـ 25 مشروعا زراعيا كانت توفر الأمن الغذائي للشعب السوداني، وباعوا جزءا كبيرا منها، وإذا صدق (الاسلاميين) في تطوير البلاد وازدهارها ما دمروا كل الشركات الحكومية الانتاجية وقد كنت شاهد عيان على دمار شركة الخرطوم للتجارة والملاحة أكبر شركات القطاع العام، وبعدها تم بيع شركة الجزيرة للتجارة والملاحة، وبعدها بقليل تم بيع شركة البحرالأحمر للتجارة والملاحة، جميعها شركات حكومية كان لها دخلا معتبرا في خزينة الدولة.

الغيبوبة الجماعية..!!

إن مقالة د. أمين حسن عمر تشبه لحد بعيد حديث الرئيس المخلوع في احتفالات 30 يونيو 2008م بإستاد الهلال التي جرت يوم 6 يوليو حين قال عمر البشير “بني الإنقاذ على خمس ” الدين، الحرية، الشورى، العدل والعلم”.

هذه هي اساليب وأنماط (الاسلاميين) في ردهم على الآخرين يتجاوزوا الحقائق والوقائع ليحدثوا الناس على خيالات وأوهام ليس لها مكان في تجربة الحُكم، والمخجل والمؤلم للقارئ كلما تزداد جرائمهم كلما كان استدلالهم بالشريعة الاسلامية كثيرا، إن حديث عمر البشير في المناسبة المذكورة يحاول ربط حديثه بالحديث النبوي الشريف وشتان ما بين الاثنين.

يتحدث أمين حسن عمر عن الاسلاميين فيقول ” القبول بالظلم والإستضعاف في دينهم حرام يدخل جارمه النار”، لا أدري ماذا أقول، غير أن كل الشواهد تقول أن الإسلاميين قد استحلوا ظلم الشعب السوداني قتلا وتنكيلا واغتصابا وسرقة وحرقا ونهبا وشتيمة واستفزازا، يمارسوا الظلم في الآخرين ولا يقبلونه على أنفسهم لعمري هذه قسمة ضيزى، وتكبّر ليس بعده تكبر، أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس؟!.

متى تفيق هذه العصبة من غيبوبتها الجماعية وتدرك أن الإسلام ليس شعاراً يُرفع تهليلا وتكبيرا وحديثا منمقا، وإنما مسؤولية تجاه الرعية، الاسلام مسؤولية عظيمة جدا جاء لحفظ الضروريات الخمس، وهي الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وفي حُكم الاسلاميين العضوض انتهكت الضروريات الخمس انتهاكا فظيعا أدلتها وشواهدها على قفا من يشيل..

[email protected]
خالد عبدالله- أبوأحمد
صحيفة الديمقراطي – 30 نوفمبر 2020م

‫2 تعليقات

  1. يا ابو احمد الحالة بقت (سعبة) عليهم ,, الجماعة ديل ما بيقدروا يعيشوا بدون كذب والشي المحير في ناس لسع مصدقين لكن بكرة حيتكوموا كولهم في (اسطنبول ) .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..