أخبار السودان

المخرج ربيع يوسف: علاقة الحركة المسرحية في السودان بالدولة مربكة ومعقّدة

صلاح الدين مصطفى

الخرطوم ـ : يعاني المسرح السوداني من إشكاليات عديدة أدت لغياب الممارسة المستمرة، وارتبط هذا الفعل بالجانب الحكومي، حيث تحظى الجماعات المتماهية مع الفكر المساند للنظام الحاكم بالدعم والمساندة بدون فكر واضح أو تخطيط مهني. حول هذه النقطة يقول المخرج المسرحي ربيع يوسف إن واقع الحركة المسرحية في السودان يدرس ضمن العلاقة بين الدراميين والدولة، بحسبان أن الدول مهيمنة على الجانب الأكبر من فرص العمل. ويرى أن عدم استغلال الممارسة المسرحية من الدولة بشكل مهني حتى الآن أدى لغياب رأس المال المستغل الذي يستثمر في الإنتاج الدرامي.
ويقول: «هذا الواقع وفّر للدولة ومقربيها من المسرحيين مناخ الاستفراد واحتكار فرص العمل. والواقع أن العلاقة بين الدراميين والدولة ذات اتجاهين، الأول يتحرك من الدراميين تجاه الدولة وهو في الغالب لا ينطلق من موقع المواطنة كافلة الحقوق والكرامة، وإنما من موقع الاستجداء والتسول، مثال لذلك حالات المرض والحاجة، ومن الموقع نفسه ينطلق آخرون، إلا أنهم يضيفون بهار الفهلوة والتسييس ليزينوا للدولة تميزها لهم».
ويضرب ربيع مثالا «فادحا» لهذا النموذج يتجلى في المهرجانات، لاسيما مهرجان البقعة الذي يرأسه علي مهدي ـ المقرب من رموز النظام الحاكم ? ويقول إنه يهدر ثمانين في المئة من أموال الدولة المخصصة للدراما.
أما الاتجاه الثاني لهذه العلاقة التي وضعها ربيع في اتجاهين، فينطلق من الدولة اتجاه الدراميين..»ويتحرك من موقع الوصاية الجاهلة بأسئلة الدراما واحتياجاتها، وهو موقع يستبطن عنفا وجبنا في آن واحد، فهو عنيف لأنه يدمر ويهمش مؤسسات الدراما ذات الصلة لصالح أفراد أو مكاسب سياسية مراهقة غير إستراتيجية، وهو جبان لأنه يخشى تمدد الوعي وانتشاره بين الدراميين». ويقول يكفي شاهدا على ذلك ميزانية المسرح القومي تلك التي لا تقو على إنتاج مسرحية واحدة في العام، ناهيك من إنتاج موسم كامل، كما كان يحدث في السابق.
ويقول المخرج الشاب إن قراءة المشهد المسرحي لا تكتمل وفق فرضية هيمنة الدولة واحتكارها لفرص العمل، إلا بالحديث عن طرف ثالث لا تستوعبه هذه العلاقة وفق حدي الاستجداء والوصاية، ويعني بالطرف الثالث كل الدراميين غير الخاضعين لرؤية الدولة وعرابيها من المسرحيين. ويصف هؤلاء بأنهم دراميون ينتجون فعل المقاومة ويعملون خارج أسوار الذهن الرسمي للدولة ومؤسساتها الدرامية، «وهم إذ ينطلقون من موقع المقاومة تجاه الدولة، إنما صاروا عرضة لعنف الدولة المتمثل في عدم الاعتراف بهم وبمساهماتهم أحيانا وأحيانا أخرى بالحرمان من فرصهم، مع تنميطهم في كل الأحايين داخل نعوت سياسية وأخلاقية (شيوعيين، أولادا قليلي أدب) بغرض إقصائهم اجتماعيا ومهنيا».
بهذه القراءة لواقع الحركة المسرحية في السودان يصل ربيع يوسف لخلاصات المشهد المسرحي، خاصة أن الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في السابع والعشرين من آذار/مارس هذا العام جاء ضعيفا ومجدبا، وكانت هذه المناسبة تمثل نقطة ضوء سنوية للتذكير بوجود الفعل المسرحي في السودان. ويجمل ربيع خلاصته في عدة جوانب لا تخرج في مجملها عن الموضوع الرئيسي الذي نتحدث عنه في هذه المساحة.. فهنالك «جانب ينتظر منح الدولة ليقدم إنتاجا متواضعا، فكريا ومهنيا، لا يقوى على الصمود والاستمرار، رغما عن تكراره وتناسخ أنماط إنتاجه».
ويرى أن هذا النوع من تجليات المشهد المسرحي أفرزته ? وتفرزه -علاقة الدراميين بالدولة، تلك العلاقة التي يحكمها مبدأ الاستجداء والتوسل.
الجانب الثاني للمشهد الدرامي جانب احتفالي سياسي يتجلى في المهرجانات التي تستغلها الدولة أو النظام ورموزه لتسويق خطابه إعلاميا، بينما لا يكسب المسرح غير حالة نشوة عجولة وخجولة سرعان ما يفيق منها بمجرد انتهاء أيام المهرجان قلّت أو كثرت.
الجانب المشرق في المشهد ـ بحسب المخرج ربيع يوسف- يتجلى في مساهمات الفنانين الحقيقيين الذين ينطلقون في علاقتهم بالدولة من موقع المواطنة والندية والممارسة المهنية الأصيلة: «فهم على الرغم من ممارسة الدولة وعرابيها الرامية لطمس مجهودات ومساهمات المقاومين، إلا أن أغلب المشرق في هذا المشهد يتجلى هنا في هذه المدافعة بين هؤلاء الطليعة والدولة، إذ يتحقق خلالها تنامي فعل الوعي الذي لا يعيبه بطؤه فهو على الأقل يحافظ على موقع الاختلاف وشرفه».

صلاح الدين مصطفى
القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..