مقالات وآراء سياسية

رسالة من الأرض إلى السماء ..

علي العبيد

مدخل:
أعتذر مقدماً لمن يقرأ هذه الرسالة من قراء الراكوبة الأعزاء بأن إقتحمت عليه خصوصيته في أمر قد لا يهمه، و لكن في لحظات الإنكسار يكون المرء في أقصى درجات الحاجة لمن يشاركه في وجعه…
الراسل : علي العبيد …
العنوان: أرض السودان
المرسل إليه: أخي و أبي و حبيبي و قرة عيني محمد العبيد
العنوان: ملكوت الله الواسع حيث يسكن الأتقياء الأنقياء الأطهار.
سلام الله عليك و أنت في عليائك أيها التقي النقي الطاهر…
وتمر الأيام أيها الحبيب و لا أصدق أنك قد رحلت، أبحث عنك في كل زوايا البيت الذي أشرق بنورك و نال بركاتك و نحن ندخله معاً للمرة الأولى بعد غربة أربعين سنة، لن أنسى كم كانت سعادتك بعد أن أصبح لي بيتاً يقصده بكل الترحاب كل من أتى من الأهل للخرطوم، أذكر أنك قلت لي (الحمد لله راسنا إنعدل في الخرطوم)، أبحث عنك مثل طفل ضاعت لعبته الجميلة، أجدك و لا أجدك، أسمع صوتك و لا أراك، ترتسم صورتك و لا أتمكن من لمسها، تحوم ذكراك مثل قبس من نور الله يعم المكان ولا أعرف مصدره..
تمر الأيام و لا أريد أن أصدق أنك قد رحلت، أنك قد (حقبت عصاتك) و فردت جناحك و حلقت بعيداً بعيداً في ملكوت الله الواسع، و سبحت في نوره الساطع إلى حيث الصفاء و النقاء و الجمال و البهاء، إلى حيث يريدك الله أن تكون، لأنك أنت الصافي النقي الجميل البهي.
تمر الأيام و لا أصدق أنك قد تركتنا حيارى، ضائعين، يتامى، نعم يتامى… لا تتعجب أيها الحبيب من هذا الكلام، هل سمعت بيتيم في الستين؟؟ .. أنا يتيم في الستين و يتيم في السبعين و يتيم في المئة و العشرين و يتيم حتى ألقاك….
سأختصر هذه الرسالة أيها الحبيب لأني لا أريد أن أرسل أحزاناً إلى حيث لا أحزان، و لا هموماُ ألى حيث لا هموم، ولا عذاباً إلى حيث لا عذاب…أريد أن اختصر هذه الرسالة لأن الحبر الذي أكتب به قد نفد، هذه الرسالة أيها الحبيب حبرها الدموع، كل كلمة فيها دمعة، كل حرف فيها دمعة، كل نقطة فيها دمعة…كل فاصلة كل كسرة كل همزة ….كل ضمة كل فتحة كل تنوين …
وأعدك يا الحبيب أن أكتب لك كلما توفرت لدي دموع، سأسكبها حارة صادقة كلما وجدت لعيني سبيلاُ، و لكن خوفي ألا أتمكن من الوفاء بوعدي لك لأني أخشي أن يكون ينبوع الدمع قد جف و نضب معينه، لأني أبكيك كل يوم، كل يوم، منذ أن قسوت علينا و رحلت سريعاً مثل ومضة برق خاطف، في ليل خريفي بهيم حالك السواد…
و لكي أخفف عنك ما سببته لك من حزن في دار لا حزن فيها، فإني أسالك : كيف ربيت يا رجل أولادك هؤلاء؟ كيف زرعت فيهم هذه الرجولة و الأخلاق و الكرم و السمو و العزة و الشموخ و الأدب؟ كيف؟ قل لي بربك و لا تبخل علي، كيف؟؟!!!
ولترقد يا الحبيب في سلام و أنت مطمئن أنك قد تركت وراءك أبناءاً يشرفونك و يحفظون مكانتك الغالية العالية لدى كل من عرفك أو سمع بك، و قل لهم نيابةً عني أني راضٍ عنهم لو رحلت اليوم أو غداً أو متى ما أخذ الله أمانته، قل لهم اني فخور بهم، قل لهم أنت لأني لا أستطيع أن أقول ذلك…
و كما وعدتك… سأكتب لك متى ما توفرت لدي دموع…
أخوك علي.. اليتيم و هو في الستين،
لا تستغرب أيها الحبيب، أنا يتيم في الستين. … وسأظل يتيماً…….. حتى ألقاك.

‫11 تعليقات

  1. رغم أني ما بعرفك يا ود العبيد و لا بعرف أخوك لكن رسالتك بليغة و حزينة بصورة غير طبيعية، دي المفروض يدرسوها لطلاب كلية الآداب في فن رسائل العزاء، بارك الله فيك و ربنا يرحم أخوك، والله ماقصرت في حقو.

  2. ربنا يرحم الوالد ويحسن اليه ويجعل الجنة مسكنه ويصبرنا على فراقه ويجعل البركة في أخوانه وذريته

  3. انا لله وانا اليه راجعون
    كم واوجعنا رحيلك يا جدي نسأل الله لك الرحمه والمغفره والعتق من النار

  4. العم الغالي جداً علي العبيد … كلماتك القيمة هذه ساقتني سريعاً لليوم الأول الذي ولجت فيه إلى بيتك راحلاً ونحن برفقة الوالد له الرحمة والمغفرة … كم كانت سعادته أكثر من سعادتك وأنت تمتلك بيتاً خاصاً بك … رأيت ذلك في عينيه وابتسامته وونسته معك برفقة حرمك المصون التي لا تقل عنك في البشاشة والكرم فقد كانت آخر من ينام من اهل بيتك وأول المستيقظين… رغم غربة السنين الأربعين لم تتغير ولم تتبدل وهي ذاتها المرأة البشوشة الكريمة التي تهتم بضيفها دون كلل أو ملل… أما الحديث عنك فو الله كل شخص يعرف علي العبيد يدعو لك بالخير فقد كنت أباً وما زلت للجميع.. لا أقول أكثر من جزاك الله خيراً في كل ما قدمته لطالب علم أو مريض أو يتيم أو فقير .. ننحني لك احتراماً وتقديراً لأنك بمثابة الوالد … وتعجز الكلمات أيها النبيل في الحديث عنك … رحمة من الله تغشى والدي ومغفرة .. وصحة وعافية وتوفيق وطول عمر لك ولأسرتك … إبنك أحمد

  5. رحم الله العم محمد العبيد مصباح بواسع رحمته وجعله من سكان اعلى الجنان وعزاؤنا لك يا عم علي ولابنائه سيف وعماد ومبارك وعبدالرحمن ويوسف واحمد والعاقب ومصطفى ونشهد الله انهم من خيرة الشباب ادبا وعلما وخلقا والفضل بعد الله القدير يرجع الى والدهم الذي رباهم على العفاف والطهر والاستقامة فكانوا كالشموس ليس في احدهم قتامة او اعوجاج لانهم من ام طاهرة واب طاهر عليهما الرحمة .
    لقد اثرتني كلماتك بما فيها من صدق الاخوة والوفاء والوداد ، كما اني لصيق بهم منذ صغري .
    لك خالص العزاء
    عاطف عمر محمد التاى

  6. نسأل الله ان يتولاه برحمته. رجل يحبه ويحترمه الكل صغيرا وكبيرا. اتذكره من انا طفلا فقد كانت محبته تفوق كل الناس رجل برا واحسان. نم هنيئا قرير العين

  7. ربنا يرحمهم جميعا قد تركونا ونحن في امس الحاجه لهم من جرب رحيل أحدهم إلى السماء

    هو فقط من يدرك معنى الفقد

  8. صدقت القول انها بليغه جداً الفقد فقد عظيم علي كل من يعرف جدنا محمد العبيد مصباح الذي كان يضي لنا الطرقات في الليالي الحالكات
    الا رحمك الله ي جدووووو وابي وعمي وكل شي
    لقد رحلت مبكراً دون حتي ان تقول وداع دون أن نجالسك تلك الجلسات التي تكون كلها حكم ودروس وعبر
    سنبكيك كل حين فرحيلك رحيل امه
    انا لله وانا اليه راجعون أصبحنا نقاسي امرين امر الغربه وهم الرجوع الذي لم نجدك فيه عندما نهم بالرجوع الي الوطن تتراجع عن هذا القرار فكيف بدار تركناه عامر بك لا نجدك فيه كيف نستوعب ذلك وماذا نفعل فأه من الغربه واهااااااااااااااات من الرجوع وانت تركتنا فوالله الغربه ارحم لنا من دار نأتيها وانت غير موجود فليته غياب دهر ليكون لنا امل رجوعك ولكن أنه غياب ابدي لا رجعه بعده
    رحمة الله تغشاك ونسأل آلله ان يجمعنا بك في اعالي الجنان
    وانا لله وانا اليه راجعون

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..