بين التأكيد والنفي.. ما حقيقة بدء إثيوبيا ملء سد النهضة؟

ما بين التأكيد والنفي هو حال التصريحات الإثيوبية طوال السنوات الخمس الماضية، التي تزيد التوتر أكثر بين أديس أبابا وكل من مصر والسودان، ففي الوقت الذي تجري فيه عملية التفاوض بين الأطراف الثلاثة برعاية إفريقية، تظهر تصريحات لوزير الري الإثيوبي يتحدث عن بدء الملء تزامنا مع تسريب صور أقمار صناعية لبحيرة السد، ثم يعود لينفيها بعد ساعات… فما حقيقة ما يجري… وهل بدأت عملية ملء السد أم لا؟
يرى مراقبون أن “هناك صعوبة ومخاطر دولية كبيرة ستعود بالضرر على إثيوبيا حال قيامها بإجراء أحادي الجانب، وأن التصريحات والتسريبات ماهى إلا بالونات اختبار للضغط على مصر والسودان قبل صدور قرار من الاتحاد الإفريقي، فقرار الملء والتشغيل يجب أن يحظى بتوافق إقليمي ودولي لكي يمكن الاستفادة من الطاقة الكهربائية ومشاريع التنمية، في حين يرى فريق آخر أن الجانب الإثيوبي قصد إثارة البلبلة بعد تأكيده صحة الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية لسد النهضة التي تظهر ارتفاعا في منسوب المياه، ثم يعود وزير المياه الإثيوبي لينفي التقارير التي نقلت عنه ببدء ملء خزان سد النهضة“.
بالون اختبار
قال حاتم بشات عضو النواب المصري ولجنة التعاون والعلاقات الدولية وفض المنازعات بالبرلمان الإفريقي: إن “التصريحات الإثيوبية حول بدء عملية الملء الأول لبحيرة سد النهضة ثم نفيها، هى بالون اختبار لمعرفة رد فعل الجانب المصري، وقد كان رد الخارجية المصرية على تلك التصريحات حاسما”.
وأضاف عضو النواب لـ”سبوتنيك”، “في رأيي أن الجانب الإثيوبي يخشى المواجهة المباشرة مع مصر، بجانب أنه يتحسب لرد فعل الاتحاد الإفريقي ودول إفريقيا والرأي العام الدولي، لذلك هم تراجعوا عن تصريحات عملية بدء الملء، ومن جانبي أنا لا أثق في تصريحات الجانب الإثيوبي”.
وحول الصور التي أظهرتها الأقمار الصناعية لعملية الملء قال بشات: “هناك صور للأقمار الصناعية يتم تداولها بالفعل، والجانب السوداني أعلن أيضا أن هناك نقص فعلي في المياه، ومع ذلك لا نستطيع القول أن هناك عملية ملء من عدمه قبل أن يتم عمل كل التحريات حول الموضوع للوقوف على الحقيقة وحتى تكون ردود الأفعال المصرية مبنية على أسس”.
وعن القمة الإفريقية المصغرة والتي لم يحدد موعدها أشار عضو البرلمان إلى أن “مصر دائما لديها أمل في نجاح أي مفاوضات، فمازال الهدف الرئيسي لدينا هو التفاوض وفقا لما سينص عليه قرار الاتحاد الإفريقي بعد رفع الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا تقارير الجولة السابقة إلى الاتحاد وهذا هو المبدأ المصري”.
من جانبه قال اللواء جمال مظلوم الخبير العسكري والاستراتيجي المصري: إن “إثيوبيا لن تقدم على ملء سد النهضة إلا بعد انتهاء المباحثات، لأن الموضوع معروض على مجلس الأمن ومازال هناك دور للاتحاد الإفريقي، وإقدام إثيوبيا على تلك الخطوة بشكل منفرد لا شك أنه سيعرضها لانتقادات من المجتمع الدولي بشكل عام”.
وأضاف الخبير الاستراتيجي لـ”سبوتنيك”، “أعتقد أن تلك التصريحات تهدف إلى تهدئة الرأي العام الداخلي، أو تحاول من خلالها الضغط على مصر والسودان أنها ستملأ السد من موقع القوة كما صرحت من قبل، ولا نستبعد أن تصريح وزير الري الإثيوبي حول ملء السد والذي نفاه لاحقا كان يهدف إلى جس نبض الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، ومن وجهة نظري أنها تصريحات سياسية تهدف لاستكشاف ردود الأفعال والتأثير على المجتمع الدولي وقرار الاتحاد الإفريقي”.
وقال مظلوم: “من وجهه نظري أن إثيوبيا لم تبدأ حتى الآن في ملء السد، وأن ما أظهرته صور الأقمار الصناعية لتراكم مياه خلف السد، قد يكون ترسبات لمياه الأمطار، وهناك العديد من الأقمار الصناعية الدولية التي تغطي الكرة الأرضية ويمكنها التقاط صور لعملية الملء حال حدوثها وستقوم بنشر ذلك، وأرى أن إثيوبيا استغلت الصور التي يتم تداولها كنوع من الضغط وأنها لن تقدم على ملء السد إلا إذا شعرت أن أي قرار سوف تتخذه يمكنها الدفاع عنه إقليميا ودوليا”.
وتوقع الخبير الاستراتيجي أن “يعود ملف مفاوضات سد النهضة إلى مجلس الأمن مجددا، إذا خرج قرار من الاتحاد الإفريقي لا يتوافق مع الحقوق المشروعة لمصر وهذا بكل تأكيد أن الضرر الأكبر سيكون عل إثيوبيا”.
قال وليد ابو زيد ممثل المجموعة المدنية السودانية المناهضة لمخاطر السدود: “نعتقد بأن إثيوبيا بتصرفها المنفرد في ملئ بحيرة سد النهضة دون الوصول لإتفاق بين الأطراف الأخرى “السودان و مصر”، يعد صفعة قوية لمبدأ التفاوض و مدى أهميته لمعالجة القضايا العالقة بين الدول المتحضرة”.
وأضاف ممثل المجموعة المدنية لـ”سبوتنيك”، “المجموعة المدنية ترى أن الحل بالنسبة للسودان، يتمثل في إعلان سحب توقيع السودان على إعلان مبادئ سد النهضة الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، نظرا لأن إثيوبيا قد خرقت الإعلان كما خرقت غيره من الاتفاقيات، وعلى السودان وقف التفاوض فورا، وتسارع بتقديم شكوى عاجلة لمجلس الأمن، لأن الموقف الإثيوبي الأحادي الجانب يعد مهددا للأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
وأوضح أبو زيد إلى أن “شواهد كثيرة تؤكد أن إثيوبيا قد اتخذت بعض الإجراءات الفعلية لملء السد بشكل منفرد ومنها بيان وزارة الري السودانية الذي أكد أن انخفاض مستوى المياه المفاجئ يؤكد أن إثيوبيا أغلقت بوابات سد النهضة، مما أدى لإنخفاض منسوب النيل في محطة الديم
قال الدكتور أحمد المفتي الخبير السوداني في مفاوضات دول حوض النيل: “نفت إثيوبيا أنها بدأت ملء السد بإجراء منفرد، علي الرغم من تأكيد التلفزيون الإثيوبي لذلك، نقلا عن وزير الري الأثيوبي، وذلك أمر تحدده الحكومتان السودانية والمصرية، لأن الأمر لو كان مجرد سقوط أمطار غزيرة، لما أكدت وزارة الري السودانية انخفاض المنسوب في محطة الديم الحدودية بـ 1.27 متر، عن منسوب العام الماضي”.
وأضاف المفتي لـ”سبوتنيك”، أن “هناك إجراءات قانونية على السودان القيام بها حال إقدام إثيوبيا على ملء السد بإجراء منفرد في أي وقت من الأوقات تتمثل في إيقاف المفاوضات فورا، حتى لا يشكل الأمر ” سابقة قانونية، لأن أي استمرار للمفاوضات بعد بدء الملء بإجراء منفرد”، يعني “تقنين وشرعنة ذلك الملء الانفرادي غير المشروع، بصورة ضمنية، وتكون الخطوة التالية هى سحب التوقيع على إعلان المبادىء فورا، لأن الملء بإجراء منفرد، انتهاك إثيوبي للاعلان، وإرجاع الأمر إلى مجلس الأمن فورا لاستصدار قرار بموجب الفصل السابع، لإلزام إثيوبيا بوقف الملء الأول، وعدم اتخاذ أي إجراء، إلا بعد وصول إثيوبيا إلي اتفاق ملزم، مع السودان ومصر، يحدد حقوق والتزامات كل دولة، لأن مجلس الأمن سبق له أن طلب من إثيوبيا، عدم الملء بإجراء منفرد”.
وأوضح الخبير السوداني أن “الإجراء التالي يتمثل في قيام السودان بتكوين لجان لدراسة آثار انخفاض المنسوب 1.27 مترا، وأي انخفاض عن المعدل الطبيعي، لتحديد الأضرار على المواطنين السودانيين، علي طول مجري النهر حتى الحدود السودانية المصرية ، وذلك لتحديد ما يلزم، من تعويضات، وبـ ” مشاركة المواطنين ” المتضررين، علما بأن إثيوبيا قد التزمت بتلك الدراسات، في إعلان المبادئ”.