التغيير : قواه و ضرورته

التغيير : قواه و ضرورته

رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]

التغيير سنة من سنن الحياة, ذلك أن الحياة تقوم علي التعاقب المنتظم , فالليل يعقبه النهار , مثلما تتعاقب فصول السنة . و يكيف الناس حياتهم وفقاً لهذا التعاقب الكوني المنتظم . لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر, و لا الليل سابق النهار, و كل في فلك يسبحون.
و يحدث التغيير في حياة الناس, تبعاً لهذا التعاقب الدوري المنتظم , و تتبدل الأحوال من سياسة و إقتصاد و إجتماع , فما كان صالحاً اليوم , لن يصلح في الغد. لذا ينبغي أن يتم التغيير وفقاً لمصلحة المجموع.
و قد إهتم علماء الإجتماع, بدراسة موضوع التغيير في حياة الناس, ووضعوا النظريات التي تتحدث عن هذا التغيير, و كيف يتم. من النظريات التي تناولت موضوع التغيير, نظرية تحليل القوي البيئية Forcefield analysis لعالم الإجتماع الألماني , كورت ليفين Kurt Lewin , و هو إستقي هذه النظرية من ميدان الطبيعة. تحدث ليفين عن القوي, التي تعمل في مجال التغيير. تنقسم هذه القوي , إلي قوي مؤيدة للتغيير Driving forces , و قوي مقاومة للتغيير Restraining forces. يحدث الصراع بين القوي المؤيدة للتغيير و القوي المناهضة له, و تكون الغلبة للقوي المؤيدة عادة , بسبب قوة تيار التغيير الضاغطة , و هذا ما يبدو في حالة التغيير السياسي, كما هو حادث في العالم العربي في هذه الأيام.
بتحليل المجال الذي تعمل فيه قوي التغيير, في عالمنا العربي , نجد أن القوي المؤيدة للتغيير, و القوي المناهضة له, تتمثل في :
أولا: القوي المؤيدة للتغيير :
1/ البحث عن الحرية و الديموقراطية.
2/ البحث عن الحياة الكريمة.
3/ مكافحة الفساد و سرقة المال العام.
ثانياً : القوي المناهضة للتغيير :
1/ ليس هناك حاجة للتغيير ( الشعب ماكل و شارب)!.
2/ عدم نضوج التجربة السياسية للتحول الديموقراطي.
3/ طمع النخبة الحاكمة في البقاء رعاية لمصالحها.
4/ التهديد بقمع أي تحرك شعبي.
في ظل هذه القوي المقاومة للتغيير, تظل النظم الشمولية, ممسكة بمفاصل السلطة , دون أن تعمل علي إحداث أي نوع من التغيير, حتي يبدأ النظام في التآكل من داخله, و من ثم يتهاوي تحت ضربات القوي المناهضة له, كما هو معاش في العالم العربي, في هذه الأيام.
إن مشكلة النظم الشمولية, أنها تعمد إلي كبت الحريات , و إشاعة جو الإستبداد. هذا يقود إلي نشوء مراكز القوي داخل النظام الحاكم, و التي يفسدها غياب الرقابة و المحاسبة, و بالتالي ينمو الفساد, و هذا يؤدي إلي تعطيل المصلحة العامة. هذا بدوره يعمل علي تآكل النظام الحاكم, و من ثم إنهياره أمام الضربات التي توجه إليه من جانب المعارضة.
و مشكلة النظم الشمولية , أنها تركن إلي الإنجازات التي تحققها , و تعتقد أنها أتت بما لم يأت به الأوائل, و يصيبها وهم ما يسمونه الإنجازات الضخمة Gigantomania, حتي و إن كانت هذه الإنجازات متواضعة, و بعضها لا يعدو أن يكون أكثر من قطع زوايا Cut corners سرعان ما تبين عيوبها. إن هذا الوهم الذي تعيشه هذه النظم , يتولد عنه وهم آخر, هو أن النظام الشمولي , يعتقد أنه يستمد شرعيته من واقع الإنجازات التي حققها. هذا غير صحيح, ذلك أن شرعية النظام تقوم علي الحكم الراشد, و الذي يتمثل في الحرية و العدالة و النزاهة و المساواة.
إن ما يحدث في العالم العربي, من ثوران للشعوب , هي رياح بدأت تهب. و هذا يعني أن المجتمعات العربية , تعيش ظروفاً متشابهة, تتمثل في الإستبداد و الفساد و الفقر, و ما يولده من شرور, تتمثل في إهدار الكرامة. إن هبوب هذه الرياح, يعني أن الشعوب ترغب في التغيير إلي الأفضل, بعد أن ملت نمط الحياة الذي تعيشه.
إن التغيير ضروري لإستدامة الحياة و سيرها نحو الأفضل. هل تعمل النظم الحاكمة في عالمنا العربي علي إحداثه , أم ستظل تتذرع بالحجج الواهية من أجل الإمساك بزمام السلطة ؟
ما لم يحدث إصلاح سياسي , فإن رياح التغيير ستستمر في التصاعد , و تقتلع هذه النظم من جذورها في قابل الأيام. نأمل أن يكون هبوب هذه الرياح, برداً و سلاماً علي المنطقة العربية , و ألا تكون ريحاً صرصراً, تدمر و تخرب ما هو موجود علي قلته.

الرياض / السعودية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..