عشرة الأيام علاقة أوجدتها الكفتيرة وصاج الزلابية فامتدت لتصبح أسرية

الخرطوم: خالد جبريل
المهنة تجعل أصحابها أكثر من إخوان، وتعمق الصلات الأسرية “ويا هو ده السودان”. عم إسماعيل عبد الله محمد أحمد، بائع شاي اللبن؛ ينهض صباحاً كدأبه لأن السنوات نحتت التعود على جبهته التي تتلقاك سيماء الصلاة بترحاب كشاي الصباح الممزوج بالحليب، وبعد أداء الصلاة مباشرة يكون قد حزم أمتعه واتجه من منزله بجبل الأولياء صوب مكان عمله بشارع الحرية في السجانة بالخرطوم. عم اسماعيل جلست اليه وبالقرب منه صديق عمره؛ العم محمد سليمان، المتخصص في صناعة “الزلابية” أو اللقيمات أو أم النون؛ أسماء متعددة لجوز الشاي الدائم، لها من العشاق كثر. معاً الى ما دار فى هذه السياحة.
السلام عليكم يا عم؟
مرحباً تفضل اعطني كباية حليب كبيرة ومعاها زلابية من جارك ده.
حاضر.
### وبعد أن سافرت مع كباية الحليب في بوادي الأهل الكنانة بولايتي سنار والنيل الأبيض وبطاح جنوب دارفور، سألته يا عم حسابك كم؟
4 جنيهات اللبن والزلابية.
هاك استلم.
كتر خيرك يا عم.
### هممت بالنهوض والتحرك نحو العمل، قلت له: يا عم أنا شايف علاقتكم دي حلوة شديد إنتو شغالين سوا ولا كل زول براهو؟ أجابني يا ولدى نحنا أي زول براهو، لكن زي السوا زي السوا كيف يعنىي؟
قال أولاً أنا اسمي إسماعيل عبد الله محمد أحمد، وشغال ببيع لبن وشاي مع عمك الببيع الزلابية ده اسمو محمد سليمان اتعارفنا هنا في شارع الحرية دا قبل 20 سنة وذيادة، ومن ما اتلاقينا هو زلابية وأنا لبن.
قلت له عم إسماعيل وين الدكاكين الشغالين فيها، إنتو قاعدين قدام مغالق؟ قال دكان شنو نحنا شغالين زي ده لينا 20 سنة، الصباح قدام المغالق وفي المساء بنخش جوه بهناك، ويقصد باللقرب من الطلمبة التي تقع في سوق السجانة. سألتو طيب اللبن ده بتجيبوه من وين وبي كم؟
أولاً اللبن ده زمان التمنة فيها 8 أرطال كانت بــ(3) جنيه والآن بقت بــ(32) جنيه، وعندنا الكباية الكبيرة كباية الشب بقيمة 3 جنيهات.
طيب يا عم إسماعيل أنا شايف في ناس كبار في السن وفي ناس زي مساكين في عقلهم بيشربو شاي وبياكلو زلابية، هل ديل بدفعوا ليكم قروش؟
أجاب زي ديل كتار بيجوا وكل يوم القسمها الله ليهم بلقوها وكان العندنا من اللبن والزلابية كملت برضو قروش بلقو من الله أو لا لأنو نحنا أسباب بس. وأقول ليك يا ولدى أي زول داير يشرب وياكل وجاء قال ما عندو بنقيمو أول وبعد داك بنخليهو يمشي، والحمد لله.
كيف شغلكم مع ناس المحلية؟
نحنا كويسين معانا بندفع حق النفايات (10) جنيهات وتاني ما عندنا أي حاجة لأنو نحنا شغلنا الصباح بدري خالص والساعة 8 ونص بنكون خلصنا يا دوب الموظفين بيكونو ماشين على مكاتبهم.
هل بتمشي لصاحبك ده في المناسبات وهو بجيك ولو واحد منكم صادف يوم ما جاء البحصل شنو؟
أولاً نحنا زي الإخوان الاشقاء ما عندنا أي فز ولو واحد غاب فجأة بدون ما يكلم أخوه من قبال وقت كافي، الواحد فينا بيقفل مكانو وطوالى بمشي على بيت الثاني. طبعاً ده قبال التلفونات لكن الآن تتصل وتعرف الحاصل شنو.
احكي لي موقف طريف يا عم اسماعيل؟
هههاهههها هكذا ضحك، ثم قال في واحد جاني الصباح بدري طلب لبن، اديتو الكباية الكبيرة دفقها لي في يدي، تاني اديتو كباية كبيرة، دفقها تاني في يدي، عاينت ليهو كويس، عرفت انو زي سكران كده. مسكتو قعدتو في الكرسي وكبيت ليهو تاني كباية، لما شربها طوالي مشى. وأنا ما دفع ولا قرش كشح كبايتين وشرب كباية ومشى، وأنا أعاين ليهو ساكت لأنو زول سكران والسكران في زمة الواعي. يا ولدي طيب الشغل ده دخلو كويس والأمور ماشة كويس؟
الحمد لله بناكل وبنشرب وبندفع لأولادنا في المدارس والحال مستور زي ما شايف والحمد لله رب العالمين.
بتقول شنو لشباب هذا الزمن الأسى ده؟
أنا بقول ليهم الواحد يشتغل أي شغل، وما يقول انو هو متخرج من الجامعة الفلانية ومنتظر الوظيفة لا لا لا، يشتغل أي شغل ما هو راجل والراجل سموه راجل لشنو عشان هو بتحمل الشدائد.
كلمة أخيرة.. داير تقول شنو وصاحبك بقلع في الزلابية ساكت ما بقدر يتكلم؟
الكلام الأنا قلتو ياهو طبق الأصل منطبق عليهو هو لأننا روح واحدة في جسدين. صدّق حتى جيبنا واحد، أنا بخلص من الزبائن قروش اللبن والزلابية وهو كمان الناس البغادي ليهو ديلك بخلص منهم حق اللبن والزلابية.
شكراً ليك عم إسماعيل وعم محمد سليمان زلابية ولبن وعلاقتكم صافية لبن.
نحنا نشكرك كتير. عليك الله جيب لينا الجريدة عشان نحنا نشوفا.
اذاً هكذا خرجت الكلمات الناعمة الحنينة من لسان عم اسماعيل وعم محمد بيضحك وهم مبسوطين، وهذا المشهد دلالة على الأخلاق الفاضلة بين كل السودانيين ومدى الاحترام المتبادل والعمل بتفان وإخلاص يجعل الجميع في حب وسلام.
التغيير