نعم لآلية دعم التعايش مع الفساد

نعم لآلية دعم التعايش مع الفساد

عقيد شرطة (م) عباس فوراوى
Forawe @hotmail.com

كثر الحديث هذه اليومين عن استشراء الفساد فى البلاد ، وأراق الكتاب كثيراً من أحبارهم العلقمية الطعم على الورق ، ولم يتخلف أصحاب الأسافير عن الركب الميمون، “فانْعَرَطوا” جميعاً و”تجَلْبعوا ” ثم رموا جحافل المفسدين فى الأرض والبحر معاً بنقدٍ لاذعٍ ، لم يسلم منه هواة الفساد، ومحترفوه وعارفو “فضله ” على اطلاقهم . لم يقف الأمر عند هذا الحد ، فقد تداول أمره السُّمَّار ،وتناول أخباره أهل الشمار،عبر مجالسهم ومجامعهم وملتقياتهم ، وكأنَّ هذا الفساد “المجنى عليه “فصيلٌ من فصائل الجِّن” الكَلََكى “، اللابس ملكى ،والذى يجيد التسلل خفيةً الى مضارب الجيوب غير الأنفية ، أو يتقن الاندساس فى أضابير الحسابات الدولارية للمفسدين “الأحرار ” حتف أنوفهم ، أورغماً عنهم ، بالرغم من أننى متأكدٌ من أنَّهم بريئون من أكل أموال الناس بالباطل، كتأكيدى من براءة القط الجائع المتهم بمطاردة، والتهام الفأر الصائع .
. إننا لا نعرف على وجه الدقة متى وُلد الفساد ومن هو والده ومن هى أمه ؟ ولكنَّا نؤكد أنه ابن سفاح ومن أصحاب السند و القرآن الكريم قد أورد آيةً كريمةً، عرفنا من خلالها تاريخ ظهوره ،فقد قال سبحانه وتعالى “ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ، ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون ” صدق الله العظيم ، وفى هذا فرصةٌ ذهبية لهؤلاء المتكسبين بغير وجه حق، بأن يرجعوا لله سبحانه وتعالى ويقوموا بالتحلل مما كسبوا حراماً، وفى كل الأحوال نحمد الله بأنَّ الفساد لم يظهر فى الجو والا قامت القيامة بسسببهم “الله لا كسبهم عافية ”
اننا ننبه كل الأخوة الناقرين على أبواب الفساد والمفسدين، ونحذرهم من تجاهل تاريخ الفساد كعدوٍّ غير عاقلٍ ، فللفساد عراقته ، وللفساد تاريخه الحافل بتدمير ملاحقى، ومهددى وجوده من خلال أربابه ، وللفساد تداعياته ونتائجه الكارثية التى يمكنكم فقط الاطلاع على النذر اليسير منها عبر ملفات الجريمة اللابدة بمخابئ وزارة الداخلية أو المنشورة عبر الصحف اليومية التى منها صحيفة “الدار “، وليس الفساد نفسه فى حاجة لدعوتكم ، لزيارة معاقل أبناء السفاح أو المتشردين ، أو حتى بعض أصحاب ناطحات السحاب بلا قرون.
من الناحية الأخرى نقول بأنَّ الحكومة قد اجتهدت بألقابها ومقاساتها المختلفة “قابضة ?متمكنة ?وحدة وطنية ?عريضة واسعة ..الخ ” اجتهدت وسنَّت من سكاكين القوانين واللوائح والأوامر، وأصدر موظفوها الدينيون من الفتاوى والمطاوى ، ما يكفى لخلع ضروس وأسنان الفساد من جذورها ، ولكنها للأسف فشلت فى العثور على مواطنين محليين موالين، وصالحين لانزال هذه القوانين لأرض الواقع ، بالرغم من اجتهاداتها الاجرامية المدمرة ،باحالة الآلاف من الشرفاء الى التقاعد باسم الصالح العام ، ليحل محلهم أهل الصالح الخاص الذين برزت منهم جهات ،تبرر للفساد وتشرعن له، وتجد له من الذرائع ما يقنع الجن ، وبذا تمكن الفساد بسبب تمكن ممارسيه ، الذين وجدوا الفرصة للتحكم فى مفاصل السلطة والقانون، بعد تسنمهم أمور العباد، فبدلوا فى القوانين تبديلا ، وفقاً لأهوائهم ومصالحهم الخاصة ،وهيأوا لها البيئة والظروف الملائمة لتنموا، ومن ثم تعشعش فوق رؤوسهم فساداً لا يبقى ولا يذر . استنت الحكومة قانوناً للجنايات فيه نصوص تكفى لمكافحة كل أوجه الفساد ومترادفاته، من رشوةٍ، وسرقةٍ، واحتيال وتزوير، وابتزاز واستغلال نفوذٍ وغشٍّ وخداعٍ واتلافٍ جنائى واغواء، ولم يغفل القانون حتى افساد الهواء وتلويث البيئة، وكبح جماح الدعارة وأخواتها . لم تكتف بذلك فألحقته بقانون النظام العام الذى يكافح الفساد اليومى المستمر للمجتمعات ،والذى هو من نتائج الفساد الادارى والبيروقراطى والسياسى والأخلاقى ، وأردفت المسألة بقانون حماية الأسرة والطفل، وحماية المستهلك . أخيرا قامت بسن قانون الثراء الحرام ، ووجهت نصوصه الواقية مثل اقرارات الذمة، وتلك المجرِّمة مثل من أين لك هذا؟، لمنتهكيه من أصحاب الدخل المحدود الذين ترسى مراكبهم دائماً فى مهبات الفساد، بجانب أصحاب المراكز الحساسة، وأهل القرارات النهائية، الذين يصدرون القرارات الأخيرة والنهائية ، ومن ثَمَّ يتبعونها بعبارة “حقُّنا وين يا شيخ ؟!” فأيُّ مفعول ايجابى كان لتلكم القوانين واللوائح والفتاوى حتى تبتدع الحكومة آلية لمكافحة الفساد وهى تعلم خلوه من المضمون ؟؟.
لقد كونت الحكومة آلية قومية لمكافحة الفساد، برئاسة الدكتور الطيب أبوقناية، فكيف لأبى قناية وجماعته مكافحة فسادٍ عمَّ البرَّ والبحر، وأزكمت روائحه أنوف الصالحين المشكوك فى تواجدهم أصلاً؟ كيف لهذا الرجل “الاخطبوط ” أن يكافح فساداً، عجزت عن تخفيف أواره ? ناهيك عن مكافحته- الأجهزة الأمنية والعدلية والشرطية والدعوية مجتمعةً، عبر أجهزتها الضاربة والقابضة، وامكانياتها المادية الضخمة التى اطلعنا عليها، عبر أرقام مخصصاتها فى ميزانية العام 2012م ، بجانب قوانينها وسلطاتها القوية ؟؟ بل كم تبقى لأبى قناية نفسه من العمر، لينفقه جرياً وراء السراب والخراب ؟؟..إنَّ الذى يجرى الآن هو ثمرة طبيعية ، وحصاداً متوقعاً لما غرسته الحكومة بيدها قبلئذٍ ،فهى لم تراع الشفافية عند ممارستها لواجباتها، والتزاماتها الدستورية والقانونية والأخلاقية فى تحقيق العدالة والانصاف والمساواة، بين الناس واخضاعهم لمعايير الكفاءة والنزاهة والأمانة والوطنية ،عند تولى الوظيفة العامة . لقد أبعدت وهمشت المثقفين، الذين أحجموا بدورهم عن المشاركة فى القضايا العامة ، ليحل محلهم الباحثون عن سلطة تقاسم الغنائم ، من فئات الضعفاء شخصيةً، والفقراء ضميراً،و”الشفقانين ” و”العميانين” والمخلوعين، والمستجدين نعمةً ،عبر الترضيات السياسية والجهوية، فكان اختيارها وبالاً على الأمة السودانية، بل كارثةً قوميةً تستوجب التعوذ فى الثلث الأخير من الليل . لقد انحدر ترتيب البلاد عبر مؤشر الفساد، وعدم الشفافية لأسفل سافلين بعد اخضاعه للموازين الدقيقة، لأن انعدام الشفافية يعقبه فلتانٌ فى عيار المراقبة، ومن هذه الثغرة نفذ المفسدون وعبُّوا وكالوا بلا هوادة فأثروا غفلةً وتغافلاً ،ليدفع المجتمع كله الفاتورة أضعافاً مضاعفةً ، ومع رداءة المراقبة فلت المفسدون من المساءلة الأخلاقية والادارية والقانونية، لأنَّ كل واحدٍ منهم ومن فرط الفساد الذى يعانيه ويتحمل أوزاره ، لا يتورع من أن يمد لسانه تجاه الآخر قائلاً :من يحاسب من !؟..كلنا فى الهواء أو الهوى سوا أو سواسية ، ولكل هذا فقد اكتسب الفساد قيمةً مؤسسيةً ، وأصبحت له بيئات حاضنة تؤمن له فرص الاستشراء .
اننا نطالب حكومتنا صاحبة العرض والطول بأن تكون عاقلةً بعض الشئ ، لنثق فى أطروحاتها ونواياها الاصلاحية،وترسيخاً لمبادئ الأدب الراقى ، فاننا نطالبها بالالغاء الفورى لقرار تكوين آلية لمكافحة الفساد، مع ،الاستعاضة عنها بآلية فاعلة لدعم التعايش مع الفساد !!. نعم آلية لدعم الفساد البرى والبحرى ، مصطحبةً معها الكرت الرابح “فقه الضرورة ” حتى يتآكل الفساد نفسه من الداخل،ولأنَّ الحكومة بقرارها القاضى بتكوين آلية لمكافحة الفساد ، كأنما تقوم باطفاء النيران المشتعلة فيها، بالقاء المزيد من حطب الحريق عليها، وهذا نوعٌ من أنواع الانتحار الذى لا يشرفنا كمشفقين على كهولتها !!.. فمن هم يا ترى المفسدون فى البر ، إذا سلمنا جدلاً أنَّ المفسدين فى البحرهم بعض سكان جزيرة “قلب العالم ” الذين لم يقطنوها حتى الآن وبعض أسماك القرش من الناس ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..