مقالات سياسية

من تاريخ “تاجر دِين”

معادلات

علي يس

  • منذُ طفولته الباكرة ، ظل “عبدالله دقداق” يلحظ أن بائع اللبن أغنى من بائع الماء ، وأن بائع العسل أغنى من كليهما ، وأن بائع “الذهب” أغناهُم جميعاً .. ومنذُ طفولته الباكرة أيضاً ، لاحظ عبدالله أن عمَّهُ الذي يمتهن التجارة أغنى من أبيه الذي يمتهن الزراعة ، فقرر عبد الله ، وهو لم يزل صبيّاً ، في نفسه أمراً ..
  • في “الخلوة” ، سأل الصبي عبدالله، شيخه ، الذي هو بلا شك أعلم الناس بأقدار الأشياء ، سأله:
  • ما هو أغلى شيء ، يا سيدنا؟؟
  • الشرف ، يا ولدي ..
  • أغلى من الذهب؟؟
  • أغلى ، بآلاف المرات..
  • كم تساوي “أوقيّة” الشرف؟؟
  • الكثير الكثير ، حتّى إن أوقيّة واحدة من الشرف يمكنها أن تكفي هذه المدينة بأكملها ..
  • ومنذ ذلك اليوم ، قرر الصبي عبد الله ، أن يتجاوز كل التجار في المدينة ، بل أغناهم ، ويتاجر في أغلى شيء في الدنيا!! قرر أن يسعى في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من “الشرف” ، ثم احتكارهُ ما أمكن ، ثم بيعه بأبهظ الأثمان .. و كان أول شرفٍ استولى عليه شرف شيخه في الخلوة..
  • وبعد عشرين عاماً ، كان عبد الله قد اهتدى إلى طريقة تجعل الناس يتنازلون لهُ عن شرفهم ، مقابل أسعار معقولة، فبدأ تجارتهُ فوراً .. وخلال خمسة أعوام أُخرى كان قد أصبح “تاجر جُملة” يُشارُ إليه بالبنان.. وكان قد أصبح أغنى رجُل في المدينة كلها .. وكان – فوق هذا – قد تزوج من أشرف امرأة في المدينة (قال الخبثاء إنه ما تزوجها إلا بدافع الطمع في شرفها الوفير).. وكان ، بالإضافة إلى كل هذا ، قد غيَّر اسمهُ ليتوافق مع أوضاعه الجديدة ..
  • الأحزاب السياسية في البلد كان  كلٌ منها قد بدأ سباقاً محموماً من أجل الحصول على عبدالله دقداق بين قياداته (ولا بُد من التنبيه هنا إلى أن اسم الرجُل لم يعد عبدالله دقداق ، بل أصبح اسماً آخر أكثر شرفاً ولكن الحذر الصحافي يمنعنا من كشفه) .. وكان عبد الله ينظُر إلى سباق القوم وحيلهم وتكتيكاتهم من أجل ضمه إليهم ، بلا مبالاة ، وقد قرر أن يجعل الأمر مناسبة للحصول على مزيد من الشرف.. وحين خرج السباق إلى العلن ، وجاءهُ مندوب أول الأحزاب وأكبرها ، طلب عبدالله من مندوب الحزب أن يمدَّهُ ب”سيرة ذاتية” للحزب ، حتّى يتمكن من تقدير ما يتمتع به الحزب من “شرف”.. وبعد أسبوع واحد ، كانت تقبع على منضدة مكتب عبدالله أكثر من ثلاثين كتيباً ، يتضمن كل منها السيرة الذاتية لحزبٍ من الأحزاب ، وكان عبدالله قد اطلع عليها جميعاً ، وعرف الحزب الأكثر شرفاً ، وقرَّر الإنضمام إليه بشرط واحد هُو أن يكون عبدالله وصيَّاً على شرف الحزب!
  • أندية “كرة القدم” بدورها كانت قد بدأت تستبق في استقطاب الرجل إلى مجالس إداراتها ، والحكومة نفسها بدأت تنظُر في إمكانية “تعديل وزاري محدود” كمبرر وجيه لإسناد حقيبة وزارية للرجل الشهير والشريف والغني ..
  • ولكن الرجُل اختفى فجأةً .. وكان أكثر الناس فجيعةً باختفائه قيادة الحزب الذي انضم إليه عبدالله ، ويقول الناطق الرسمي باسم الحزب أن اختفاء الوجيه القيادي بالحزب ، عبدالله دقداق (يجب أن تنتبه إلى أنه لم يقل عبدالله دقداق ، بل اسمه الجديد) يُعدُّ خسارة بالغة للحزب في أحد أكثر قياداته كفاءة .. أما “الناطق غير الرسمي” لذلك الحزب فقد أرجع قلق الحزب وفجيعته باختفاء الرجُل ، إلى أن الرجُل الذي كان وصيَّاً على “شرف” الحزب ، قد اختفى – أو ،بالأحرى، هرب – بعد أن استولى على كل مخزون الحزب من “الشرف” وترك الحزب بدون أي شرف !!
  • عند التحقيق في ملابسات اختفاء الرجُل ، لم تدع الشرطة أحداً له أدنى علاقة بالرجل إلا واستجوبته ، وكان من بين أولئك “شيخ شريف” ، شيخ الخلوة التي درس فيها عبدالله دقداق ، وقد أنكر الشيخ أنه قال لعبد الله أن الشرف هو أغلى شيء في الدنيا ، بل زعم أنهُ قال لهُ إن “الدين” هو أغلى شيء في الوجود .. أما زوجته – زوجة عبدالله دقداق – فقد أنكرت أن عبدالله تزوجها لأنها من ذوات الشرف ، بل تزوجها ، في ما زعمت ، لأنها من ذوات الدين .. أما عُملاء التاجر عبدالله دقداق ، فقد أنكر كل منهم أنه باع للرجل شرفاً ، بل اتفقوا جميعاً أن عبدالله لم يكُن – بالأساس – تاجر شرف ، بل كان “تاجر دين” ، وأنهُ كان قد أصبح ، قبل اختفائه مباشرة ، أكثر أهل الأرض ديناً
  • أُغلق ملف القضيّة “رسمياً” .. أما “شعبياً” فقد تناثرت شائعات قوية أن عبدالله دقداق قد فرَّ بما استولى عليه من شرف ، إلى دولة ما ، و أصبح مستشاراً لزعيمها..و قال بعض “الثرثارين” أنه باع شرف “البلاد” إلى تلك الدولة ، بعض أن أصبحت تجارته “عابرة للقارات”..

المواكب

‫2 تعليقات

  1. ههههههههههههههه… تاجر الدين والشرف هو الفريق/طه عثمان الحسين اليس كذلك يا استاذ علي يس!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..