الطاغية والمؤامرة

بقلم: فارس خشّان
لا يملك الطاغية عندما يفقر بلده ويجوع شعبه ويسود الأنين ويصخب الغضب، سوى الاحتماء بنظرية المؤامرة.
دائما، هو غير مسؤول عن النوائب، مع أنه لا يكف عن كيل المديح لقدراته المميزة، وهو يعدد توافه يصفها بالإنجازات.
ليس ثمة ما هو أفضل من رمي المسؤولية على الأعداء، لأنهم إذا كانوا هم مسبّبو الجوع، فإن شكواك من الجوع تصبح خيانة.
أنت جائع إذن أنت خائن، لأنك تساهم مع العدو في محاربة قائدك وحكومتك، وتعينه على تركيع وطنك واستسلام شعبك.
في بقع كونية كثيرة تشاهد هذا الصنف من الطغاة، كما هي الحال، على سبيل المثال، في سوريا والسودان وإيران وفنزويلا
في حمى الطاغية، عليك أن تُفهم أولادك أن الطعام حرام والدفء جريمة والنور رزيلة والوقود جهنّم، وأن رضى الحاكم مرجو وتأييده صلاح والخضوع له فضيلة والموت في سبيله جنّة.
وإذا لم تفعل ذلك، تكون خائنا وإرهابيا وتستحق الاعتقال والتعذيب والذل والإعدام.
بالنسبة للطاغية، ليس المهم أن تزول أنت أو تبقى، بل أن يبقى هو متربعا على عرشه، فهذا سر الانتصار وجوهر الكرامة وأساس الصمود وعنفوان التصدّي.
اقرأ للكاتب أيضا: كارلوس غصن: من القدوة إلى العِبرة
هو يريد أن يكون محاربا، ولكنه لا يمكن أن يحقق نصرا إلا إذا كان سفّاحا، فإن اعترضت فهذا التخاذل.
هو يريد أن يرتكب المجازر، وإذا حاول أحد أن يحاسبه، تكتمل المؤامرة.
هو يريد أن يحكم بما يعتبره الأنسب له، ولو جرّ عليك مصائب الدنيا.
هو يريد أن يحيط نفسه بالعصابات، وإذا تصدى له أحد، يكون الإرهاب.
هو يريد أن يكون سياسيا، ولكن يرفض أن يلتزم بالقواعد البديهية، وإن حاول أحد أن يضربه على يده، حدثك عن الكرامة.
هو يريد أن يكون اقتصاديا، ولكنه يخترع مسارا على حجم مصالحه، وعندما يرمى في الزاوية، كتلميذ يستغبي، تذكّر السيادة.
هو يريد، وأنت عليك أن ترتضي بالكوارث التي تجرها عليك إرادته وتحمد وتنحني وتشيد.
هو لا يخطئ ولذلك لا يصحح مساره.
الويلات التي تنتجها توجهاته، ليست أدلة فشل، بل نتيجة طبيعية لاستياء الكون من تميّزه.
في بقع كونية كثيرة تشاهد هذا الصنف من الطغاة، كما هي الحال، على سبيل المثال، في سوريا والسودان وإيران وفنزويلا.
هؤلاء يحبون دائما أن يشبهوا أنفسهم بكبار القادة التاريخيين المنتصرين. هم لا يستعينون بصورة هتلر، مع أنها الأقرب إليهم وإلى قلوبهم وإلى عقولهم وإلى فكرهم وإلى نهجهم، بل يميلون إلى ونستون تشرشل.
ولكن من أين سيكون لهم فيه نصيب؟
بطل الحرب العالمية الثانية، خسر الانتخابات التشريعية، ومنصب رئاسة الحكومة، في أول انتخابات تلت نهاية هذه الحرب الظافرة.
الشعب البريطاني افترض أن بطل الحرب ليس بالضرورة هو بطل إعادة إعمار ما دمّرته الحرب. هذا الشعب لا يريد، كلما احتاج أن يصرخ غضبا على تقاعس من هنا وعلى تدبير لا يناسبه من هناك، أن يرد عليه رئيس حكومته مذكّرا إياه ببطولاته في الحرب المنتهية.
الطغاة، يحبون الديمقراطية ولكنهم يكرهون الشعب.
الديموقراطية حلية يزينون بها عروشهم، ولكن الشعب ناكر للجميل ولا يهتم إلا بمصالحه.
الطغاة يحبون أن يقودوك إلى صناديق اقتراع، حيث يتحكمون بصوتك وبإرادتك وبوسائل التعبير، ولكنهم يكرهون ما يعتمل في داخلك.
الطغاة، لا يعرفون أن هناك من هو أقدر منهم على إدارة الكوارث المالية والاقتصادية والاجتماعية، لأنهم إن عرفوه اغتالوه.
في سلوكهم، قاعدة ثابتة، تعلموها بالإرث هنا وبالتاريخ هناك، تمنع بقاء البدائل على قيد الحياة، أو في الحرية.
الشعب الواقع تحت قبضة الطغاة، لا خيارات كثيرة أمامه. إما أن يموت ذليلا، أو يموت ثائرا. ولا فرق بين موال ومعارض. فالموالي الذي يصرخ جوعا مثله مثل المعارض الذي يصرخ حرية. ممثل العدو في الوطن، بالنسبة لهم، هو كل من يرفع صوته شاكيا.
إنها المؤامرة؟
في حمى الطاغية، عليك أن تُفهم أولادك أن الطعام حرام والدفء جريمة والنور رزيلة والوقود جهنّم
قد يكون هذا الاسم الآخر للسعي إلى محاكمة سفّاح، مثل بشار الأسد، ومحاصرته ومنعه من أن يكون جزءا من العالم.
الحكام العاقلون لا يُعطون المؤامرة فرصة، فإن عجزوا عن تفكيك خيوطها، انسحبوا ووجدوا بانسحابهم الحل لشعوبهم.
والشعب الحر، يُدخل المتآمر، حتى ولو أحبّه، في كتاب التاريخ، ويجد بديلا منه، رأفة بأولاده ومستقبلهم.
اقرأ للكاتب أيضا: يائسو لبنان
ولم يسجّل التاريخ وجود دولة واحدة أخذها طاغيتها إلى المواجهة مع العالم ليحافظ على مكاسبه، غير آبه بأنين الشعب، إلّا وحلت فيها الكارثة.
منذ وجدت السياسة، كان الهدف الأسمى توفير رفاهية الشعوب.
الطغاة قلبوا المفاهيم، السياسة معهم باتت تهدف إلى توفير رفاهيتهم هم و…تبا بالشعب.
المصدر: الحرة