مقالات سياسية

فساد المواطن والمَخرج

حكومة المؤتمر الوطني أثبتت من البداية إنها حكومة أنانية وانتهازية تستبيح كل شيء في صراع الوجود لاحتكار السلطة بلا ضوابط مما أنتج لنا واقعاً سياسياً كله هيمنة وإقصاء وتربُّص وحفر وتعويق ومراهنة على الفشل، وأصبحت البلاد تُدار بالترقيع والمسكِّنات وتمضي يومياً نحو ما هو أسوأ، حتى تطبع المواطنون بطباعها فأصبح الفساد فسادين وخسرت الدولة مرتين، ولكن خسارتها للمواطنين هي الأقسى، ولا شك إننا لا نحتاج إلى الحديث عن فساد الحكومة الذي سُكب فيه مداد أكثر من مياه النيل دون فائدة، ولكن دعونا نتحدث عن فساد المواطنين فهو من يغذي فساد الحكومة.
مثلما نصبح كل يوم على أخبار فساد المسؤولين من القطط السمان والتماسيح وغيرها، كذلك لا تنقطع الأخبار عن فساد المواطنين الذين يقومون بعمليات فساد مخجلة، مثل صرف مرتبات أموات أو العمل في وظائف وهمية دون أعباء، أو استغلال المسؤولين أو دعمهم ليبقوا في السلطة، وآخرون يحجبون الحقائق عن المسؤولين، هذا غير استباحة ممتلكات الدولة وقبول الرشوة، والسكوت عن الفساد بالإضافة إلى الغش والتزوير والكذب وعدم قول الحق والخَوْف والأنانية والنفاق وغيرها من سلوكيات فاسدة يقوم بها المواطنون يومياً، بل ويجدون لها التبرير وهذه هي الكارثة الحقيقية.
ما حدث من فساد خلال ثلاثة عقود لا يمكن أن يسمح للحكومة بالبقاء في السُّلطة يوماً واحداً ما لم يكن هناك جُزءٌ مُقدّرٌ من الشعب يقدم لها المُساعدة بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة، وبما أنّنا لم نتمكّن من علاج فساد الحكومة كل هذه المدة فلا شك أن هناك خطأً فينا كمواطنين، إذ تقول الحكمة كما تكونوا يولى عليكم، وربنا قال: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، ومقاومة الفساد جزء من تقوى الله. لقد فشلنا في أن نقنع الحكومة بالإصلاح لأنها فطرت على الفساد، ولكن قطعاً يمكننا علاج ما وقعنا فيه من خطأ لثلاثة عقود سكوت واستكانة، دعونا نبدأ بتغيير أنفسنا فهو الطريق الأفضل إلى الخلاص، فقد قالها الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
كل الحكومات الوطنية التي تَعاقبت على حكم السودان كانت فاسدة، أما الإنقاذ فهي الأفسد، وكلها ادعت الوطنية ثم انحرفت بسبب ضعف الوعي لدى المواطنين وانصرافهم عن الشأن العام وقبولهم بالظلم والتفريط في حقوقهم وتحوّلهم إلى توابع في الوطن وليسوا أصحاب حق. حتى الديمقراطيات التي ولدت أُصيبت بتوحد سياسي سهلٍ لحُدُوث الانقلابات التي رحّبنا بها ثم اكتشفنا فوراً أنّنا وقعنا في ورطة أعظم وحصلنا على حكوماتٍ أسوأ تسعى لضبط البلد من خلال دستور يُناسبها ويخدم هواها ومنها الإنقاذ وستبقى ما لم. تُواجه شعباً واعياً مُتمسِّكاً بالحقوق ومُجتمعاً مدنياً رادعاً.
أيُّها السادة المواطنين أي نعم الحكومة وصلت إلى أبعد الحدود في الفساد والطغيان ونحن من سهَّلنا لها المهمة، ولكن لن ننفك من هذه المصيبة ما لم نصحح هذا الخطأ ونصبح شعباً إيجابياً وشجاعاً وواعياً لا يسكت عن حق ولا يجامل ولا يتحايل ولا يُصفِّق لزيفٍ، بيدنا أن نكون شعباً نزيهاً وشريفاً وصادقاً وأميناً لنستحق حكومة بنفس المواصفات.

التيار

تعليق واحد

  1. سلمت يدااك ما قلتي الا الحق المواطن والحكومة وجهان لعلمة واحدة في الفساد انعدام الضمير من الجانبين

  2. سلمت يدااك ما قلتي الا الحق المواطن والحكومة وجهان لعلمة واحدة في الفساد انعدام الضمير من الجانبين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..