مشكلتي مع تلفزيون السودان

مشكلتي مع تلفزيون السودان

د. عبدالوهاب الأفندي

1

في وقت سابق هذا الأسبوع، بث التلفزيون السوداني مقابلة أجراها معي الدبلوماسي الشاب خالد موسى دفع الله أعتقد أنها، ربما باستثناء أو اثنين، أفضل مقابلة شاركت فيها خلال عقود من التعامل مع أجهزة الإعلام المرئي والمسموع. والسبب هو أن خالد كان قد أعد نفسه جيداً للمقابلة بقراءة مكثفة وأسئلة متحفزة تكشف عن عقلية نقدية وفهم عميق للقضايا المطروحة، فلم يترك لي مهرباً من سيل أسئلته الحرجة التي تذكر المرء بيوم الحساب. هناك مشكلة بسيطة فقط، وهو أن المقابلة لم تبث كاملة، وإنما اقتطعت أجزاء كبيرة منها وحجبت.

(2)

قلت في نفسي وأنا أغادر استديو التسجيل في قلب الخرطوم بعد منتصف الليل بقليل، هذه على الأقل مرة تسجل في التاريخ لا أصاب فيها بخيبة الأمل لتعاملي مع التلفزيون السوداني. ذلك أنه رغم تحفظاتي الكثيرة على الإعلام الرسمي عموماً والتلفزيون خصوصاً، فإنني نادراً ما أرفض طلباً للحوار عبره، سواءً أكان ذلك باتصال هاتفي، أو مباشرة. أحد الأسباب هو أن هذه الطلبات عادة ما تأتي عبر أصدقاء لا نستطيع رد طلبهم، وثانياً لأننا نقبل طلبات مقابلات من كل أنحاء العالم، من التلفزيون الإيراني إلى صوت أمريكا، وتلفزيوننا القومي أولى بالمعروف، إن كان كذلك، وإلا فهو أحق بأن يتحمل إثمنا.

(3)

شرطي الوحيد حين يتعلق الأمر بالبرامج الأخبارية هو أن يكون البث حياً، لأن أي اجتزاء لتعليق أو رأي قد يشوه وجهة النظر التي نريد طرحها، ويعطي خلاف الانطباع الصحيح. فلا يكفي مثلاً أن ينشر عنا أننا نؤيد حق تقرير المصير للجنوب دون الإشارة إلى تأييدنا للوحدة وما نراه ضرورياً لتحقيقها، أو أننا نعارض المحكمة الجنائية الدولية دون إشارة إلى ضرورة إحقاق الحق والعدل.

(4)

كثير من تجاربي مع التلفزيون السوداني تنتهي كما أسلفت بخيبة أمل، وبتصميم على ألا اعاود. ثم يتدخل صديق آخر فأرضخ، ثم أصاب بخيبة أمل مماثلة. وحالي في ذاك مثل إصراري على معاودة مشاهدة برامج التلفزيون، خاصة نشرة الأخبار التي أكثر من متابعتها رجاء أن أفوز خلال ساعة كاملة بخبر واحد له محتوى، دون أن يتحقق ذلك. قصارى ما تسمعه هو أن المسؤول الفلاني التقى المسؤول العلاني وناقشا القضية الفلانية وقررا معالجتها، أو الوزير العلاني بعث برسالة إلى نظيره في البلد الفلاني حول القضايا ذات الاهتمام المشترك مع التركيز على العلاقات الأخوية بين البلدين! ويكون حالك من العلم بالأمور بعد متابعة النشرة أقل منه قبلها، لأنك تزداد حيرة وأنت تتساءل عن مغزى ما قيل.

(5)

على سبيل المثال، لا تكاد نشرة تخلو من حديث عن ?النفرة الزراعية? ولقاءات حولها وحديث وقرارات، دون إعطاء أي معلومات وإحصائيات، ودون أن يعلم المستمع شيئاً عن خلفية ما يقال. وقد ظللت مع غيري- لا نفقه كثيراً مما يقال حتى التقيت مصادفة بأحد الخبراء الزراعيين قبل فترة حيث قال لي: هل تعلم أن إنتاجنا الزراعي في السودان اليوم أقل منه عام 1962؟ صعقت، وقلت لعلك تعني في الأسعار؟ قال: كلا، بل الكميات! مثل هذه المعلومة البسيطة عن تدني الإنتاج الزراعي رغم الشعارات هي ما لا تطمع أن تحصل عليه من تقارير التلفزيون، ولا أي جهاز إعلامي آخر في السودان.

(6)

إذا كان هناك عبرة من سدورنا في غي متابعة التلفزيون السوداني، والاستجابة لدعواته، فإنها تذكرنا بضعف إيماننا، فالمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فضلاً عن مئات المرات، نسأل الله أن يتوب علينا.

(7)

أختم بالقول بأن تلفزيون السودان لم يخيب توقعاتي هذه المرة، لأنه خيب آمالي كما في كل مرة. لم أشاهد المقابلة التي بثت الثلاثاء الماضي، ولكنني علمت أن الإخوة الكرام قد حذفوا منها كل سؤال وجواب يتعلق بأوضاع السودان، أي قرابة ثلثها تقريباً، لأنهم على ما يبدو لم يرضوا عما قيل. وهذه تحديداً مشكلتنا مع القوم. فنحن لم نسع إليهم لأن عندنا مانيفستو حزبيا نريد بثه، أو إعلان لبضاعة نروج لها، وإنما دعينا فلبينا، وسئلنا فأجبنا على قدر السؤال. ولو كانت عند القوم تحفظات هي معلومة عندنا وعندهم على ما نقول، فقد كان من الأفضل ألا ندعى في الأساس.

(8)

مشكلتنا مع التلفزيون ـ والإعلام الرسمي عموماً- ليست مشكلة شخصية، فآراؤنا منشورة مبثوثة معلومة، لا نحتاج إليهم حتى تصل إلى الناس، بل بالعكس، قد يكونون أداة لحجبها لقلة من يشاهدهم في هذا العصر التي تضاعفت فيه القنوات حتى ملأت السهل والجبل. ولكن إشكاليتنا معهم عقلية النعامة التي تدس رأسها في الرمل فتعمي بصرها في حين تخال أنها أخفت نفسها عن عدوها! فليت القوم يخرجون رؤوسهم قليلاً من ذلك الجحر، عسى ولعل أن يفتح الله البصائر، فإنها لا تعمى الأبصار كما جاء في محكم التنزيل، ولكن الحجاب على العقول هو آفة من يريد الله إهلاكهم. ندعو الله أن يفتح بصائر الجميع، ونحن معهم

القدس العربي

تعليق واحد

  1. يارجل؟
    الم تكن يوما جزءا من الماكينة الرسمية
    التي تعمل بنفس الذهنية التي تنتقدها

    كوز ثم كوز،، قوم لف بلا حركات معاك

  2. ما عارف لكنى أشتم رائحة تزكية للنفس وغرور ودعايه شخصيه …. كان يمكن أن يكون الطرح جميلاً ومقبولاً لو لم تدخله الأنا والشوفونيه وإستعراض المشاركات والشهادات … نرجو أن يكون القصد حسناً والتعبير خائناً…

  3. والله السودانيين امركم عجيب إذا كان كوز وغير رأيه بعد ان إتضحت له الأمور واعلن إنسلاخه ،،، اليس هذا كافي ان نحترم الرجل اكثر ؟؟ وحتى لو إختلفنا معه //
    ام الحقد والكراهية داء متأصل فينا ولا نغير رأينا في الناس حتى ولو غيروا رأيهم ونأوا عن الخطأ،،،، فليبقى الشيوعي شيوعاً حتى ولو تاب والكوز كوز ونقسم بعضنا بعضاً ونكره بعضنا بعضاً ،،، ولا يقبل احدنا بالأخر ،،
    ثم كيف لدولة ان تتقدم واهلها يتعاركون وكل يوم يشتمون بعضهم بعضاً ؟؟؟ فهنيئاً للصوص البلد وهم يسرقون البلد بينما اهلها مشغولين بمحاربة بعضهم البعض لانهم يختلفون سياسياً،،،

  4. ياشيخنا يا أفندى , بعد احدى وعشرون عاما ( عجافا) هل تريد منا أن نصدق بأنك لم تكن تعرف مادا كان يعمل الذين دعوتهم ( القوم ) ! أو لم تكن تعرف ماذا كانوا يفعلون بنا وهل تريد منا أن نصدق بأنك الآن ليس من ( القوم ) فكلنا نعرف بأن هذه هى أحدى طرقكم فى ( تشتيت الكوره ) ! ياسيد يالأفندى إن رحمكم الشعب السودانى ( وهذه إحد عاداته) فلن يرحمكم التاريخ وإن رحمكم التاريخ فلن يرحمكم رب العباد لأن الغالبيه ( وأنا منهم ) بدأنا فى ( التعرف ) على الأديان الأخرى ! أما الأسلام فلقد عرفناه منكم ياأيها ( القوم ) ! ياخى بصراحه وبيننا كسودانيين ( قوم قامت قيامتك ) ولك منى كل الأحترام والتقدير وللقوم ! ( قال قوم قال ) إختشى ياراجل !

    :rolleyes:

  5. الحمد لله إني ليس من مشاهدي تلفزيون السودان المهبب ..
    الخالي من البرامج ..
    مافيهو غير المذيعات اللي يقطعن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ من العجين .

  6. والله يا ام الحسن كلامك عين العقل موضوعية ربنا يكتر من امثالك ورمضان او عيد سعيد

  7. ياافندى … تلفزيون العصر الحجرى هو تلفزيون دويلة السودان الفاشله بجداره ..هذا التلفزيون لا يشاهده احد ولو بثوا مقابلتك هذه لمدة شهر كامل لما سمع بها احد ..نحن فى عصر الحريه الفضائيه والانترنت والمعلومه الصادقه ..اما تلفزيون اسحق وامثاله الذين يديرونه من وراء حجاب فهو بؤرة الكذب والنفاق الصريح .. وهذه بضاعه لا تستهوى الا المستفيدين منها .. ياتلفزيون شمال السودان هل تعلمون ان ارسالكم الحضارى الرسالى يبتلعه الفضاء ولا يسمع به احد.. ؟؟؟596

  8. الى ام الحسن والزول
    لكم كل الاحترام والتقدير
    الغفور والمسامح هو اللة ولست الشعب السودانى . اذا سلكنا طريق الغفران والمسامحة لكل من قال انة انسلخ او تراجع فسيكون اصح ما نوصف بة السذاجة ولست الطيبة او عدم الحقد . لست حقدا وانما حق الخطاء هو الحساب ولست السماح لكى ينتبة الجميع الى اى عمل يريدون القيام بة ومعرفتة ودراستة جيدا قبل الدخول فية فالخروج ما ذى الدخول .
    يعنى بتقصدو نسامح الترابى ورفاقة

  9. يا استاذ هناك فرق بين من تعمد الخطأ واثري ثراء حرام من دم الشعب المغلوب علي امره وبين من اشتبه عليه الحق . هل لان اسلام عمر بن الخطاب وابو سفيان جاء متأخرا تم عزلهم ام كانو من الصحابة الاجلاء

    وبالمناسبة حتي نكون موضوعيين ما كل الاسلاميين حرامية :لا بد ان يكون هناك من فيه الخير . ولك الشكر

  10. الافندي رجل فكر ويحترم نفسه وفكره واذكر في عام 95 او 94 صدر له كتاب لم يعجب النظام و منع من التداول في السودان وسحب من الاسواق وكان تداوله سرا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..