الإسلاميون الجدد

محمد كريشان

جيد جدا أن سارع عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي بعد الفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى القول إن محوري الحكم هما، الديمقراطية والحكم الرشيد، وإن الحزب لن يتدخل في الحياة الخاصة للمغاربة رغم مرجعيته الإسلامية. كذلك فعل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة من قبله بكثير، مع قياديين آخرين وحتى بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس قبل أكثر من شهر.
الحزبان الفائزان في تونس والمغرب يدركان أيضا، على ما يبدو، أن ما ينتظرهم لمعالجة مشاكل بلديهما الاقتصادية والاجتماعية ثقيل بحيث لا ينطبق عليهم الرسم الساخر قبل أسابيع في صحيفة مصرية لجماعة من الملتحين تحلقوا يسألون شيخهم العابث بمسبحته بين أصابعه: مولانا وما هي الحلول لأزمة البطالة وتفاقم الديون عندنا فيجيبهم: ‘الله أعلم’ !!. طبعا الله أعلم أولا وأخيرا ولكن أن يقولها المرء في حياته شيء وأن يقولها سياسي اختاره الناس لتولي شؤونهم العامة شيء آخر مختلف تماما. العبرة من مثل هذا الرسم الساخر كله أن هؤلاء الإسلاميين جميعا وقد وصلوا للحكم مدعوون الآن لمعالجة معضلات البلاد والعباد، بعيدا عن أي خطاب وعظي سواء كان واعدا أو متوعدا. هؤلاء ظلوا لعقود ينتقدون السياسات القائمة ودفـعوا أثمانا باهظة لقاء ذلك، لكنهم اليوم في الصفوف الأولى من المسؤولية وعليهم إثبات أنهم أهــــل لها بالفعل. شتان بين التعاطف مع معارض مقموع وصرامة مواجهته مسؤولا.
من حق هؤلاء أن يتمتعوا بفترة سماح معقولة وأن يحاسبوا على أفعالهم أكثر من أقوالهم، ولكن من واجبهم أن يعلموا أنهم أمام امتحان تاريخي جديد تعطى فيه الفرصة ثانية لهؤلاء الذين طرحوا أنفسهم لعقود كبدائل لنرى ما إذا كانوا فعلا كذلك، أم أن من كان يخوفنا بهم حتى نبقى على استبداده وفساده، قد لا يكون مخطئا كثيرا. لماذا الحديث عن فرصة ثانية؟ لأن كل الذين حكموا أو يحكمون باسم الاسلام لم ينتجوا في الغالب سوى كوارث متعددة الأبعاد في إيران وأفغانستان والسودان سابقا وحاليا وغيرها. لقد أصاب الغنوشي عندما اعترف قبل يومين بأنه ‘ليس هناك تجارب إسلامية معاصرة ناجحة في الحكم’. صحيح أن هؤلاء الإسلاميين الجدد لا يتحملون بالضرورة وزر هـؤلاء ولكن الحذر يقتضي استحضار هذه التجارب السابقة حتى لا نظل في عبثية تجربة المجرّب.
كل الأنظار تتابع الآن بمزيج من الأمل والحذر، من الحرص والقسوة، هؤلاء الإسلاميين الجدد القادمين في تونس والمغرب، وربما لاحقا في مصر وليبيا وسورية. لقد جاؤوا اليوم بخطاب سياسي جديد الكل سيمتحن مصداقيته من ناحية وقدرة هؤلاء على أن يكونوا رجال دولة أكفاء من ناحية أخرى. السلطة امتحان رهيب وهي تنزع بطبعها إلى الاستبداد والفساد. إما إثبات جدارة في إدارة الشأن العام يفحمون به العدو قبل النصير، وإما سقوط في نفس المستنقع الذي سقط فيه من قبلهم فيستوي وقتها التقي وخلافه. السياسة لا تفرق بين الاثنين طالما لم يفرق الساسة أنفسهم بين المرجعيات النظرية والاستحقاقات العملية.
تصريحات الإسلاميين الفائزين في تونس والمغرب إيجابية مبدئيا لكن لا أحد يمكن أن يضمن نفس الشيء من إسلاميي مصر مثلا الأكثر تشددا. تجربة الإسلاميين الجديدة في الحكم قد تمثل المخرج الأمثل للخروج من عقدة الاضطهاد التي لازمتهم لعقود، شرط ألا يضطهدوا هم الآن غيرهم باسم الله الذي لم يفوض إلا رسله الكرام، أما هم فلم يفوضهم إلا الشعب لمهام محددة توسم فيهم الخير لإنجازها. ومع فرصة رفع الفيتو الدولي السابق على وصولهم الحكم يوجد أمامهم طريقان: إن نجحوا، على الجميع أن يصفق لهم، كما في تركيا، وإن فشلوا فعليهم التنحي كما تنحى من كان قبلهم. إن لم يكن بصناديق الاقتراع فبغيرها. هذا هو الدرس الذي خبره الجميع الآن.

القدس العربي

تعليق واحد

  1. كتبت في مكان آخر ما يناسب تعليقا على ما أورده الأستاذ المحترم محمد كريشان ، كتبت :"رغم معرفتنا أن التاريخ لا يعيد نفسه وقع الحافر على الحافر إلا أنه من المشروع بل من المهم الاستفادة من تجارب التاريخ ، و لأن الأحزاب المسماة اسلامية يجمعها لي العنق للخلف للسفر نحو الماضي بوصفه المانح للشرعية و باعتبار أن أجمل و أكمل ما يراد للبشرية قد حدث في فترة خارج التاريخ مرة و احدة لا تتكرر ، مثل هذه الأيدلوجية تقوم على المسلمات و تكره الروح النقدية ، ترضى بالواقع في حالة الضعف و تتجمل بادعاء قبوله ، لكنها تسعى لاستكمال سيطرتها على المجتمع عبر التسلل للعقول بتجميل الماضي و إمكانيات البترودولار و القمع المبطن للمخالفين و حين تتهيأ لها الظروف ستكشر عن أسنانها … أتذكر عندما كنا طلابا في الجامعة كان اليساريون في أركان النقاش يقولون لنا : " لو سيطر الإسلاميون على البلد حينها سيقولون للبنات : ارجعي فهذا اللبس غير شرعي ، ثم بعدها مع زيادة التمكين سيقولون لها : تستحقين الجلد ، و بعدها سيجلدونها على رؤوس الأشهاد . " كنا نظنهم يبالغون لكننا اكتشفنا كم كانوا حسني الظن بالإسلاميين …يحدثنا التاريخ أن الأمويين بدأوا برفع شعار المطالبة بدم عثمان ، و نعرف كيف تحولوا لملك عضوض خانق والغ في الدم ، أما العباسيون فرفعوا شعارات رد المظالم و رفع الغبن عن آل البيت و عندما تمت لهم السيطرة لم توفر سيوفهم حتى رقاب من حاربوا معهم و كان الغدر أحد أسلحتهم المخيفة ، استخدموه مع الأصدقاء و الأعداء … كل أيدولوجية تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة فهي إقصائية و تتلبس أهلها حالة : أن كل ما يفعلونه ، هو لغاية سامية مقدسة ، حتى بيوت الأشباح تعتبر جهادا لنيل الثواب … لكن مثل هذه الأيدلوجية تلبس لكل حالة لبوسها ، فكل أيدلوجية أصولية نابعة من الديانات الإبراهمية الثلاث (يهودية ، مسيحية إسلامية) هي بالضرورة إقصائية تتحين الفرص و عندما يستوي عودها تقول : لا أريكم إلا ما أرى …. ندرك أن التقدم العلمي و الإنساني عامة يحل عراها عروة عروة و أنها بنت الماضي بجدارة و أن المستقبل ليس لها بأي حال فهي في حالة تراجع مستمر ، فمن تكفير القائلين بالديمقراطية إلى خوض غمارها و من جلد الفتيات للبسهن البنطلون للسماح بلبس البيكيني ، و من أن الخمور رجس إلى السماح بتجديد رخص أماكن بيعها ، و الرخصة في اللغة تعني الإباحة …. ستمر شعوبنا بفترة انتقالية لن ترى فيها تقدما بأي صورة إنما شد للخلف و الخوف من تهتك نسيجها الاجتماعي لكن لا بد من تذوق الشراب للحكم على طعمه ……Email:[email protected]

  2. يا ناس كريشان زاته في أنه ومشبوه مثله ومثل باقي بلاوي الجزيرة وسبحان الله بقدر ما كنت معجب بقناة الجزيرة بالصدفه تقابلت مع موظف من موظفي الجزيرة في اروبا وحكى لي مالم تصدقه العقول رغم انه مازل يعمل للسبب المادي المعروف والاغراءات والوعود التي لاتقاوم

    ولكن كريشان او غيره من المقدميين الحاليين لغتهم تغيرت ومواضيعهم واهدافهم تغيرت حتى الاسئله اصبحت تلقن اليهم ويكرروها على الضيف حتى تصبح كانه حقيقه وظنوا اننا سوف نشاهد العالم بعيون جزيراوية بعقول ملفوف فيه دنانير
    لا والف لا والتاريخ والزمن لا يرحمان وان طال الزمن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..