مجموعة نافع تعتقد يقيناً بأن المعركة معركتها هي وحدها..بقيت دارفور تنتظر إعلان مطالبة حق تقرير المصير..يريدون تجييش الشعب كله لمحاربة أمر قضائي والمتحدث بغير الشجب خائناً وعميلاً مدسوساً وخصماً يلزم التخلص منه.

لم يعد أمام غالبية السودانيين – وبلادهم يهددها التمزق والانفصال والمصير المجهول – سوى التعلق بالوهم وتمني النهايات السعيدة، أن تأتي نتيجة استفتاء شعب الجنوب في كانون الثاني (يناير) المقبل مؤيدة لبقاء وحدة السودان. أن يفيق فجأة الحزب الحاكم على التقدير الصائب لمدى خطورة الوضع ومصائر العباد. أن يحدث شيء ما يجر البلاد – بقدرة قادر – إلى بر الاتحاد، بعيداً من لجج التشظي والتفتت.

إنهم عاجزون تماماً. من منهم يملك قدرة سحرية على تغيير بوصلة الأحداث، من دون إراقة دماء، ومن دون تغيير جذري في مصير البلاد؟ القدرة الخيرة والشريرة بيد حكومة الخرطوم التي تسيطر عليها فئة محددة، ظلت تعرف بالتشدد والتهور منذ عهد السودانيين بها في صفوف الجامعات.

بعد مضي عقدين على سيطرة تلك الفئة على مقاليد السلطة، وبعد محاولات متكررة للانفتاح على السوداني الآخر، استلت أسلحتها القديمة للتشدد والعناد والانتصار فوق جماجم الشعب، لتطفئ بها لهيب المطالبة بمشاركة حقيقية وعادلة في الحكم وصنع القرار، واستحقاقات الديموقراطية، وإعادة الحقوق إلى أصحابها.

كلفت غازي صلاح الدين العتباني ملف دارفور، وعيّنت أمين حسن عمر رئيساً لفريق التفاوض الحكومي مع ثوار دارفور. أطلقت يد نافع علي نافع على أمن البلاد وقوت العباد. وكانت نتيجة طبيعية لهذه التركيبة الفريدة أن يصاب تنفيذ اتفاق السلام الشامل مع الجنوبيين بشلل كامل، وتصاب معه العلاقة مع أبناء الجنوب بأقصى درجات التوتر والكراهية. وذهب الجنوب، وبقيت دارفور تنتظر التوقيت المناسب لإعلان مطالبة ثوارها بحق تقرير المصير.

ولأن تلك المجموعة تعتقد يقيناً بأن المعركة معركتها هي وحدها، بسطت هيمنتها الكاملة على مسرح السياسة الداخلية، فأغلقت الصحف، وأعادت الرقيب «القبلي» ليقوم بدور رئيس التحرير الحقيقي في ما أبقته على قيد الحياة، ونشطت تحت ستار مقاومة أمر القبض الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية على رئيس الجمهورية، بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، في حشد الوسائط الإعلامية بلغة الحشد والتخوين وتجييش الشعب كله لمحاربة أمر قضائي لن تسقطه التظاهرات، ولن تلغيه تصريحات الشجب والتنديد. وهكذا أصبح المتحدث من السودانيين – ساسة وعموماً – بأي حديث عن قرار المحكمة الجنائية الدولية غير الشجب والتنديد خائناً وعميلاً مدسوساً وخصماً يلزم التخلص منه.

يقول رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات الدوحة حول إحلال سلام في دارفور أمين حسن عمر إن امتناع حركة تحرير السودان التي يتزعمها المحامي عبدالواحد محمد نور، الذي يقيم في العاصمة الفرنسية باريس، عن الالتحاق بالمفاوضات لن يعوق السلام، بدعوى أن عبدالواحد أضحى واحداً، إذ هجره مقاتلوه ورفاقه. ومن الواضح أن سياسة الحكومة التي ترسمها هذه الفئة قررت الانصراف إلى تصفية عناصر حركة العدل والمساواة التي يتزعمها الدكتور خليل إبراهيم المقيم في العاصمة الليبية طرابلس. وهو ما تقوم به الخرطوم بقلب غير راحم، من قصف جوي ومدفعي وهجمات تستهدف القرى والمناطق التي حررتها قوات العدل والمساواة في دارفور.

كان رئيس ملف دارفور الحكومي غازي صلاح الدين المهندس الحقيقي لمأساة تقرير مصير جنوب السودان، إذ كان رئيساً لمفاوضي الحكومة في محادثات السلام مع متمردي الجنوب. وكان وفد الحكومة يخرج متأنقاً ومتهندماً للجلوس إلى موائد التفاوض في فنادق نيروبي وأديس أبابا، فيما كانت الطائرات تشن غارات على القرى والمستنقعات الجنوبية، وكان التلفزيون الحكومي يعرض مسلسلاً أسبوعياً لشهداء «الجهاد» من أبناء المسؤولين الحكوميين والحزب الحاكم.

الشيء نفسه يتكرر بالأيادي والأفواه والسياسات نفسها. عبدالواحد أضحى واحداً – كما قال كبير مفاوضي الحكومة – لكن ذلك لم يحقق سلاماً. والمسألة لم تعد تحتاج إلى «حصة تقوية»، ولا «درس عصر» كما يقول السودانيون. ليس أمام خليل وعبدالواحد في نهاية المطاف سوى المطالبة بتقرير المصير. عبارة ساحرة ومقيتة في آن معاً، لكن معناها في القانون الدولي سينقل القضية إلى واقع مختلف تماماً. وليست تجربة ثوار جنوب السودان ببعيدة.

بيد أن انفصال الجنوب، واستئثار دارفور بحكم ذاتي أو استقلال تام، لن يكونا الصخرة التي ستوقف تدحرج كرة التشظي والتفتت. شرق السودان – أرض قبائل الهدندوة والبجا الصعبة المراس – يغلي بالمطالب والمظالم. ولاية شمال كردفان – موطن «الأبّالة» و«البقّارة» – باتت على مشارف تمرد مسلح. ستعود البلاد إلى تيهها الذي استمر منذ سقوط دولة مروي في عام 300 للميلاد، حتى تدخّل مصر العثمانية لاستعمار البلاد وتوحيدها في عام 1821.

هل يأتي يوم يكون فيه السودانيون بحاجة إلى «محمد علي» جديد ليعيد توحيد بلادهم؟ أم أنه تشاؤم مقيت وفزع من مصير مجهول؟ ليت الأيام والحادثات تكذِّب ما يتراءى للعين.

[COLOR=blue]مصير السودان: وهم النهايات السعيدة!

معاوية يس *
* صحافي من أسرة «الحياة».
دار الحياة[/COLOR]

تعليق واحد

  1. لست ادري لم يتباك السودانيون على الجنووب ويرون أن انفصال الجنوب نهاية للسودان والسوانيين!!! اتصور ان وحدة السودان مع مصر كان اهم للمصريين يومئذ من وحدة الجنوبي السودان مع شماله اليوم ومع ذلك قرر السودان مصيره في الخمسينات من القرن الماضي فكان أول مايكون خيرا وبركة على مصر قبل السودان… اتصور ان الذين يتباكون على تحرر الجنوب واستقاله شخوص وجماعات وهيئات لهم اجندتهم الخااصة التي لا يمكن تحقيقها مع انفصاال الجنوب …
    انيي اضم صوتي مع م. الطيب مصطفى وادعو لفصل الجنوب ومن ثم دارفوور اليوم قبل الغد.. ليبقى السودان القديم موحد …
    والمصلحة كل المصلحة في ذلك ويومئذ سيكتشف السودانيون انهم ـاخروا كثيرا في فصل هذه الاقاليم المتنافررة

  2. ألم تحن ساعة العصيان المدني بعد؟ ما الذي ننتظره و السودان أشلاء و إلى هاوية في السياسة و الرياضة و التعليم و كل مناحي الحياة ؟

  3. يا طلب سريان ..لماذا تفترض جدلا بأن هذه الحكومة أو بالأحرى العصابةتتاجربالدين؟ هي قولا وفعلا تتاجر بالدين ..أم أنك مؤتمر وطني ..

  4. الله الله يابلد كأنما لم تحكمك دكتاتورية الفريق عبود .الله الله يابلد كأنما لم تحكمك دكتاتورية جعفر النميري الله الله يابلد كأنما لم تكوني تحت استعمار الانجليز الله الله يابلد كأنما هذه أول دعوة? لحكم اسلامي الله الله يابلد كأنما حكامك الآن لم يشقوافيك أي طرق ولم ينشئوا فيك أي سدود ولم يستخرجوا بترولك ومعادنك ولم بنشئوا مصانع ولا مزارع ولم يمتلكوا قوتهم الذي كنا نقف له في الصفوف طويلا حتى أننا نبيت في الأفران ومحطات الوقود لنخرج برغيفات وجالون وقود ونسهر الليالي حراسا لمنازلنا من اللصوص الله الله يابلد كانما دارفور وكردفان والشرق كانوا في نعيم وذهبت بهم الى الجحيم .لم هذا التكالب الغربي والعداء السافر على السودان وحكومته هل من أجل الانسانية آلاتهم تذبح في الانسانية كل يوم في العراق وأفغنستان وقبلها الصومال هدفهم الوحيد هو ايقاف هذه العجلة التي استطاعت أن تدور خارج فلكهم بكل اقتدار وبكل أسف وجدت ضالتها في من ينتسبون لهذا البلد سواء بعلم أو جهل منهم. مطلب الحركة الشعبية الأول والأخير أن يكون السودان كله علمانيا وفصل الدين عن الدولة حتى ولو فرضنا جدلا بأن هذه الحكومة تتاجر بالدين سوف يقيد الدستور العلماني اي أمل لحكومة قادمة في تطبيق الدين السلامي وشرائعه الذي هو منهج في السياسة والأقتصاد والتعليم وكل مناحي الحياة التي تهم المسلم لا يطالب مسلم بالغائها الا أن يكون ناقص عقل ودين.باختصار تطبيق تعاليم ديني واتباعها أهم من الجنوب ومن فيه ومثله معه .
    ياهؤلاء اتقوا الله في بلدكم وفي أهلكم والله الغريب لن ينفعكم بشيء وخاصة اذا كان على غير ملتكم فله أهدافه وأجندته ولكم الحضيض والمسلم لو ركب على ظهري وقادني كالدابة ويعمل في ضربا وتجريحا بل وقتلا لن أستبدله بغير المسلم أبدا.

  5. كم يحتاج الإنسان من الزمن حتى يعرف أنه فاشل ؟؟؟ هذه الحكومة وبعد أكثر من عشرين سنة في الحكم ( سجن مؤبد ) أين وصل حال المواطن السوداني ؟؟؟ أين وصل حد الفقر ؟؟؟ أين وصلت أخلاقيات المجتمع السوداني؟؟؟؟ كم وصلت ديون السودان ؟؟؟؟ كم عدد المشردين داخل وخارج السودان ؟؟؟؟ كم وصل عدد العاطلين عن العمل ؟؟؟؟ المسألة ما مسألة حجر ( كم شارع على كم كوبري على كم نفق ) المسألة مسألة بشر ولك الله يا بلد المعاناة والشقاء

  6. كتب ابراهيم النعمة في مكان آخر هذا التعليق :

    النموزج الحضاري الذي تقدمه الانقاذ لا علاقة له بالشريعة ولا بالعلمانية، هي دولة الا قانون -دولة المصالح والاستبداد تارة باسم الرجالة السودانية ونموزج دخلوها وضقيرها حام …وياخواني البنات ..
    ومرات باسم الديمقراطية تنصب الخيم وترفع الرايات وتارة باسم الاسلام يتم العدوان الغاشم علي ابناء الوطن الواحد وتنصب المشانق……تملك المال الاجنبي حرام يستوجب قتل(مجدي وجرجس علي سبيل المثال) النفس التي حرم الله ثم تارة اخري
    يصبح وسيلة جذب للاستثمار الاجنبي والداخلي فبعد ان كان جريمة يتحول الي محل اشادة وبيع صكوك الوطنية.
    الديمقراطية حلال و وسيلة للتقرب لله ……..ثم يتحول الانقلاب الي وسيلة لارضاء الذات العلوية .فانظر ياصاح…..سفر البشير عقوق بالشعب وخروج عن طاعة ولي الامر ثم يمشي فتنهال عليه نفس الفئة مباركة……ماموقف الاسلام والدولة الاسلامية من حقوق المواطن العلاجية والتعلمية والخدمية؟؟؟؟
    ان رغب الانقاذين في الوحدة فهي كما موقفهم السابق من الديمقراطية ،شعارات ليس الا اذ، كيف يمكننا ان نصدق من عمل ليل نهار علي خلق البلابل السياسية والاستدادية ان تسود وسط اهل السودان انه يعمل للوحدة؟؟؟؟المؤتمر الوطني يريد الوحدة بشروطه كما يريد ايقاف الحرب بشروطه هو ……يريد الحرب بشروطه ويريد السلم بشروطه..والحرب بامرته..وللعلم فليس من ضمن الشروط الشريعة الاسلامية ولا بطيخ….
    فالمؤتمرالوطني يريد الحفاظ علي دولته الاستبدادية …..فهل طبقت الشريعة هل فلنقف علي احد جوانب الشريعة وهو الجانب الذي اخذ جل اهتمام الاسلامين وهو القانون الجنائي المتمثل في الحدود ؟؟؟؟هل الان نرى اي حدود فيما يتعلق بالسرقة واللواط والزناء ؟؟؟ام هي جرائم اختفت في السودان؟المؤتمر الوطني
    شاطر جداً في استخدام قوانين الرقابة الصحفية والجام صوت المعارضين بصورة ليس اكثر من الحدود ولكن بتجاهل تام لقوانين الحدود. اما القوانين الاقتصادية فهو عامل نائم تماماً عنها لانه سيكون اول الضحايا ما تم انفاذها…..فقوانين الاقتصاد الذي سوق كاقتصاد اسلامي ما ان يطبق سنري ان سلفاكير مثلاً سدفع الجزية
    ليس باحترام انما وهو صاغر بالمناسبة هو صاغر دي اهم من الجزبة نفسها في العرف الاسلامي ،فعتبر دفع الجزبة بلا استصغار كانها زكاة او ضريبة…وهي ليست ضرائب عادية انما هي وسيلة لاعتناق الاسلام…..
    وهذه الطريقة لم تطبق ولا يمكن ان نتوقع امكانية تطبيقها في قرننا هذا…..
    الشريعةالاسلامية في عرف الجبهة الاسلامية او المؤتمر لوطني او الاسلام السياسي بشكل عام هي وسيلة لحشد الجماهير حشد عاطفي ليس اكثر من ذلك..فهم موسميون فيها يرتبط الالهاء بها في اوقات الشدة والكوارث السياسية وكثرة الخطوط الحمراء اذن هي وسيلة لقمع الاخر اكثر منها وسيلة لهزيمة الفقر أو التقرب اليالله … ولذلك لا استبعد باي حال قبول الانقاذ بالتخلي عن تطبيق الشريعة(هذا اذا سلمنا بانها مطبقة)
    ولكن ذلك لن يتم علنياً لانهم بذلك يحكمون علي انفسهم بالفناء الايدولوجي….اما تصريح امين حسن عمر
    الاخير فهي بالونات تسبق التنازل ، كما الذي يحلف بالشيخ ودبدر بانه ان ورق الملوخية فانه لن يقوم بفرمها. كما راينا سنة القسم بالطلاق لاول مرة في العمل السياسي. مع ان القسم بغير الله منهي عنه ، ويعتبر قسم يطعن في شرف التوحيد لقائله

  7. حوار صادق جلال العظم مع الراية القطرية
    مع صادق جلال العظم

    **

    تأسيس أحزاب علي أساس ديني أو طائفي لا يقل خطورة عن العودة إلي النازية

    يصعب علي العقل العربي ببنيته الراهنة إنتاج الديمقراطية

    تطبيق الشريعة بنظر التيارات الإسلامية يمكن اختصاره بقانون العقوبات

    الغرب تنبه إلي أهمية كتاب نقد الفكر الديني بعد 40 سنة علي صدوره

    دمشق – شادي جابر: صحيفة الراية القطرية

    ( 1)

    صادق جلال العظم فيلسوف ومفكر سوري مخضرم. يقول بعض المثقفين إنه ليس مثيراً للسجال والجدل فحسب وإنما للزوابع والأعاصير.. فمن الدفاع عن إبليس إلي الدفاع عن سلمان رشدي وصولاً إلي التمسك بالعلوم والمعارف المادية في عالم عربي يشهد انحساراً لدور العقل، ورجوعاً ليس فقط إلي التدين بل إلي التمذهب والتقوقع داخل الطائفة أو المذهب أو الحزب أو التيار.

    ويري أحد المثقفين أن من إيجابيات الدكتور العظم تحريكه للرمال الساكنة منذ قرون في الوعي العربي. ولعله من المفكرين العرب القلة الذين تماهي تفكيرهم مع سلوكهم اليومي في الحياة. ويضيف أن هذا ما نلمسه من خلال علاقات العظم بالمحيطين الاجتماعي والثقافي، فطالما كان الرجل قريباً من العامة ولم تكن علاقاته الاجتماعية حكراً علي النخب، رغم كونه ينتمي إلي عائلة ارستقراطية.

    قد تتفق أو تختلف مع العظم لكن ليس بوسعك إلا أن تحترم المقولات والأفكار والآراء التي يطرحها بحكمة ودراية الشيوخ وثقة وحيوية الشباب.. وذلك علي الرغم من أن الرجل بات في العقد الثامن من عمره. فضلاً عن سعة صدره واعتماده المنهج الفكري والمنطق العلمي التجريبي.

    ولد صادق جلال العظم في دمشق عام 1934 درس الفلسفة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعاد إليها أستاذاً عام 1963 أكمل تعليمه في جامعة "يال" الأمريكية. عمل أستاذاً جامعياً في الولايات المتحدة قبل أن يعود إلي دمشق عام 1962 ليعمل أستاذاً في جامعتها قبل أن ينتقل إلي التدريس في جامعة الأردن. عمل عام 1969 رئيساً لتحرير مجلة الدراسات العربية الصادرة في بيروت. من مؤلفات العظم "نقد الفكر الديني، النقد الذاتي بعد الهزيمة، ذهنية التحريم، ما بعد ذهنية التحريم، في الحب والحب العذري. وغيرها…".

    للوقوف عند آرائه ومواقفه حيال العديد من القضايا الإشكالية في عالمنا العربي الراية الأسبوعية زارت الدكتور العظم أثناء تواجده في دمشق وكان الحوار التالي:

    بالنظر إلي سيرورة العقل البشري. إلي أي مدي تغيرت قناعاتك منذ صدور كتاب "نقد الفكر الديني" وحتي الآن؟.

    قناعاتي تغيرت بمعني أنني أخذت بالمستجدات والتطورات الحادثة بعين الاعتبار. منذ هزيمة يونيو 1967 وأنا مرن بتفكيري، لا أتجمل ولا أتعصب عند موقف محدد. في كتاب نقد الفكر الديني وصفت ذلك الفكر في تلك الأيام بالبؤس. المقالة الأولي في الكتاب وهي الأكبر كان عنوانها "الثقافة العلمية وبؤس الفكر الديني". الآن أنا أري أن هذا البؤس قد تعمق وازداد. في تلك الفترة، بين عامي 1969 و 1970 كانت هناك محاولة من قبل المفكرين الإسلاميين للتعامل مع قضايا ومسائل العلم الحديث، كانوا يميلون إلي الاحتكام للنقاش والجدل إلي العقل والواقع وإلي مجري الأحداث. أما الآن فأنا أجد أن الفكر الديني الناشئ حول الإسلام في حالة أعمق من البؤس، بمعني أننا الآن وصلنا إلي قضايا مثل فتوي إرضاع الكبير، علماً أنها ليست صادرة عن شيخ عادي وإنما عن رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر أو مرشد الأزهر. في الفترة التي كتبت فيها كتاب نقد الفكر الديني وناقشت الفكرة كان يصعب أن نجد مثل هذه الفتاوي. من هنا يمكن القول بأن هناك انحداراً كبيراًَ وابتعاداً عن الاحتكام إلي أي شيء عقلاني.

    أشبه ذلك مثلاً بما يصدر أيضاً عن أوساط الأزهر من قبيل التبرك ببول النبي مثلاً، أو ما تردد عن حديث الذبابة.. وشيوع هذا الجانب أو المنحي الخرافي في الفضاء الإسلامي. أعتقد أن هذا يمثل انحداراً عن البؤس الذي تحدثت عنه بين عامي 1969 و 1970 عندما تكلمت في تلك الفترة عن بؤس الفكر الديني ناقشت بعض المفكرين الإسلاميين ورجال الدين مثل نديم الجسر مفتي طرابلس، وموسي الصدر وغيرهما.. في تلك الفترة لاحظت أنهم يريدون أن يتعاملوا مع العلم الحديث والثورة العلمية والتطبيقات العلمية لكنهم كانوا للأسف يجهلون أي شيء عن العلم الحديث. ما معني العلم؟ وما هي مناهج البحث العلمي؟. وربما لم تكن لديهم منذ أن تركوا الدراسة الابتدائية فكرة عن الفيزياء أو الكيمياء أو التشريح إلا من خلال ما يقرؤونه في الصحف. كانوا يريدون أن يتصدوا للأثر الاجتماعي الذي تتركه التطورات العلمية أو الفتوح التكنولوجية وهم عملياً في حالة جهل شبه كامل بها.

    إذاً أنا أجد أن هذا قد تعمق الآن. هناك جهل أكبر، وهناك مواقف، خاصة في الإسلام الأصولي، ترفض العلم الحديث رفضاً قاطعاً، ترفض الغرب وكل ما أنتج. وإذا دفعت تفكيرهم إلي النتيجة المنطقية يصبحون طالبان في هذه المسألة. هم يمسكون بقضايا في منتهي السخف.. مثلاً أنا قرأت بعض فتاوي الإمام الخميني، والتي يطرح في أحدها صعود المسلم في كبسولة الفضاء ويناقش كيف سيقيم الصلاة ويتعرف علي اتجاه القبلة في الفضاء الخارجي؟. وفي الفضاء طبعاً لا يوجد شمال ولا جنوب، والكبسولة تدور بسرعة هائلة في مدار معين في الفضاء، أيضاً المسلم عندما صعد إلي الفضاء صعد بكبسولة روسية أو أمريكية لأن الكبسولة العربية أو الإسلامية غير موجودة أصلاً. المشكلة أن الخميني لم يرَ شيئاً من إنجازات وفتوحات وعلوم ومعارف وتكنولوجيا الفضاء، كل ما خطر في باله كيف يركع المسلم ويصلي، وإذا ما جلس لفترة طويلة كيف يصوم؟!. بعد هذا النقاش توصل الخميني إلي نتيجة أجاز فيها للمسلم بأن يصلي بالاتجاهات الأربعة. طبعاً هذا المنحي في التفكير ينم عن جهل كامل، فالاتجاهات هي مسألة عرفية، ولا يوجد اتجاهات أربعة في الطبيعة. الاتجاهات هي مسألة تعارفنا عليها شمال وجنوب شرق وغرب. مع ذلك هو اعتبر مع الأسف أننا إذا خرجنا من علي سطح الكرة الأرضية ما زال هناك اتجاهات.

    هم يتصدون لقضايا مثل أطفال الأنابيب أو ما يحدث مثلاً علي مستوي الحمض النووي "DNA" والاستنساخ.. وغيرها من الفتوح والاكتشافات العلمية. ليس لديهم أي معرفة بطبيعة هذه العلوم وكيف توصل إليها العلماء؟ وما هي التجارب التي سبقتها؟ لا يوجد لديهم ثقافة علمية، وهم راديكاليون في ذلك. هذا عند الشيعة، وهناك أيضاً عند السنة الشيخ عبد العزيز بن باز وهو كبير علماء المملكة العربية السعودية.

    عقم فكري

    عفواً دكتور.. لا أدري إذا كان يمكننا الحديث بالأسماء.. ربما يكون ذلك حساساً لدي البعض؟.

    إن كون الحديث في هذا الموضوع حساساً فهذا دليل إضافي كم أصبح وضعنا كارثياً.. علي كل أنا سأقول رأيي ويمكنك التصرف. في كتاب بن باز الصادر عام 1985 رفض كلياً فكرة كروية الأرض، كان يناقش المسألة علي أساس أن الأرض مسطحة!. رفض كلياً فكرة دوران الأرض حول الشمس… الكتاب موجود لدي وبإمكانك أن تتأكد من هذا الكلام. إذاً الأرض لا تدور حول الشمس وإنما الشمس هي التي تدور حول الأرض!. لقد أعادنا إلي الفلك القديم إلي ما قبل كوبيرنيكوس. طبعاً في هذا الكتاب كفّر بن باز كل من يقول بأن الأرض كروية وبأنها تدور حول الشمس. علي كل حال هو حرّ بآرائه. لكن الكارثة الكبري أن أحداً لم يتجرأ لا من علماء الدين ولا من مؤسسات العالم الإسلامي من مشرقه إلي مغربه. من الأزهر والزيتونة إلي القرضاوي والترابي وكفتارو وكليات الشريعة… لا أحد تجرأ علي القول لابن باز ما هذا الهراء الذي تقول به باسم الدين الإسلامي؟!. وكونك تقول لي أن هذه مسألة حساسة.. فمعني ذلك أنني لا أستطيع أن أرد علي بن باز عندما يقول إن الأرض مسطحة وأنها لا تدور حول الشمس وإنما هي تشرق وتغرب علي الطريقة القديمة! هذه كارثة.. والكارثة الأكبر أننا لا نستطيع مجرد الرد عليهم.

    النقطة الثالثة أن المؤسسات الدينية الرسمية، وعلي رأسها الأزهر وكليات الشريعة ودور الإفتاء، وغيرها.. هي اليوم في حالة عقم فكري كامل. لا يخرج منها شيء سوي بضاعة من قبيل إرضاع الكبير، وحديث الذبابة والتبرك ببول النبي وجلد الصحفيين.. الساحة متروكة تقريباً للفكر الأصولي الجهادي، وهو الوحيد الذي يطرح أفكاراً جديرة بأن تناقش وترفض، وذلك بسبب عقم المؤسسات الرسمية الأساسية التي تعتبر قدوة، ليس فيها سوي التكرار والاجترار والتحجر والعودة إلي الماضي وحماية المصالح والإبقاء علي الوضع القائم والخضوع للسلطات الحاكمة. عندما تكون سياسة الدولة اشتراكية يصبح مفتي الإسلام اشتراكياً، وعندما يكون الحكام في حالة حرب يصبحون مع الحرب، وإذا جنحوا للسلم يسيرون وراءهم… هذا جزء من عقم هذه المؤسسات، وهو فراغ واضح في الفكر الديني، يملؤه أحفاد وأتباع سيد قطب مثلاً وهذا النوع من الإسلام الأصولي العنيف.

    مراجعة الأفكار

    في مؤلفاتك ومقولاتك تركيز علي النقد. من النقد الذاتي بعد الهزيمة إلي نقد الفكر الديني.. والآن كلامك يحمل جانباً كبيراً من النقد. في مقابل نقدك للفكر والواقع الديني القائم هل تمارس نقداً ذاتياً لنتاجك الفكري؟.

    في الواقع نادراً ما أرجع إلي الكتب التي ألفتها إلا إذا أرادوا إعادة طباعتها. مثلاً عندما طبع كتاب النقد الذاتي بعد الهزيمة مؤخراً، كتبت لهم مقدمة صغيرة. أما كتاب نقد الفكر الديني فقد أصبح شبه وثيقة لتلك المرحلة، ولذلك لا أري أن من المناسب أن أغير أو أبدل فيه، خاصة أنه لم ينقطع عن السوق علي الإطلاق منذ صدوره وحتي الآن هو موجود بشكل دائم. لكني أراجع نفسي بالنسبة للأفكار بحيث آخذ بعين الاعتبار المستجدات الراهنة. مثلاً عندما كتبت عن سلمان رشدي والآيات الشيطانية، استخدمت بعض الأفكار التي كنت قد تناولتها بشكل جنيني في كتاب نقد الفكر الديني، وأعتقد أنني طورتها بما يتناسب مع الحالة المشخصة المعينة في مسألة النقاش الذي دار حول رواية رشدي. هناك أمور في الكتاب مر عليها الزمن، سقطت لأنها كأي كتاب وليدة أو نتاج مرحلة معينة. في أواخر الستينات كانت بلادنا في أوج التوجه القومي والاشتراكي والشعبوي، والكتاب متأثر بذلك بلا شك، هذه مسألة يمكن إهمالها الآن. الطريف في هذا الموضوع أو الملفت أن هناك الآن من يقوم بترجمة كتاب نقد الفكر الديني إلي اللغة الانكليزية، وسينشر قريباً، في ولاية أريزونا بالولايات المتحدة. طبعاً الكتاب كُتب عنه في الغرب كثيراً لكن لم يترجم كاملاً، ترجمت بضع مقاطع منه، والآن بعد 40 سنة علي صدور هذا الكتاب تنبهوا إلي أهميته بسبب الوضع الحالي. وقعت أيضاً منذ فترة قصيرة عقداً مع دار نشر فرنسية لترجمة الكتاب، أيضاً يريدون ترجمة الكتاب إلي الفرنسية.

    في العالم العربي لم ينقطع، الكتاب كان موجوداً علي الدوام، هو ممنوع في كل مكان، لكن من يريد يستطيع الحصول عليه ولا مشكلة في ذلك. الآن هناك اهتمام بهذا الكتاب في الخارج ليس فقط علي مستوي قضية الكتاب ذاتها وإنما هناك رغبة بأن يكون النص متوفراً بالانكليزية والفرنسية.

    تأثر الإسلاميين بالوجود الأجنبي

    إلي أي مدي في رأيك تأثرت الحركات الإسلامية الجهادية في عالمنا العربي بالوجود العسكري الأجنبي في المنطقة العربية وبالاحتلالات عموماً سواء الإسرائيلي أو الأمريكي؟.

    الوجود العسكري الغربي في العالم العربي لم ينقطع، كان دائماً موجوداً بشكل أو بآخر. الحركات الإسلامية في فترة الحرب الباردة كانت حليفة للغرب لمواجهة المد الشيوعي والاتحاد السوفييتي. هذه الحركات عموماً مع بعض الاستثناءات غير معروف عنها بأنها بذلت جهوداً للتخلص من الوجود الأجنبي في البلدان العربية، وإنما كان ذلك لصيقاً بحركات التحرر العربي والمشروع القومي الشعبوي بقيادة عبد الناصر، وقد عشنا ذلك في الخمسينات والستينات. في تلك الفترة القوميون نجحوا نسبياً لكني لا أعتقد بأنهم نجحوا كلياً وبقي هناك تواجد أجنبي في بعض البلدان العربية. في التجربة الأفغانية مثلاً كان الحلف الإسلامي الغربي عسكرياً وحميماً ومباشراً من أجل محاربة الاتحاد السوفييتي آنذاك. لذلك لا أعتقد بأن الوجود العسكري الأجنبي هو سبب مباشر لاندلاع الانتفاضة أو العمليات التي قامت بها الحركات الجهادية أو ما جري مثلاً في الجزائر والسودان وسوريا ومصر في تلك الفترة.

    أعتقد أن الحركات الإسلامية الجهادية كان لديها وهم بأنها قادرة علي إسقاط الإمبراطورية السوفييتية، لكنها نسيت أو تجاهلت أن هذا الهدف كان مستحيلاً دون التحالف مع الولايات المتحدة والغرب. هم يعتقدون بأنهم أسقوطها فعلاً وأن الله قدّر لهم ذلك وساعدهم علي إنجازه… وإذا سلمنا جدلاً بذلك، فلماذا هم عاجزون الآن عن إسقاط الإمبراطورية الأمريكية؟. هذه الحركات تلعب الإيديولوجيا دوراً كبيراً في قناعاتها وسلوكها، بمعني أنها تؤمن بوجوب عودة الإسلام ليتحكم ويسيطر في البداية علي الدول العربية والإسلامية ثم يمتد للسيطرة علي العالم. أعتقد بأن هذا الدافع قوي جداً لديها أكثر من مجرد وجود قاعدة للأمريكان أو للإنكليز هنا أو هناك في العالم العربي.

    لكن أليس هناك ارتباط بين ظهور الحركات الإسلامية الجهادية كحماس وحزب الله وتعاظم دور القاعدة في العالم بالاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي؟.

    أنا لا أنكر أن هذا العنصر ساهم في بروز تلك الحركات وازدياد شعبيتها، لا سيما بعد إخفاق التيار القومي الذي يميل للعلمانية رغم أنه لم يتبناها كشعار أساسي كما حصل في تركيا مثلاً. وقد أدي ذلك إلي تعميق الشعور بالذلّ والتهميش والإحساس بالإخفاق، وخلق فراغاً فجائياً وغير متوقع، جاءت الحركات الإسلامية لتملأه. وقد التقط هذه الظاهرة بعد هزيمة يونيو 1967 عدد من النقاد كنت من بينهم في كتابي النقد الذاتي بعد الهزيمة وأيضاً في نقد الفكر الديني.

    شعار جذاب لكن غير واقعي

    إلي أي مدي ساهمت الشعارات التي ترفعها الحركات الإسلامية كالإسلام هو الحل مثلاً في استقطاب الناس واستمالتهم إليها؟.

    لا شك بأن رفع شعار الإسلام هو الحل في بلد إسلامي هو شعار جذاب يستقطب الناس، لكني أعتقد أن هذا الاستقطاب سطحي عاطفي، لأن الناس عندما يدققون في ماهية هذا الشعار والبرنامج الذي ينطوي عليه يبدؤون بإعادة النظر والنقاش وتظهر تساؤلات ملحة من قبيل هل يعني الإسلام هو الحل عودة الخلافة مثلاً؟. وهل عودة الخلافة برنامج واقعي؟. الخ.. أنا أعتقد أن الخلافة يمكن أن تعود عندما يعود "البوربون" أو لويس السادس عشر لحكم فرنسا وعندما يعود القياصرة لحكم روسيا، وهناك حزب قيصري في روسيا يريد أن يقيم قيصرية دستورية فيها، فإذا نجح يمكن أن ينجح الإسلاميون بإعادة الخلافة. أما تطبيق الشريعة من وجهة نظر هذه التيارات فيمكن اختصاره بقانون العقوبات الذي يعني الجلد والرجم وقطع الأيدي والأرجل والرؤوس. الخ.. لكن ماذا سيحدث مثلاً لو أن فلاناً من الناس تعرض هو أو ولده أو أحد أقاربه لعقوبة الجلد أو قطع اليد وما إلي ذلك؟. في هذه الحالة سيرفض قانون العقوبات هذا.. يمكن أن يقبل بالتغريم أو السجن أو أي عقاب آخر لكن لن يقبل بالجلد أو الرجم أو قطع اليد.. وهنا تكمن المشكلة.

    الإسلاميون عندما يصلون إلي السلطة كما حصل في السودان مثلاً يتحفظون ويخشون من تطبيق هذه العقوبات. فعندما تدقق في تفاصيل شعار الإسلام هو الحل تجد أن الناس قد توجست وتراجعت حول معني هذا الشعار. هل يعني أن تذهب إلي المسيحيين وتفرض عليهم الجزية؟. في دولنا مصر وسوريا مثلاً هناك مسيحيين استشهدوا في حروبنا مع إسرائيل، ويعاملون الآن معاملة الشهداء وأبناءهم هم أبناء الشهداء، فإذا طبقنا الشريعة ماذا سيحدث لهؤلاء؟ وهل سيعتبرون شهداء أم لا؟ أليسوا شهداء ماتوا من أجل الوطن في حروب سيناء والجولان؟. كم من المسلمين في مصر أو سوريا يقبلون بذلك؟. وبالمناسبة مرشد الأخوان المسلمين السابق في مصر كان صريحاً حين دعا إلي إخراج المسيحيين من الجيش المصري باعتبارهم من أهل الذمة. أنا أعتقد بأن فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية هي الأحكام العرفية عند الإسلاميين. عندما يستلم الضباط السلطة يعلنون حالة الطواريء وقانون الأحكام العرفية، وعندما يصل الإسلاميون يعلنون تطبيق الشريعة وبذلك لا يختلف هذا عن ذاك، وأنا أري أن الدور الأكبر لهما هو إرهاب الناس.

    دولة المواطنة

    هل يمكن القول إن الحركات الدينية هي نتاج أو رد فعل علي عجز الأنظمة العربية في الماضي والحاضر عن بناء دولة المواطنة؟. وبالمقابل هل يمكن لهذه الحركات أن تقيم دولة المواطنة في حال وصولها إلي الحكم؟.

    أولاً: دولة المواطنة هي عملية تاريخية طويلة الأمد، ولا نستطيع القول إن هذا النظام أو ذاك فشل في بنائها. لكن يمكن القول إن هذا النظام ساهم في تحسين المناخ العام لقيام دولة المواطنة وذاك النظام تراجع أو أخفق. ثانياً: أعتقد بأن الإسلاميين لا يريدون دولة مواطنة تساوي الذمي بالمسلم السني في الدول العربية وبالمسلم الشيعي في إيران الذي ينبغي أن يكون شيعياً حتي يعتبر مواطناً درجة أولي. لكن في العموم أعتقد بأن القول بعجز الأنظمة عن بناء دولة المواطنة ساهم في بروز الإسلاميين صحيح جزئياً. وعلي كل حال مسألة المواطنة ليست مهمة بالنسبة للتيارات الإسلامية. الآن هم يتكلمون عن المواطنة لكني أشك كثيراً في جديتهم. لا سيما أن أحزابهم السياسية تقوم علي أساس طائفي بحيث تكون محصورة بالسنة أو بالشيعة أو بغيرهم.. الخ. عندما تقوم الأغلبية السنية بإنشاء حزب علي أساس ديني طائفي فإنها بذلك تكون قدوة لبقية الطوائف وتشجعها علي تأسيس أحزاب خاصة بها. وبالتالي فإن فكرة تأسيس أحزاب علي أساس ديني أو طائفي تعزز انهيار فكرة المواطنة. وأعتقد أن ذلك لا يقل خطورة عن إنشاء حزب علي أساس عرقي في ألمانيا مثلاً لأن ذلك يعني العودة إلي النازية.

    الإسلام السياسي

    هل ينطبق ذلك علي الحركات الإسلامية التي تؤمن بالانخراط في العمل السياسي والتداول السلمي للسلطة، حزب العدالة والتنمية في تركيا مثالاً؟.

    التجربة التركية نموذج مهم جداً. لكن باستثناء تركيا فإن الأحزاب ذات الطابع الديني تعتبر أن لديها مهمة إعادة أسلمة المجتمع. إذا وصلت إلي السلطة سواء عن طريق الانتخابات أو بالانقلاب تتشبث بها لإتمام هذه المهمة. وأعتقد أن كلامهم عن تداول السلطة تكتيكي تملقي لا أعطيه أي أهمية. تركيا البلد الإسلامي الوحيد الذي يعتمد إيديولوجيا وعقيدة علمانية، وقد أعلن منذ بداية تأسيس الجمهورية التركية أن هذه الجمهورية علمانية، بمعني أنها محايدة دينياً.. هذا البلد هو أيضاً البلد الوحيد الذي أنتج حزباً ذا أصول إسلامية ولكنه ديمقراطي وقادر علي الوصول إلي السلطة بانتخابات نزيهة ويحكم دون أن تحل كارثة في البلاد. بدون علمانية تركيا فكرة أن الإسلاميين يتداولون السلطة كانت أيضاً مستحيلة. الشرط المسبق الذي سمح لتركيا لإنتاج حزب العدالة والتنمية هو كون الدولة بالأساس علمانية، وهذا غير موجود في أي بلد آخر. وهنا تكمن أهمية التجربة التركية.

    ماذا لو كان هناك مثل هذا الحزب في العالم العربي؟.

    الآن هناك نقاشات تجري حول الإسلام السياسي التركي وتطور حزب العدالة والتنمية حتي وصل إلي السلطة ديمقراطياً. وإذا خسر الانتخابات هو مستعد لأن ينسحب ويصبح معارضة، وربما يعود مجدداً. وأعتقد بأن هذا النموذج من الإسلام السياسي غير موجود في العالم العربي.

    أزمة سلطة أم مجتمع

    لكن هناك من يقول إن ما تعيشه بلداننا من أزمات سواء علي مستوي الأنظمة أو المجتمعات ليس أكثر من نتاج لثقافتها السائدة. إلي أي مدي يصح ذلك؟.

    أعتقد بأننا أحياناً عندما نتحدث بهذا المنطق نحمل الثقافة أكثر مما تحتمل. الثقافة ليست المحرك الأول لحياة المجتمع. ولا المحرك الأول للسياسات المتبعة. ليست المحرك الأول للتوجه التاريخي لهذا البلد العربي أو ذاك. هناك من يقول بذلك، لكن هناك أزمات علي مستوي آخر تنعكس في الثقافة السائدة للمجتمعات.

    هل تري أن الأزمة هي علي مستوي السلطة أكثر منها أزمة ثقافة مجتمعية تنعكس بدورها علي الواقع العربي؟.

    قد تكون أزمة سلطة أو اقتصاد أو أزمة نخب أو غيرها.. لكن لا يمكن القول أننا بسبب ثقافتنا نعاني كل هذه المشكلات.

    هل الأزمة الحالية التي نعيشها هي نتاج للسلطة أم لثقافة وتراث المجتمعات ذاتها؟.

    الاثنان معاً. أي أن ثقافة الشعوب وتراثها فيها الكثير من المعوقات. وهناك في الوقت نفسه تردد وإحجام خاصة في الفترة الحالية، عن مراجعة هذه المعيقات، تحديدها، التدقيق فيها، نقدها… من أجل تجاوزها وإسقاطها. هذا التوجه بات ضعيفاً الآن، وهناك نوع من الخنوع والخضوع أمام التراث والأعراف والتقاليد.. سواء أكانت معوقة أم لا.

    عندما ننظر إلي العالم العربي بشكل مبسط.. هو يستهلك كل شيء ولا ينتج شيئاً، باستثناء المواد الخام. ماذا يمكن أن نتوقع من العرب؟. انظر إلي العالم العربي من أقصاه إلي أقصاه لا يوجد قيمة مضافة حقيقية لأي شيء. هناك بنية يبدو أنها لا تشجع وغير صالحة لأي إنتاج. ماذا ننتج؟ ماذا نصدر؟ سواء أكان إنتاجاً مادياً أو اقتصادياً أو علمياً أو فكرياً.. الخ. انظر إلي كيفية إنتاج النفط مثلاً. ما علاقة العرب بصناعة النفط؟. هم يمتلكون البترول لكن استخراجه وتكريره وتسويقه والبواخر التي تحمله… كل ذلك لا علاقة لهم به. انظر إلي تلك المنشآت الكبري الهائلة المعدة للتنقيب عن النفط واستخراجه وتكريره. انظر إلي القمر الصناعي العربي ماذا يوجد فيه عربي؟. أنا أشك في قدرة العرب علي تصنيع جهاز هاتف دون أن يستوردوا القطع والتقنيات اللازمة لذلك وربما الفنيين.

    ……
    هناك من يشكك في قدرة العقل العربي الراهن علي إنتاج ديمقراطية تصمد وتستمر. هل تري أن هذا العقل العربي قادر علي إنتاج ديمقراطية تعيش وتستمر وتصبح منهجاً وسلوكاً اعتيادياً في بلداننا؟.

    يصعب علي العقل العربي ببنيته الراهنة إنتاج الديمقراطية، لكني لا أعتقد بأن هذا العقل ثابت أزلي. أنا أقبل بنموذج ناجح بحدود 30 بالمئة، رغم أننا حتي الآن غير قادرين علي تحقيق ذلك. في لبنان هناك ديمقراطية طوائف، هناك محاصصة، ليست ديمقراطية تقوم علي أساس المواطنة, النظام السياسي في لبنان يمنع الديكتاتورية بحكم التوازنات القائمة علي أساس طائفي، لكنه لا يحقق ديمقراطية حقيقية تقوم علي أساس المواطنة. وكذلك الأمر في العراق الذي يسير في ذات الاتجاه.

    ما الذي يفتقده العقل العربي حتي يستطيع قبول الآخر أو الشريك في الوطن كما هو. ماذا يحتاج حتي يستطيع تحقيق هذه المعادلة المستحيلة الحل حتي الآن؟.

    هذه المسائل يتعلمها الفرد نتيجة قسوة البدائل التاريخية. ويمكن أن نستحضر في هذا السياق العراق كمثال. أنا أري أن العراقيين إذا أرادوا الحفاظ علي وحدة بلدهم وتجنب حرب أهلية طاحنة، فعليهم أن يتعلموا من هذه الأحداث التي يمرون بها دروساً تاريخية. الأكثرية الشيعية في العراق لا تستطيع القول بأن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية وتسكت. يجب أن تقول بأنها تعني حكم الأكثرية مع حفظ حقوق الأقليات، وأقصد الأقليات السياسية وليس بالضرورة الأقليات العددية العرقية أو الدينية.. هم يقولون نحن أكثرية وبالتالي نحكم، والديمقراطية هي حكم الأكثرية وهذا يجانب الصواب. الديمقراطية هي حكم الأكثرية مع حفظ حقوق الأقليات وإلا فإن البلاد ستواجه الانقسام والحرب الأهلية والخراب.. هذه المسألة يجب أن يتعلمها العقل العربي، بأن يقبل بالآخر ويقبل بوصول الأقلية نفسها إذا ما رتبت تحالفاتها لتصبح أكثرية دون أن تمارس الإقصاء أو تنتقم من الأكثرية بعد وصولها إلي السلطة.

    في العراق أيضاً هناك أحزاب وتيارات إسلامية كثيرة من مذاهب مختلفة. هل هي قادرة علي تطبيق الشريعة علي الطريقة الشيعية أو السنية مثلاً؟ إلا إذا كانت مستعدة لخوض حرب أهلية طاحنة. ماذا تتعلم من ذلك إذا كنت لا تريد حرباً أهلية ولا تفتيت البلاد؟. تتعلم حكماً أن تقيم دولة لا سنية ولا شيعية بل دولة تقوم علي أساس المواطنة والحق والقانون والعدالة الاجتماعية. هذه القناعة تأتي نتاج دروس تاريخية. لكن هناك من يتعلم بسرعة وهناك من لا يتعلم أبداً. في لبنان مثلاً لم يتعلموا، مروا بحرب أهلية طاحنة لمدة ستة عشر عاماً، وبالنظر إلي ما يجري الآن يشعر المرء أنهم لم يتعلموا شيئاً منها، خصوصاً فيما يتعلق بالمسألة الطائفية.

    الراية القطرية

  8. الله الله يا بلد الله الله على الحكم الرشيد الرئيس المؤمن الذى يخشى الله على الوزراء الذين يتصفون بالنزاهة والامانة وقضاء حوائج الناس بالسرعة والخفة الله الله على البوليس والامن فى حماية الشعب الله الله فى عهد الانقاذ تسيب دكانك مفتوح وتؤدى صلاتك فى المسجد وترجع تلقاه زى ما هو الله الله الخير متوفر ا والمطر نازل ولو عاوز لبن الطير تجده الله الله ما احلاكم يا كيزان الهى ما يفشخ فيكم واحد الله الله والجنوبيين وافقو على الوحدة الجاذبة وقالوا داك كان كلام سكر ساى الله والموصلات فاضيا والرغيف كبير وكل شوية الكيزان يقولوا للرعية فكو الحزام فكو الحزام هى لله هى لله لا للسلطة ولا ثم لا للجاه لا لدنيا قد عملنا شغل نضيف هذه مجادعة مع اخونا طلب سريان لك التحية

  9. على المعارضة والحركة الشعبية العمل على انتفاضة شعبية عارمة بداية بالعصيان المدنى والتكاتف لازالة هذا النظام من اليوم حتى تنعم البلاد بالوحدة وتكون حكومة قومية على انقاض هؤلاء السفلة ولا بد من محاسبتهم فى الميادين العامة لكى يكونوا عبرة للمستقبل

  10. اعلم ايها المدعو ابو ابراهيم
    ان دارفور لم تكن تتبع لشمالك النيلي هذا ,,,,,,,,,,,,
    لابد ان تعلم اننا ما متلصقين فيكم نحن ذاتنا مليناكم وملينا نظرة الافضلية ,,,, ماتستعجل مسالة زمن منصلين وماشين وعليك الله ماتنسي سلم لي علي الشرق

  11. متي يستقر سوداننا الحبيب من الارزقية النافعاب انفصال الجنوب مسالة وقت ليس اكثر ومن بعده دارفور

  12. هل هذا معاوية حسن يس الشاب الخلوق طالب القانون في جامعة الخرطوم ، والصحافي الملئ بالطومح والذكاء والتفاؤل في جريدة الصحافة زمن فضل الله محمد وشريف طمبل، ؟ أم مسخ غسلت حلاوته وبراءته أمطار لندن، وجمدت عواطفه تجاه وطنه متأثرا بأعصاب أهل بلاد ٍ تموت حيتانها من البرد كما يقول الراحل الطيب صالح رحمه الله، يا معاوية الذي نشأ النشأة الأخرى اتق الله في وطنك ، ولا تعزف على وتر تمرد كردفان أو الجزيرة والدندر والرهد، وناوا ومقاشي وكرمة البلد ودلقو المحس ودويم ود حاج أو السجانة والحلة والقوز ، ومحط شقلبان والثورة بالوادي والجريف غرب ، وبانت والهجرة والعرضة، وشندي فوق وجزيرة الفيل، والباوقة أم زهور ونقزو وجزيرة بدين وسلنارتي وأم دافوق، أن أنك تبحث عن " ملحق إعلامي في لندن؟ ّ

  13. ايها السودانيون ..
    اذا افتعل الكيزان الحرب مع الجنوب ..

    أعلنوا العصيان المدني ..
    وليلزم كل منكم منزله .. فهي فتنة جديدة لا ناقة لنا فيها ولا جمل

    واذا اعطوكم السلاح واجبروكم على مقاتلة الجنوبيين

    وجهوا السلاح الى صدور الكيزان

    لن ننخدع مرة اخرى بحرب مقدسة

  14. لا يغير الله مابقوما حتي يغيرو مابآنفسهم
    اقعدو نايمين كده لحدي ماتصحو يوم تلاقو مساحة السودان اصبحت اصغر من دولة قطر (صح النوم ايها الشعب السوداني البطل)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..