نضال عجيب: خطوة النظام العام أن القانون ألغي لكن المواد موجودة ونافذة!!.. أروى الربيع: مفهوم ?الحشمة? فصفاض وواسع ويختلف من ثقافة إلى أخرى

خديجة الدويحي: المصادقة على البروتوكول الأفريقي حماية أكيدة للنساء من التمييز
تحقيق: عادل كلر
لأنها قضية تمس كافة النساء، بلا إستثناء.. فهي ليست حصرية على الصحفية لبنى حسين أو الروائية رانيا مأمون أو المهندسة أميرة عثمان، بقدر ما تشمل وتتسع دوائرها لتحيط ?مثالاً- برانيا محمد وريتا سايمون وزهور عبد الله وستنا منير اللواتي واجهن الجلد والغرامة بمحكمة الحاج عبد الله، وبقدر ما تذكر أسماء ?سمية هندوسة? و?صفية إسحق? و?جليلة خميس? و?إزدهار جمعة? و?سمر ميرغني?؛ فإن أسماءاً أخرى كثيرة تضيع بعيداً عن أضواء الإعلام وعلم الكافة في فصول هي الأكثر مأساوية من العنف المنزلي والبدني في أطراف المدن وبمناطق النزاعات وفي معسكرات النزوح، وتظل قضية العنف ضد المرأة.. الفصل الأكثر حدة في الوحشية الممارسة من قبل المجتمع تجاه نصفه الآخر: المرأة، من الجانب القانوني والإجتماعي؛ وتستحق تسليط الضوء عليها والطرق المستمر، لإيقاف حدة الإنتهاكات، ومن ثم القضاء عليها في المستقبل القريب..
نقد قانون النظام العام:
أشارت الصحفية نضال عجيب إلى أن الشروع في الإنخراط في مقاومة العنف ضد المرأة يحتم على كل متضامن أن يمر بصورة متأنية على قانون النظام العام لسنة 1996م والذي جاء في ثلاث وريقات، معتبرةً بأنه لا يمثل قانوناً بالمعني الحرفي بقدر ما هو أمر ولائي يخص ولاية الخرطوم، وأضافت بأن مواد القانون تناولت عدة أشياء بغرض تنظيم المجتمع ?كما يقول القائمون عليه? أى لا يقتصر القانون على القضايا التى تخص المرأة حيث يعاقب القانون حتى أصحاب المهن الهامشية كغاسلي العربات إن لم يقوموا بممارسة المهنة فى المكان المخصص لها ?وهي من الأشياء المضحكة!? بحسب عبارتها، قبل أن تضيف بأنه من المثير للإستغراب أن مواد القانون موجودة أصلاً فى القانون الجنائى للعام 1991 أى أن القانون لم يأتِ بجديد، الأمر الذي يجعل السؤال يقفز إلى ذهن الباحث: (ماهو الهدف من هذا القانون؟), بيد أنها قالت بأن التجربة والممارسة أثبتت أن قانون النظام العام لا يستخدم إلا ضد المرأة، حيث يقوم على مبدأ (الإسترابة) ويتعامل مع المرأة كأنثى تشكل مصدراً للغواية الأمر الذى يعكس النفسية والذهنية التى يحملها المشرِّع الذي قام بوضع القانون، حيث كان من المفترض أن يطرح سؤال فى وقتها ماهى الفائدة من سن قانون توجد مواده أصلاً فى القانون الجنائى، وهو سؤال مهم. وإنتقدت كون أن المحاكمات النابعة من هذا القانون ?ناجزة? خلافاً لما هو موجود بالقانون الجنائى، الأمر الذي يسقط حق المتهم/ة أو الجاني/ة فى التمتع بدفاع كما يقول القضاء مما يعنى إنتقاص العدالة لأحد أهم أركانها.
وفي ما يخص مناهضة القانون، أشارت نضال عجيب إلى التقرير الذى رفعته حكومة السودان للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 26 يونيو 2006م ذكرت فيه أن قانون النظام العام بـ(الملغي)، وقالت نضال بأنه من الغريب جداً أن تغفل منظمات المجتمع المدنى العاملة فى المجال والمناهضة للقانون عن هذا الأمر، وقالت بأنه أمر مضحك جداً ان نسمع بعض منظمات المجتمع المدنى والناشطين يعقدون الندوات حول قانون النظام العام وقد تم إلغاؤه حسب التقرير الذى رفعته الحكومة مما يعنى تقصير من هذه المنظمات لأن القانون ألغي لكن المواد الواردة فيه موجودة وسارية النفاذ. وأضافت بأن الحديث يقود للعقوبات الجسدية وفق القانون، لكن ثمة حقيقة مهمة وهي أن السودان لم يشهد إستقرارا بشأن القوانين حيث يتم فى كل حقبة تعديل القوانين بما يتماشى مع ذهنية الحاكم فإن جنح الحاكم ومال قلبه نحو اليمين سن القوانين وفق الشريعة الإسلامية، وقالت: (ما حدث فى عهد الرئيس السابق جعفر نميرى ليس ببعيد)، مضيفة بأن ما يحدث حالياً يجعلنا ننادى بضرورة الإصلاح القانونى الشامل الذي لا يتعارض مع حقوق الإنسان، وقالت أن هذا الأصلاح مرتبط بالدستور لأن الحديث عن القوانين لايتأتى دون الحديث عن الدستور وهذا دور منظمات المجتمع المدنى والأحزاب, وفى هذا الوضع السياسى المعقد ليس هنالك أى أمل فى عملية إصلاح قانونى لجهة انها عملية يشارك فيها جميع أفراد المجتمع وليس حزباً واحداً. وأشارت إلى أن السودان لم يصادق ليس على البرتكول الأفريقى للنساء الذي ينادى بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة مما يعيد للأذهان اتفاقية سيداو أيضاً، وهو الجانب الذي يحتاج إلى الكثير من الضغط من منظمات المجتمع المدنى وهذا دورها الحقيقى.
المعترك الإجتماعي الثقافي:
وترى الأمم المتحدة أن قضية العنف ضد المرأة ترتبط في الكثير من جوانبها بالأبعاد الثقافية للمجتمعات، حيث ترتبط قلة الإبلاغ عن حالات الإنتهاكات بالخوف من الوصمة الإجتماعية، إذ يرفض ضحايا الانتهاك الإبلاغ خوفا من نبذ أسرهم أو مجتمعهم أو تعرضهم للتمييز، فيما تخسر في بعض الثقافات، الفتيات والشابات مهورهن إذا تعرضن لحالات انتهاك جنسي أو علاقات جنسية قبل الزواج. وبالتالي، تفضل الأسر إخفاء أي علامات أو دلائل على وقوع انتهاك جنسي بغية تجنب تخفيض العائدات الاقتصادية عند حصولهم على مهور، ويخشى الأطفال خاصة من قيام آبائهم بضربهم. وتؤكد الأمم المتحدة على أهمية تفهُّم الحواجز الثقافية التي تحول دون الإبلاغ عن الاستغلال والانتهاك الجنسيين.
وفي هذا السياق، ترى الناشطة السياسية خديجة الدويحي بأنه من المهم جداً من الناحية الاجتماعية والثقافية توعية شرائح المجتمع وتنبيهم الى خطورة الممارسات والقوانين التي تحد من الحرية المجتمعية وتلغى بعض مورثاتنا الخاصة، معتبرة أن العقوبات الجسدية منافية لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية وهى عقوبات لا انسانية وتمثل انتهاكاً واضحاً وصريحاً لكرامة الانسان، مؤكدة بأن مصادقة السودان على البرتكول الافريقى لحقوق النساء يشكل حماية أكيدة للنساء ويحميهن من التمييز.
وتشير الناشطة أروى الربيع إلى أن أخطر ما في قانون النظام العام كمية السلطات التقديرية الممنوحة لمنفذ القانون، بجانب المصطلحات الفضفاضة التي يشتمل عليها كـ?الحشمة? وهي مفاهيم ذات دلالات ثقافية متباينة وتختلف من ثقافة إلى أخرى وتتشكل حسب البيئات المعينة لتلك الثقافات، مضيفة بأن غالبية المحاكمات تتم بصورة إيجازية دون شهود دفاع أو وجود محامي للمتهمين، إضافة إلى أن الأحكام تكون فورية ويتم تنفيذ العقوبة، دون منح حق الإستئناف، وقالت عادة مايكون الشرطة الشاكي والشاهد، وفقاً لتقديراته الذاتية.
وبغير آراء الناشطين والقانونيين، يلقى قانون النظام العام، حظاً غير يسير من النقد داخل كابينة القيادة الخاصة بنظام المؤتمر الوطني الحاكم، فسبق وأن وجهت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي أميرة الفاضل نيراناً كثيفة نحو القانون في وقت سابق من هذا العام، وقالت أن قانون النظام العام يحتاج إلى إعادة نظر وتعديل، وأضافت للزميلة (الرأي العام) أن القانون أسيء استخدامه ضد المرأة، مضيفةً بأن والي الخرطوم مقتنع تماماً بضرورة تغيير هذا القانون، وقالت أميرة إن القانون الجنائي في السودان لم يَتضمن الاغتصاب كجريمة منفصلة، وكشفت عن سعي وزارتها لإعداد مقترحات لتعديل القانون الجنائي باعتبار أن المادة الموجودة فيه تتحدث عن الزنا وتغفل الاغتصاب، وأكدت أميرة أن المرأة في السودان تعامل بقدر كبير من الاحترام، لكنها أشارت إلى أخطاء فردية تحدث أحياناً من بعض الأفراد، وطالبت بضرورة معاقبة من يجنحون لارتكاب الجريمة ضد المرأة.
خطر يواجه المجتمع:
وفي تبيان المضمار الأمثل مناهضة العنف ضد المرأة والتشريعات القانونية المخلة، تقول إنتصار العقلي رئيسة تحالف النساء السياسيات أن حزمة مواد النظام العام سواء كانت في قانون النظام العام أو بالقانون الجنائي فإنها تستهدف المجتمع بكامل تكويناته، وتنتزع حق الأسر فى سلامتها وأمنها ورعايتها لأبنائها، بذريعة المحافظة على القيم، فيما يعمل النظام على إذلال الأسر وقهرها بإسم الدين والشريعة وما هو الا تشويه للدين والاسلام. وقالت بأن هذه القوانين والمواد صدرت بقرار سياسى قصد به القهر والسيطرة على المجتمع، وطبق فى مواجهة النساء والفتيات لينتقص من إنسانيتهن ويظل سوطاً مسلطاً عليهن. وأضافت بأن النظام العام أدخل (ثقافة الكشة) التى استهجنها المجتمع فى قوانين سبتمبر فى العهد المايوى، وأدخلت مصطلحات جديدة وأساليب جديدة للتجسس والتحسس فى المجتمع بل واستخدمت الكشة فى المكايدات وتصفية حسابات بين الناس وهذا فعل مشين ومرفوض من المجتمع، إذ ينطلق من عقلية تجريمية مريضة، وتنفذ العقوبات الفورية دون تحري الدقة. وأوضحت العقلي أن قانون النظام العام يضيق الخناق على حياة الناس اليومية، فهو يتدخل فى الزى وحياكة الملابس وتصفيف شعر البنات (الكوافير) والحفلات وذلك بفرض مبلغ من المال يتفاوت حسب المحلية ونوع الحفلة أو المزاج وهذه جباية منكورة على أفراح الناس.
اما بائعات الشاي، فقالت إنتصار بأنهن أستهدفن بتشريعات المحليات فى رزقهن حيث تنفذ حملات غير مبررة لمهنة بسيطة تمارس فى الشارع العام وذلك دون غيرها من المهن البسيطة، مثل عاملات البيوت مثلاً أو بيع أشياء متنوعات بإفتراش الارض فى الأسواق. وقالت أن بيع الشاى عمل سهل وبسيط يحتاج للصبر وإحتمال الناس، وله عائد مادى تقوم به النساء لكسب العيش، فلماذا تسعى المحليات للقضاء عليه واذا استغل البعض هذه المهنة لمحرمات اخرى كترويج المخدرات فهناك قوانين تجرم ذلك فما ذنب الغالبية العظمى لتقطع عيشها. وأكدت على خطورة الآثار الاجتماعية والنفسية للعنف القانوني ضد المرأة بأعتباره يمتهن كرامة المتهمات ولا يصون كرامة المجتمع، بل فيه شعور بالمهانة والخجل ويمكن ان تؤدى الى مشاكل نفسية وصحية من اكتئاب واضطرابات النوم وتولد عن ذلك الرغبة فى التمرد او محاولة الانتحار او الانطواء والانزواء ووقف الدراسة او العمل.
الميدان