إدارة الساحة الخضراء تلغي الحفل فرقة (الجاز).. لا عوض لـ(بتريو) الأمريكية

الخرطوم: مقداد خالد
وأنت تصوغ ملامح مشروع لزام عليك أن تضع المخاطر، وترسم حلاً لكل معضلة يمكن أن تطل برأسها، هكذا هي إدارة المشاريع. ولكن لأن الله بعلمه فوق كل ذي علم، تطل أحياناً معضلات لم تكن في الحسبان، ويسمى ذلك (القدر).
ذلك ما وقع بالضبط على فرقة (بتريو) الأمريكية التي وصلت إلى السودان لإحياء فن (الجاز)، ولكنها وجدت (البلف) وقد أغلق تماماً، فجل طرق الخرطوم تؤدي اليوم إلى فلسطين، أو كما تقول المسيرات الهادرة في الخرطوم (كل القوة.. القدس جوة).
ومع أنه في زمانات أخرى، كان ليتم الاحتفاء بالفرقة باعتبارها تجسر ما أنبتت أواصره بين (الخرطوم ? واشنطن) في اصطراعهما متفاوت الوتيرة، ولكن لما وصلت الفرقة إلى البلاد بالتزامن مع قرارات واشنطن القاضية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، تحول الترحيب إلى سخط، وقيل كيف لنا أن نغني ونرقص وكلها ستة أشهر والعلم الأمريكي يرفرف بنجماته الخمسين فوق سماوات القدس، مؤسساً لمرحلة جديدة بالكلية في أزمة فلسطين.
بواعث
بالفعل كانت الخرطوم تعد عدتها لاستقبال فرقة الجاز، في أكبر سوحها الجماهيرية (الساحة الخضراء) اليوم الثلاثاء. ولكن الأقدار قالت بخلاف ذلك، حيث اندلعت أزمة القدس وهو ما دفع مسؤولي الساحة الخضراء لإلغاء الاحتفال المفتوح، تعبيراً عن تضامنهم مع الأقصى الشريف.
يقول مدير الساحة الخضراء، محمد آدم عربي، إنه اتخذ بنفسه قرار إلغاء الحفل الأمريكي، لتوصيل صوت احتجاج إلى الإدارة الأمريكية جراء مواقفها من القدس الشريف، أولى القبلتين، وثاني الحرمين بالنسبة للمسلمين.
نافياً في حديثه مع (الصيحة) أن يكون اتخذ قراره بناء على إملاءات من الحكومة، وإن أقر بأنه وجد مباركة من رموزها. مؤكداً أن القرار شخصي، لإرسال رسالة احتجاج عالية النبرة لإدارة الرئيس ترمب.
عند ذلك القول علينا التذكير بأن (الساحة الخضراء) التي تشغل القطعة رقم (524) بمربع (65) بضاحية أركويت، تابعة لرئاسة الجمهورية، ولا يحق التصرف فيها.
ويديرها مجلس إدارة يضم في معيته شخصيات قيادية من القصر وولاية الخرطوم، والوزارات ذات الصلة. أما أمر تسيير المناشط فيقع على عاتق لجنة خاصة.
ويعود عربي ليشدد بأنه يملك أحقية رفض إقامة مناشط بعينها، كما في حادثة فرقة الجاز، ومن ثم عليه إخطار الجهات المسؤولة، كاشفاً عن تلقيه إشادات من هذه الجهات.
آسف
بدورها تأسفت السفارة الأمريكية في الخرطوم، على قرار منع إدارة الساحة الخضراء لحفل الجاز الأمريكي، من دون استفاضة في التفاصيل، ولكنها نبهت إلى أن الحفل الذي كان من المقرر أن يكون الدخول إليه بصورة مجانية، سيتم نقله إلى مكان خاص، لم يحدد بعد، وهو أمر يعني فرض رسوم دخول على من يرغب في المشاركة.
يذكر أن السفارة الأمريكية وعبر ملحقها الثقافي، طبقاً لإفادات عربي، تكفلت بسداد مبلغ 40 ألف جنيه سوداني، عبارة عن رسوم دخول الجماهير للحفل الملغي.
الأمن
تعتبر الثقافة هي القنطرة الأولى لتجسير علاقات الشعوب المأزومة، وليس من لغة أشد تأثيراً من الموسيقى وكرة القدم.
وعقب قرارات أمريكية برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم طيلة عقدين من الزمان، ارتفعت أصوات علانية تنادي بتطبيع العلاقات، على الأقل بين الشعبين.
ووصلت فرقة (بتريو) إلى السودان، وأقامت حفلها الأول في مدينة بورتسودان الساحلية، وبثت السفارة في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بعضاً من مقاطع الحفل. ولكن ذلك التواصل انقطع ولم يكن له أن يقوم في الخرطوم، التي أبت منذ أيام إلى ذكريات اللاءات الثلاثة بحق إسرائيل (لا تصالح، لا تفاوض، لا اعتراف) بل وزادتها بـ(لا) رابعة موجهة هذه المرة إلى الولايات المتحدة بأنه (لا لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس).
وفي ظل هذا الجو المشحون تم إلغاء الحفل، حيث تظهر مواقف حقيقية وجدية من مشكلات لربما كانت تصاحبه، وليس أدل من ذلك سوى التعليقات المبثوثة ضمن فيديو الفرقة في بورتسودان، حيث توعد متداخلون ? دون نظر للعواقب القانونية – بتخريب الحفل متى نهض في الخرطوم.
وينكر مدير الساحة الخضراء، محمد آدم عربي، وجود أي مخاطر أمنية تحول دون إقامتهم لحفل الساحة، ويصر أن كل ما في الأمر هو تبني ذات الموقف الأخلاقي والسياسي الذي اتخذته الخرطوم برفض الخطوة الأمريكية التي مست مشاعر المسلمين.
دهشة
بيد أن الناشط الثقافي يوسف السر، أبدى بالغ استغرابه مما أسماه حالة الخلط بين الموقفين الرسمي والشعبي في الولايات المتحدة، وقال لـ(الصيحة) إن جمهوراً عريضاً من الشعب الأمريكي ضد قرارات ترامب بنقل سفارة واشنطن إلى القدس.
وتساءل السر عن أسباب إقامة حفل (بتريو) في بورتسودان، وتحريم قيامه في الخرطوم، قائلاً بأن الأمر برمته محض تقدير شخصي، وتترتب عليه مضار كبيرة من شاكلة إمساك كل أصحاب الثقافات والأنشطة الشعبوية الأمريكية من العمل في السودان، مخافة تعرضهم لمخاطر إرهابية كما يشاع بصورة مستمرة.
منبهاً إلى أن رسالة التنديد بالموقف الأمريكي كانت لتصل بصورة أبلغ لو تمت بصورة سلمية، من داخل الحفل، سواء عبر اللافتات، أو بالهتافات لصالح القدس بين الفواصل الموسيقية.
الصيحة.