أخبار السودان

صناعة الفقر

الأخبار السيئة التي تنقلها الحكومة كل يوم عن الفقر وسُوء الأحوال المعيشية لا تتوقّف أبداً

أسماء محمد جمعة

لم يعدْ الفقر مشكلة لأغلب دول العالم وذلك لسهولة محاربته، ويكفي فقط أن تكون الحكومة تتمتع بقدر من الرشاد والضمير، لتنقل شعبها إلى رحاب الرفاهية في سنوات قلائل مهما كان حاله وحال الدولة. وفشل أية حكومة في القيام بهذه الخطوة لا شكَّ أنه يثبت عليها الفساد وعدم الضمير، ويدينها بقتل شعبها بتمكين الفقر، وهذا ما تقوم به حكومة السودان اليوم فهي من تصنع الفقر والفقراء.

الأمين العام لديوان الزكاة الاتحادي محمد عبد الرازق كشف أنَّ حوالي 14 مليون مواطن يتلقون الزكاة، أي أكثر من ثلث السكان، وقال إنَّ الأمر أصبح مقلقاً لديوان الزكاة، مع أنَّ الأمر يفترض أن يقلق كل الحكومة وعلى رأسها وزارة المالية والاقتصاد الوطني التي تتجاهل عمداً محاربته.

عموماً السؤال الذي يفرض نفسه هنا، كم هي قيمة الزكاة التي تمنح للفرد وأعتقد أنَّها مجرد مبلغ يقدم كأداء واجب (شوفوني). وحسب علمنا قيمته 200 جنيه فقط في الشهر وتصرف مرة واحدة كل كم شهر مع بعض، ويعاني الكثيرون في سبيل الحصول عليها، وأعتقد أنَّها ليست زكاة بل دعم اجتماعي يقدم من المالية عبر الزكاة أي أنه ليس لها غير أجر المناولة، أما دعمها هي فيقدم عيناً.

إذا كانت الحكومة تقرُّ بأنَّ أكثر من ثلث الشعب يستحق الزكاة أو الدعم الاجتماعي نصحح التعبير، فهذا يعني أنَّ البقية أيضاً ليسوا بأفضل منهم، وقريباً لن تجد من تفرض عليهم الزكاة خاصةً وأنّها تعمل بجد على تمكين الفقر وتعطيل المواطنين، بدليل أن ديوان الزكاة بدأ يتجه ويجتهد ويصدر فتاوى جديدة ليحصل على الزكاة من فئات جديدة، وقد أجاز مؤخراً زكاة الرواتب رغم أنه قال لا تجب على 97% من الموظفين، أي أنها تجب على 3% فقط، وهؤلاء بلا شك مسؤولون في الحكومة. وفقاً لنتائج أحدث مسح أجري عن الفقر في السودان بعد انفصال الجنوب بلغت نسبة الفقر 36.1% حسب الجهاز المركزي للإحصاء، وأكدت الدراسة أنَّ 25 بالمائة من السكان البالغ عددهم 39 مليون نسمة، وفقاً لتقديرات العام 2016 يقعون تحت خط الفقر المدقع، ولا شك أنَّ البقية أيضاً تحت خط الفقر ولكن من غير (مُدقع) وبين الاثنين المسافة قريبة جداً. وحسب مؤشر الأمم المتحدة للفقر، فإنَّ الذين يعيشون تحت خط الفقر المُدقع، يحصلون على دخل أقل من 1.25 دولار في اليوم الواحد، ورغم أنَّ إحصائيات الحكومة دائماً لا تقول الحقيقة، فلا شك أنَّ نسبة الفقر أكبر من ذلك بكثير. (وشوف عين كده) وصلت 80% رغم أنَّ هناك دراسات غير رسمية تقر هذا الرقم.

حقيقةً أصبحت الأخبار السيئة التي تنقلها لنا الحكومة كل يوم عن الفقر وسُوء الأحوال المعيشية لا تتوقّف أبداً. والمُؤسف أنه ليست لديها أيِ حلول، والفقر ليس حرماناً من الأكل والشرب فقط، بل هو حرمان من الحياة أي أنه قتل بالبطيء، والقتل هو قتل أياً كانت وسيلته بالسلاح، أو بالجوع أو المرض أو بالضياع الاجتماعي الذي يعتبر أسوأ أنواع القتل. فمتى تفوق الحكومة لواجبها ومتى يفوق الشعب لانتزاع حُقُوقه ويطلب الحياة، فلم تخلق دولة فقيرة ولكن هناك حكومات فقيرة، وقد اُبتلي السودان بواحدة منها.

التيار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..