المايعة بت الزبير: حفيدها يقذف بالمال في الطرقات

الخرطوم – محمد غلامابي

لديّ قصة الحاجة آمنة بنت الزبير )المايعة( أتوقف لتأكيد أمرين، الأول أن الحياة (تجارب)، تتقازم أمامها النظريات والمقولات، والثاني أن التدين الشعبي البسيط الذي عرفه أهل السودان من خلال التصوف كان يعمل على إنزال قيم الدين السمحة دون تطرف أو غلو.

الحفيد.. لا يحيد

بالقناعة أعلاه تجدني أنصت باهتمام واحترام لمن هم أكبر مني سناً، فالذي يكبرك سناً خطا خطوات أكبر في طريق الحياة، هو يضع أمامك خبراته وإجاباته على التساؤلات التي تنتظرك، بطريق أو بآخر، فقط كيف نحسن الإنصات.

في قصة الحاجة (المايعة) تجد شيئاً مما قلناه، وقد لفتت قصتها انتباهي وحفيدها الزميل مصطفى بانقا يترحم على روحها الطيبة بـ (بوست) ماتع بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يقول بانقا “حبوبتنا آمنة بت الزبير الله يرحمها، كنا لمن نخلص إجازتنا ونجي الخرطوم من شندي بتدينا أي واحد (جنيهين) تقول واحد اشتروا بيهو حلاوة، والتاني أجدعوا لي زيارة قصاد الشيخ الكباشي، من وقتها ولحدي الآن أنا بجدع قروش قصاد القبة صدقة لروحها الطاهرة”..

في الرحلة

أها وأنا جايي من شندي راكب البص السياحي عايز أجدع المعلوم قصاد قبة الكباشي تفاجأت إنو شباك البص السياحي مابفتح (دي شنو العوجة دي)، والوصية وصية ميت كمان.. أها وقّفت البص والكمساري فتح الباب متخيل حاجة تانية طبعاً بعد أن قال لي هامساً “عندك سكري ولا شنو يا أبو الشباب؟!” قلت ليه لا بس عايز أجدع القروش دي أها الكمساري والناس الراكبين في المقاعد الأمامية طيروا عيونهم، ورددوا ربنا يشفيك ههههه.

اليوم تمر ذكرى وفاة آمنة (المايعة) لها الرحمة، أسأل الله أن يبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خيراً من أهلها، وأن يبعثها مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

ميراث أسرة

آمنة بت ود العريبي تحكي عن جدتها (المايعة)، فتقول “في زياراتنا لمدينة شندي من كوستي للوالدة آمنة بت الزبير كانت تفرح بمقدمنا جداً، وحين نهم بالعودة إلى كوستي تصر بإلحاح شديد أن نأخذ من مالها هي لا مالنا لنقذف به ناحية قبة الشيخ الكباشي (كباشي السم)، فننصاع في نهاية المطاف تحت إلحاحها الشديد”.

أما زليخة بت ود العريبي أكدت حديث أختها آمنة بأن (المايعة) كانت ترفض أن ندفع من مالنا للشيخ الكباشي في طريقنا من شندي إلى الخرطوم، وكنا في طريق العودة إلى شندي نقذف بالمعلوم ناحية القبة ثم نقوم بـ (محاسبتها)، فهي ترفض بإصرار أن يكون مال الزيارة من غير مالها، وتضيف زليخة كانت أمنا (المايعة) حين تنسى نذكرها فتدفع عن رضا.

مال الضريح وبلح سيدي

كنت في صغري أذهب مع والدي متّعه الله بالصحة والعافية إلى ضريح الشيخ الحفيان بمدينة طابت الشيخ عبد المحمود، وكنت ألاحظ أنه ينثر بعض المال في أماكن متفرقة من الضريح، وهناك من يهتم بجمع هذا المال بعد خروجنا، قلت لوالدي لماذا تفعل ذلك ومن يكون ذلك الرجل، فقال هو مال صدقة يا بني، أما هذا الرجل فهو يجمع المال ليوزعه على المحتاجين ممن يقصدون المسيد، كان يتم الأمر كذلك دون تعقيدات، تماماً كما يفعل صديقنا بانقا، وهو يقذف بالمال من (الشباك) لا يقصد ديوان الزكاة، ولا يبحث عن المحتاجين، بل هو مال يجده من قسم له.

حصاد التمر

أما المدير التنفيذي لوزارة العمل الأستاذ كمال أبو آمنة، فحكى على لسان صديقه المهندس قائلاً “حتى تاريخ اليوم فإن أهلنا في الشمالية حين يأتي وقت حصاد التمر فإنهم يخرجون (تمر سيدي الميرغني) أولاً”، قلت له ومن يتولى جمعه وتوزيعه؟ قال: للميرغني هناك من يسمون بـ (الخلفاء) يتولون هذا الأمر.

قيمة الصدقة

في تأكيد أهمية الصدقة يقول القرءان الكريم “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ” المنافقون الآية 10. فلماذا اختار الميت الصدقة إذا رجع للدنيا؟ قيل لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته، بل إن الصحابي أباذر الغفاري كان يرى بل ويتشدد في توزيع كل ما فاض من مال المسلم على إخوانه المحتاجين، حتى ولو أخرج كامل زكاته، وهو الموقف الذي جعل عثمان بن عفان يرحمه الله ينفي أباذر خارج المدينة كما حكت كتب التاريخ.

وقد حرص المتصوفة على غرس قيمة الصدقة عميقاً في تربة الحياة السودانية وبأساليب بسيطة كما هو الحال لدى الحاجة (المايعة) وغيرها من البسطاء، دون أصوات وسياط، ليس مهماً أن تكون غنياً، المهم أن تقتسم ما تملك مع من لا يملك.

من هي (المايعة)؟

لا أقصد تعريفها، فقد عرّفها حفيدها مصطفى بانقا على صفحة التواصل الاجتماعي فيس بوك، فما إن كتب مستعيداً تلك القصة مع الحاجة آمنة بت الزبير (المايعة)، حتى ترحّم أصدقاؤه على روحها بالدعوات الصادقات، ثم قام أحدهم بسؤاله عن معنى (المايعة)؟ فقال بانقا “كانت من (سوفتات) زمانها، المساير، والشلوخ المطارق، والشلوفة المدقوقة، وفوق ده رقيص الرقبة، عشان كده سموها الماتعة”.

إذن كانت (المايعة) تعيش الحياة دون تكلف أو تصنع، عاشتها كما هي، بحثت عن الجمال وفق شروط ذلك الزمان، وانداحت في الرقص دون تزمت أو زندقة، ومع ذلك فهي حريصة على صلواتها وصيامها وصدقاتها لدى الشيخ إبراهيم الكباشي، هذه هي صورة الحياة التي قدمتها الحاجة (المايعة) يرحمها الله دون زيف أو تزييف، بل وبالمعلوم الذي يقذف به حفيدها مصطفى ناحية الكباشي تمنح لروحها الحياة بيننا، وتحث أرواحنا التي بين أبداننا لفعل الخيرات، من قليل لا من كثير، فقد كان بانقا يقذف في ذلك الوقت (جنيهاً) ناحية القبة، لكنني لا أعرف على وجه الدقة كم يقذف اليوم، هذا قبل أن يغرس الزمان رماحه في جسد المتصوفة فيحيله إلى آخر.. إلا من قليل

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. لا علاقة للصدقة بالضرايح انما هى بدعة وشرك لانه الغرض منها التقرب الى مخلوق وليس الخالق
    من اراد التصدق فالمخارج كثيرة ولا تحتاج ان تركب بص او تذهب الى ضريح انظر الى جيرانك تجد من هم فى حوجة ماسه

  2. لو كنت وزيرا للتعليم لادخلت مدحة (بوريك طبك) للمرحوم البرعى ضمن المنهج لكل الفصول فهى فى تقديرى اقيم من كل كتب الفصحاء والمتأسلمين بمن فيهم الوهابية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..