هل نحن مؤهلون بالفعل لدخول عصر التعليم الإلكتروني؟

التعليم الالكتروني لا يعني فقط أجهزة ومعدات وبرامج حديثة، بل إعداد وتأهيل للمعلمين أيضا.
بقلم: د. خليل أبو قورة
تشهد حالياً مؤسسات التعليم العالي في عالمنا العربي، إهتماماً كبيراً ومتزايداً بأساليب وبرامج تطبيق التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، بإعتبارها أحد الوسائل والأساليب التعليمية الحديثة، التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في تحسين أداء وجودة التعليم العالي، والتقليل من كلفته المادية، وتوفير الفرص التعليمية لأكبر عدد ممكن من الأفراد.
والتعليم الإلكتروني، يمكن تعريفه ببساطة على أنه استخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة والمتطورة من أجهزة كمبيوتر وشبكة انترنت ووسائط الكترونية متعددة من صوت وصورة وآليات بحث ومكتبات الكترونية وبوابات الانترنت وغيرها من برمجيات تعليمية لخدمة العملية التعليمية، من خلال إعتماد مبدأ التعلم الذاتي والتفاعلي أو بمساعدة المعلم، بهدف توصيل البرامج والأنشطة التعليمية والتدريبية للمتعلمين بمرونة وأقل جهد وبأسرع وقت، لتحقيق فائدة أكبر. والتعليم عن بعد هو فرع يندرج تحت مصطلح ومظلة التعليم الالكتروني، ويعتمد التعليم عن بعد إعتمادا تاماً على تقنيات التعليم الإلكتروني، وفي كلتا الحالتين فإن الفرد المتعلم يتلقى المعلومات من مصدر بعيد عن المعلم، وهذه الأساليب الحديثة في التعليم، لا شك تدعم الإبداع والتعلم الذاتي، بعيداً عن أنظمة التعليم التقليدية التلقينية المعتادة في المدارس والجامعات.
ولكن، السؤال المهم المطروح هو، هل نحن جاهزون ومؤهلون بالفعل لدخول عصر التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، الذي أصبح ضرورة عالمية وبخاصة مع التوجهات والتطبيقات التكنولوجية الحديثة في التعليم؟
والإجابة عن هذا السؤال، تقودنا الى الحديث عن البنية التحتية للتقنية وتقنية المعلومات والإتصالات ومدى توافرها لدى الهيئات والمؤسسات التعليمية في عالمنا العربي، بمعنى هل تتوافر لدينا جميع الأساليب والأدوات الضرورية واللازمة لتطوير المحتوى التعليمي الرقمي، وما هي اللوائح والتشريعات والمعايير والأنظمة التي تحدد طبيعة ومحتوى المواد التدريسية ومعايير إعتمادها وجودتها، وهل لدينا بالفعل طاقات بشرية كافية ومؤهلة وقادرة على القيام بمسؤولياتها في ترسيخ ثقافة التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، والإسهام في تطويره، بما يتناسب مع حاجات وقيم وعادات مجتمعاتنا وأوطاننا.هذا الى جانب وجود بعض العقليات الإدارية البيروقراطية الجامدة في مؤسسات التعليم العالي، التي لا زالت تسوق العديد من الأسباب والمبررات غير المنطقية وغير العقلانية لعدم الإعتراف أو عدم إعتماد مؤهلات وشهادات التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، ورفض معادلتها.
يمكن القول عموماً بأن هناك بالفعل تحديات وعقبات كبيرة تواجه إدخال وتطبيق برامج التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد في عالمنا العربي، ولكن ذلك ينبغي ألا يثنينا عن مواصلة جهودنا المكثفة نحو الأخذ بأساليب التطورالعلمي والتكنولوجي والإستفادة منها في تحسين الأداء التعليمي وجودته، فسواء شئنا أم أبينا، فبرامج التعليم الإلكتروني حالياً تتوسع وتتطور عالمياً بصورة مذهلة، وستؤدي الى تغيير جذري في العملية التعليمية، محدثة أشكالا جديدة من التعليم في المستقبل، تتطلب من عالمنا العربي الإسراع في نشر ثقافة التعليم الإلكتروني، وتأهيل الأجيال الجديدة وإعدادهم للتواصل والتفاعل الجيد مع هذا النوع من التعليم، بما يحسن من أدائهم التعليمي ومخرجات العملية التعليمية.
فالتوجه نحو ترسيخ وإشاعة ثقافة التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد في عالمنا العربي، أصبح ضرورة ملحة للحاق بالتوجهات العالمية نحو تعليم المستقبل ومستقبل التعليم، الذي أصبح يركز على تحسين الأداء التعليمي وضمان جودته، وهذا يتطلب في البداية دراسة جادة لمعرفة مدى استيعاب الأكاديميين والإداريين والطلبة لمفهوم وأشكال التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، وكذلك دراسة إتجاهات الطلبة والمعلمين والمجتمع عموماً نحو هذا النوع من التعليم، وبخاصة الفرص الوظيفية التي يوفرها، مع ضرورة ادخال مقررات ومناهج دراسية اجبارية في التعليم الإلكتروني في المدارس والجامعات لزيادة وعي الطلبة بأهميته، يصاحب ذلك الإعداد والتأهيل الجيد للأكاديميين والإداريين والطلبة على مهارات وتقنيات التعليم الالكتروني، وبخاصة التدريب على مهارات البحث المتقدمة ومهارات الإتصال المرئي والمسموع، وكذلك التدريب على مهارات البرمجة مثل تصميم المواقع الالكترونية وصفحات الإنترنت، والتي تعد ضرورية وأساسية للتعليم الالكتروني، فالملاحظ أن أغلب الطلبة، قد لا يمتلكون الا خبرات محدودة في مجال استخدام جهاز الكمبيوتر وشبكة الانترنت، والتي لا تتعدى فقط مجرد تصفح الإنترنت واستخدام محركات البحث والبريد الالكتروني والدخول لمنتديات الدردشة والحوار ومواقع التواصل الإجتماعي. ولتفعيل كل ذلك لابد أن يكون هناك تعاون وتنسيق جاد ومتكامل بين مؤسسات التعليم ومؤسسات المجتمع الأخرى المعنية بشؤون التعليم الالكتروني مثل هيئات الاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها.
لقد أصبح التوسع في مشروعات وبرامج تطبيق التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد في الوطن العربي، ضرورة عاجلة، تفرضها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة المذهلة والمتطورة، ولكن ذلك يتطلب أيضاً بصورة متوازية، تأهيل وإعداد الأكاديميين والإداريين والطلبة على مهارات وأنظمة التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، لتحقيق الأهداف المطلوبه منه، ولتخريج أجيال جديدة قادرة على المنافسة محلياً وإقليمياً وعالمياً.
د. خليل أبو قورة
ميدل ايست أونلاين