هتك النسيج ..!

هتك النسيج ..!
شمائل النور
الوقفة واجبة ومهمة للغاية في حادثة الفنان جمال فرفور بكل استفزازها الشكلي والموضوعي، وهو يتعرض للطرد والزجر والشتم والسباب من قبل إمام مسجد، أو هكذا ينبغي أن يكون، الإمام يدعو الفاسق جمال فرفور “والتوصيف منسوب للإمام” إلى الاصطفاف آخر المسجد بدلاً عن وقوفه خلف الإمام مباشرة، فقط لأنه يمارس الغناء المُعرف عند ذاك الإمام فسقاً وفجوراً يستحق هذا المسلك التأديبي التشريدي من التوبة، والغناء عند ذلك الإمام حرام قطعاً رغم أن الفنان المحبوب دعم رئيس الدولة في حملته الانتخابية، وربما كان سبباً رئيسياً في فوزه.. إذن الشريعة التي دعا لها الرئيس في مدينة القضارف وتشبث بها آلاف رجال الدين كان للفنانين القدح المعلى في إعلانها.. فالذين دعوا إلى الشريعة فازوا بواسطة الفنانين.. لكن لم يشفع لجمال فرفور قربه الظاهر من حزب المؤتمر الوطني.. فإن سلمنا أن جمال فرفور فاسق مثلاً، أليس من الأجدر لهذا الإمام أن يفرح بأن فناناً فاسقاً بمستوى هذا الشاب لديه رغبة في الصلاة في الصفوف الأمامية، ألا يُمكن أن يُفهم ذلك بداية للتوبة، إن افترضنا أن فرفور ينبغي أن يتوب، كيف لرجل دين وإمام مسجد أن يمارس هذا النوع الفظ من التشريد من الدين، وهو الذي ينبغي أن يكون داعياً له على الأقل من منبره هذا. ليست دواعي الوقفة على هذه الحادثة هي فقط مناصرة وتطييب خاطر لفنان على الأقل يُشارك بحماس في توحيد السودانيين، ورتق نسيجهم الاجتماعي المتهتك من فرط الفرقة والشتات والاحتقان، ذلك بما يقدمه من فن.. بل الدواعي الموضوعية هي التمعن والتأمل المحسور في إيجاد إجابة لأين ينقاد هذا البلد تحت وطأة خطاب ديني طارد، يُمثل مهدداً أول للعقيدة أكثر من أي مهدد آخر.. ولا زالوا يُصرون ويقولون لك مهددات خارجية حتى الجنائية الدولية صُنفت بأنها مهدد للشريعة، ولا يتمعنون في المهددات الداخلية الحقيقية التي هي أخطر وأقوى من كل ما يأتي من الخارج. قطعاً ليس من المفيد أن نختزل الواقعة هذه في إمام مسجد وفنان في شخصهما، أي لا يمكن أن نسلم بأنها حادثة فردية استثنائية والسلام، رغم استياء بعض الشيوخ والأئمة من تصرف الإمام إلا أن الواقعة في مجملها تُلخص سيناريو مفخخ يعيشه السودان الآن، وربما ينتظر المجتمع السوداني سيناريو أكثر تفخيخاً يُساق إليه في المستقبل القريب، ما دام المتطرفون يستشرون بهذا الشكل وينصّبون أنفسهم قيّمين على المسلمين حتى في الأمور بينهم وبين ربهم، ثم يحدث كل هذا تحت سمع وبصر الدولة التي تظللهم بحماية أكبر من كل أطياف المجتمع وإلا كيف تتصاعد حدة التوتر الديني بين كثير جداً من رجال الدين والمجتمع السوداني.. الحادثة هذه ينبغي أن تلفت الانتباه بصورة أكثر جدية وحذراً، فليس هذا واقع الحال قبل سنة مثلاً بل قبل شهور معدودة.. العقيدة يهددها مثل هؤلاء والنسيج الاجتماعي يهتكه هؤلاء، وتبقى وحدة ما تبقى من السودان في أيدي هؤلاء.
التيار