هم العدو

(لم أسحب اتهامي لمسؤولين بتهريب الذهب، ولم أتراجع عن اتهامهم ولدي مايثبت)…هكذا جاءتني الكلماتُ قويةً واضحةً صريحةً عبر الهاتف من وزير الإعلام السابق رئيس لجنة الصناعة والاستثمار بالبرلمان، المهندس عبد الله مسار، وهو يوضح ويعقّب على مقالٍ لي عتِبتُ فيه عليه وانتقدت إقدامه على سحب اتهامه وعجزه عن تقديم ما يعزز اتهاماته رغم توافرذلك، لكنه أقسم لي خلال اتصاله أنه مازال على اتهاماته لبعض المسؤولين بتهريب الذهب وقال إنه لم يتراجع ولم يسحب اتهاماته وأنه يملك ما يعززها لا ما يدعوه لسحبها..
قضية التهريب واحدة من ملامح أزمتنا الكبرى واستفحالها يعكس حجمها الحقيقي وخطرها الماحق، كما وأن القضية نفسها تفضح عجزالحكومة عن التصدي لها بشكل جدي ومسؤول، وأما طريقة علاجها الحالية تعكس بوضوح أن المشكلة الأساسية تكمن في بعض من يديرون الشأن وفي من يمسكون بالمفاصل، وفي العقلية “الدونكيشوتية” التي تحارب طواحين الهواء…
وعلى قضية التهريب يمكننا القياس واكتشاف ملامح أخرى من الأزمة كالتجنيب والتزوير والنهب واستغلال النفوذ والسلطة، ومظاهر التبديد والإهدار والنظرة القصيرة التي لا تتجاوز موضع القدمين، بل لا تتخطى أرنبة الأنف..
يقيني أنه ما عاد هناك أمل في الإصلاح ودائرة الشك تتسع حتى لكأني أراها لم تُبق إلا النزر اليسير، فالأزمات ستتواصل طالما أن جوهر الأزمة الحقيقية متعلق بالإدارة الفاشلة وبالكادرالبشري غير النزيه، وغير المسؤول…
قد نفرح اليوم ونسترخي ونصفق لباخرة جازولين تأتينا من تركيا ولمثلها قد تأتي من السعودية أو الإمارات ، وقد نجد من الدول من يمدنا بما نحتاجه من جازولين لأعمال الزراعة، لكن من يضمن أن هذه الكميات ستصل إلى المزارعين الحقيقيين والمنتجين أصحاب الأرض؟هذا مجرد مثال فقط، فلا أريد أن أختزل كل المشكلة في ملمح واحد من ملامح الأزمة…أعرف أن الدولة في كل عام توفر التمويل والجازولين للمزارع ، لكن للأسف فإن التمويل والجازولين يذهبان للسماسرة والتجارعبر جسور الصداقات وبعض العلاقات المشبوهة القائمة على المصالح المشتركة . فكم من سمسار “فهلوي” يملك على الورق فقط آلاف الأفدنة ليحصل بها على أعلى معدل تمويل من البنوك وكذا الجازولين. وما يلبث إلا ويبيع ما حصل عليه في السوق السوداء. وأما الأموال فيعمل بها ما يشاء ويمكن أن يشتري بها دولارات أو فحمًا ، وأما المزارع المنتج الحقيقي فتقام في طريقه المتاريس والعوائق فيقع أخيراً فريسة في براثن التجار والسماسرة . أنا أقول ذلك وجربت الزراعة وعايشت المزارعين والتجار والسماسرة…ألم أقل لكم إن القضية في الممسكين بتلابيب الإدارة..أزمتنا الحقيقية لن تباوح مكانها إلا إذا كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين يديرون شئوننا،لايعرفون الغش والتدليس والخيانة والتزوير والفساد واستغلال النفوس والمصالح الشخصية، وبذات صفات المسؤول الذي يقوم بـ “التهريب”، يوجد مسؤولون في كل المرافق والمؤسسات..إذن أعطني ملائكة ليعملوا في الخدمة المدنية أعطك نزاهة واستقامة وصدقاً ، فهل تفعل ـ صعبتها مُش؟…اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة