أخبار السودان

تفاصيل يوم الرابع من يناير

بعد مليونية الثاني من يناير التي استهل بها الثوار في لجان المقاومة العام الجديد تحت شعار ” الوفاء للشهداء” ، أدركت السلطات الحكومية ضرورة تغيير مفاجئ في تكتيكاتها الأمنية التي ظلت تتبعها طوال عمر الحراك الثوري في الفترة الأخيرة، خصوصاً وأن مليونيتي الـ30 من ديسمبر والثاني من يناير شهدت أعمال عنف شديد من قبل القوات الأمنية للدرجة التي أدت لسقوط تسعة شهداء بحسب احصاءات اللجنة المركزية للأطباء السودانيين، فضلاً عن تجاوز عدد الإصابات أوساط الثوار للمئات وكذلك وجود إصابات وسط أفراد قوات الشرطة وبحسب بيان الشرطة، كلا التظاهرتين ترتبت على إثرهما أحداث سياسية بالغة الأهمية، حيث أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استقالته من منصبه مساء الثاني من يناير، وعلى ضوء ذلك تم الإعلان في اليوم التالي عن مليونية من قبل لجان مقاومة أمبدة بأم درمان خارج الجدول المعلن للتصعيد الثوري لشهر يناير الجاري، وهو ذات الأمر الذي وصفه مراقبون بأن لجان المقاومة بدأت تدشين جداول “المباغتة” خارج الجدول المعلن بغرض إرهاق السلطات التي اعتادت على إغلاق الجسور بـ”الحاويات” وقطع خدمة الانترنت والاتصال بمجرد الاعلان عن “مليونية”، وبالفعل شرعت السلطات في الإغلاق مساء الإثنين، ولكنها فاجأت الثوار بفتح الكباري والامتناع عن قطع الاتصال وخدمة الانترنت مع الإبقاء على جعل الأسواق وحركة المواصلات عادية والاتجاه للإغلاق المحكم لكل مداخل شارع القصر والقيادة العامة مع انتشار كثيف وغير مسبوق للقوات الأمنية، وهو ذات الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه تدشين متبادل لتكتيكات “المباغتة” الميدانية .

 

(1) الحركة العامة في الخرطوم

 

على غير عادتها استقبلت الخرطوم صباح مليونية أمس بدون تجنب الخروج للشارع، حيث كانت حركة السير طبيعية على الرغم من سيطرة الوجود الأمني المكثف على كل أرجاء الخرطوم، بخلاف المليونيات السابقة التي كانت تشهد حركة محدودة من المواطنين، جراء إغلاق المحلات التجارية وجميع المؤسسات. اختلف المشهد، حيث شهدت العاصمة عادة استثنائية كانت مزيج ما بين الخوف والترقب لهذا الوضع الغير المعتاد و المضئ نحو الثورة.. وكان محالا رؤية مشهد كهذا بالخرطوم خلال الايام القليلة الماضية عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع، لكن مع ذلك، “موجة الغضب” التي اجتاحت المواطنين بسبب اصرار السلطات على قمع المتظاهرين بتفريقهم بالغاز المسيل للدموع، بدأ ذلك واضحاً على وجوه المارة الذين لم يتفاءلوا كثيرا أيضاً من عملية فتح الجسور التي اعتاد المواطن اغلاقها من قبل السلطات الامنية في كل موكب، إضافة إلى ذلك طبيعة الحياة والحركة النشطة من ” مواصلات، أسواق، باعة متجولين، فريشة، محلات تجارية” لا سيما أن القوى الامنية أغلقت الطرق المؤدية الى القصر الجمهوري، تزامنا مع إصرار الثوار إلى الوصول للقصر الجمهورى. وظل الوجود الامنى فى شوارع الخرطوم كثيفا، وشوهد المئات من رجال الشرطة المسلحة فى ميدان والطرق الرئيسية، كما أن العربات ظلت تغلق طريق شارع الجمهورية المؤدي الى القصر طوال يوم الأمس.

 

(2) انطلاق المواكب

 

منذ صباح الأمس بدأت الحركة العامة للمواصلات تبدو وكأنها عادية، بيد أن حركة المواطنين والموظفين تأثرت بدرجة كبيرة بالمناخ العام الذي اعتاد عليه مواطني الخرطوم أعقاب الإعلان عن المليونيات المتوجهة نحو القصر الرئاسي، ولذلك كان الحذر واليقظة هو العنوان الأنسب ليوم الأمس، فضلاً عن غياب تام لموظفي الحكومة والقطاع الخاص وانحسار نشاط الباعة المتجولين والمقاهي والكافتريات، وكذلك أغلقت أعداد كبيرة من المحلات التجارية والصيدليات أبوابها منذ صباح الأمس، وعلى الرغم من أن الكباري لم يتم اغلاقها رغم وجود إعلان رسمي بذلك من قبل السلطات، إلا أن المواكب لم تنتظر تكتيكات السلطات، وبدأت مواكب الخرطوم تتجمع عند نقطة باشدار جنوب الخرطوم، وانتشرت القوات الأمنية في ارتكازات متعددة في الخرطوم منذ الصباح الباكر، حيث أغلقت بعض الطرقات وتركت الجسور مفتوحة لساعات من الصباح ثم أعيد إغلاقها من جديد، مع استمرار خدمة الاتصال والانترنت على غير العادة في مثل المواكب المعلنة لشباب لجان المقاومة. وتركت السلطات كباري الفتيحاب و الحلفايا و سوبا وشمبات و كوبر مفتوحة أمام حركة المارة، لكن وسط الخرطوم كان شبه خال من حركة المواطنين. كذلك ارتكزت عدد من تاتشرات القوات المشتركة في بحري، حيث ظلوا يمشطون المنطقة من المحطة الوسطى وحتى بحري المؤسسة، وفي وسط الخرطوم ارتكزت قوات مشتركة في شارع البلدية، وعدد من بكاسي جهاز الأمن والمخابرات بدون لوحات في بري وشارع رويال كير بالاتجاه الجنوبي والاتجاه الشرقي وكذلك في شارع المعرض وشارع ناصر وشارع الموناليزا، وظل شارع المطار مغلق من الاتجاه الشمالي . حتى منتصف نهار الأمس، كانت الارتكازات كثيفة للقوات الأمنية المشتركة بعد كبري الفتيحاب في جهة الخرطوم، بالإضافة إلى عدد من القوات المرتكزة في السوق العربي وفي موقف الاستاد للمواصلات، وارتكازات أخرى بجانب جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. وفي تمام الواحدة ظهراً بمواقيت الحراك الثوري، تحرك الموكب الذي كان حاشداً صوب شارع القصر، إلا أن السلطات هذه المرة اتبعت اسلوباً جديداً حيت تمركزت القوات الأمنية بكثافة عند السكة حديد في محطة شروني في الخرطوم، تنتظر الموكب من هناك بكامل الجاهزية، وبالفعل أطلقت القوات وابل من الغاز المُسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق الثوار لمنعهم من التقدم إلى مداخل القصر ، وعلى الرغم من تكرار عمليات الكر والفر بين الثوار والأجهزة الأمنية إلا أن شارع القصر شهد غياباً تاماً للمواكب التي اعتادت التوغل إلى محيط القصر رغم كل أنواع القمع. وفي هذا يقول نشطاء أن الغياب كان أيضاَ ضمن تكتيكات لجان المقاومة التي أرادت تبديل خطتها الميدانية لتفاجئ الأجهزة الأمنية بأنها تدرس خيارات ثورية أخرى وتتبع منهج التنويع في أساليب المقاومة.

 

(3) الاعتداء على مكتب التلفزيون العربي

 

للمرة الثانية، تتعرض مكاتب المؤسسات الاعلامية إلى هجوم واعتداء مؤسف من قبل القوات الأمنية، حيث تعرض مكاتب التلفزيوني العربي لاطلاق الغاز المسيل للدموع ومحاصرة العاملين لعدة ساعات، وحاصرت قوات أمنية مكتب قناة التلفزيون العربي بعد إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على طاقم القناة أثناء تغطيتهم للمواكب الاحتجاجية من سطح البناية. وأدانت شبكة الصحفيين السودانيين سلوك الأجهزة الأمنية ووصفته بالجريمة الجديدة، وزادت الشبكة في بيانها: ” في جريمة جديدة، ضد الصَّحفيين والإعلاميين بالسودان، روّعت قوةٌ تابعةٌ للسلطة الانقلابية، الزملاء بمكتب التلفزيون العربي بالخرطوم، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على أفراد تابعين للمكتب أثناء انشغالهم في تصوير المواكب الثورية لمليونية 4 يناير بالخرطوم. قبل أن تفرض حصاراً على المكان امتدّ لساعات”. وأوضحت الشبكة أن القوات الأمنية للسلطة التي وصفتها بالانقلابية نفذت هجوما في الأسبوع الماضي، حملة وصفتها بالفاشية ضد الزملاء والزميلات بمكتب قناتي «العربية والحدث»، وانهالوا عليهم صفعاً وركلاً، وأتلفوا معداتهم، ونهبوا مقتنياتهم، كما روّعوا الزملاء بقناة «الشرق» الإخبارية و«سكاي نيوز عربية». وأوضحت أن معدلات القمع ارتفعت، وكذلك استهداف الصَّحفيين والإعلاميين منذ وقوع الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي”.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..