مقالات سياسية

لا لجلد الذات فالوطن اسمى من ذلك

د. الفاتح إبراهيم/ واشنطن

هل كان السودان مستعمرة بريطانية بالمعني المعروف للمصطلح؟ الإجابة على هذا السؤال بين طيات هذا المقال!

 في البدء أقول انه وبالرغم من كل الزخم المتصاعد والنقاء والطهارة الثورية للشباب والعزم والقوة الفتية التي تدفعهم وتشد من ازرهم ، وبالرغم من الشعارات الإنسانية والمطالب الوطنية الطموحة المجردة من الانانية والمكاسب الشخصية مما يؤهلهم ان يكونوا في مصاف شباب الدول المتقدمة التي من الواجب التفاخر بها بين الأمم ، هناك – ويا للعار – على مسرح الأحداث من يأبى أن يهتم بكل ذلك وليته يلوذ بالصمت ولكن يشارك في خلق تيار مضاد من التشكيك له مصادر ودوافع مشبوهة متعددة لا يمكن ان نلفت النظر تفصيلا هنا لضيق المساحة .. 

ويمكن إرجاع ذلك إلى مصدرين: 

أولا كثيرا ما يردني عبر – غابة الواتساب – من ينقل بدون تروٍ كلام منسوب الى خواجة اسمه “جاكسون” الذي ليس مؤكدا أنه شخصية حقيقية أو فعلا قال كل هذه المثالب التي تسب وتحقر شخصية السوداني .. ويرد ذلك بأسلوب التعميم الذي لا يثبت امام البحث الاكاديمي العلمي الجاد ولكن يتناقله البعض ببلاهة واهمال على انه صحيح دعما لفكرة “جلد الذات” !! 

وحتى لو كان “العارف بالله تعالى” المنزه الشريف الخواجة جاكسون شخصية من لحم ودم وتم التوثيق علميا لما قاله هل من المنطق والعقلانية في شيء أن يؤخذ ما قاله برمته كأنه منزل لا يأتيه الباطل ما بين يديه ولا من خلفه ؟!!

  وحتى لو صح انه قاله لماذا يتم تداوله كالنار في الهشيم هو وحده فقط ويتم التجاهل تماما لمئات الاسفار والمقالات التي كتبها الحكام الانجليز المتصفين بالنزاهة مدحا واعجابا بالشخص السوداني وبقيم المجتمع في بلادنا مما لا يتسع له المجال وهو متاح لمن هو جاد في البحث وأراد ان يلقي السمع وهو شهيد ..

ولعل من انصع الأدلة المغيبة في التاريخ والتي تدل على تقدير الانجليز للسودان وتفهمهم لبيئاته ومكوناته المجتمعية أنهم لم يتعاملوا مع السودان كأحد المستعمرات التي كانت “لا تغرب عنها الشمس” وانما تعاملوا معه خلافا لكل تجارب الشعوب التي حكموها بانهم لم يعتبرونه مستعمرة مثل بقية المستعمرات المنتشرة في ارجاء العالم وانما اوكلوا ادارة شؤونه الى وزارة الخارجية البريطانية وليس وزارة المستعمرات وكان ذلك وضعا فريدا في تاريخ الاستعمار الإنجليزي .. ولتأسيس هذه الصفة والمرجعية القانونية الفريدة على قاعدة صلبة راسخة وضعوا معايير صارمة لمن يقع عليه الاختيار للعمل في السودان .. وكان ذلك الامتياز من نصيب صفوة من شباب الانجليز يتنافسون عليه وكلهم من خريجي جامعة اكسفورد العريقة !! هل هذا التصرف ينسجم مع مقولة مستر جاكسون التي يروج لها البعض ؟!!

ثانيا كان محدثي من من بلدت احساسه نمط الحياة في احدى الدول النفطية ويبدو أنه فقد البوصلة ولم يعد يفرق بين التقدم الحضاري المنتج والتخلف الحضاري المستهلك وغير قادر على انتاج المعرفة .. ظل محدثي يفاخر بما يراه هناك وليته اكتفى بذلك ولكن استخدم ذلك النموذج لينعي على انسان السودان تخلفه عن ذلك مرددا فرية الكسل المعروفة .. وكل من له عقل لا بد ان يعرف انه في مثل هذا الموقف لا يمكن وضع تلك المظاهر جزافا في مكان التقدم والحضارة وانما في الواقع ما هي إلا كيانات رملية مستوردة مزروعة غصبا في سياق بعيد عن بيئتها الاصلية .. لذلك تظل مهددة بالانهيار من اول اختبار حقيقي .. 

أما السودان فإنه يظل دائما مؤهلا بما لديه من إمكانيات لإفراز وسط كل هذه التحديات قيادة رشيدة ذات رؤى نافذة لتنتج وطنا معافى بعد أن تحتل مكان هذه الطفيليات التي ظلت جاثمة على صدر الوطن زمنا طويلا .. 

إن السودان وفي وسط احداث ثورة عظيمة ما زال يمتاز بموارد بشرية وطبيعية تؤهله أن يقيم نهضة حضارية مكتملة الأركان والابعاد مادية ومعنوية خلافا لنهضة كسيحة تحلق بجناح واحد تحمل بذور فنائها بين جنبيها ..

[email protected]

 

 

تعليق واحد

  1. وكيف نقيم نهضة حضارية وكل واحد فيكم شايت خارج المرمى.. أين هي الدعوة لصون الوحدة الوطنية والاهتمام بما يجمعنا وترك ما يفرق بيننا.. انا شايف كل واحد معجب برأيه وناكر بل صام أذنيه عن سماع الرأي الأخ…تابي الرماح إذا اجتمعنا تكسرا واذا افترقن تكسرت احادا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..