كنبة شكرا

وهي معلومة بالضرورة للجميع وان أطلق عليها البعض اسماء أخرى ..تلك المقاعد التي تقبع في اخر الحافلة او البص ..سميت (شكرا ) لانه وفي ذلك الزمن الجميل …كان الجالس عليها غالبا ما يجد من يتعرف عليها من الركاب اللاحقين ويدفع له عن طيب خاطر ثمن التذكرة ..ومن ثم يشير الى الشخص المحظوظ ..ويقول مخاطبا الكمساري (الزول داك خالص ..ما تشيل منو).. لنا مع كنبة شكرا قصص وحكايات ..ومن منا ليس له تلك الذكريات ؟؟
كان العام الدراسي في بدايته ..لم نتمكن من الاتفاق مع سيارة للترحيل من عطبرة الثانوية بنات ..حيث تقبع المدرسة تحت الكبري في مدخل مدينة عطبرة ..الى منازلنا في حي الحصايا الشرق .وتلك مسافة طويلة …ذلك اليوم كان ساخنا ..الشمس على بعد مترين من الرؤوس ..والعرق يتصبب من الجميع ..لم نجد انا وصديقتي الراحلة (عفاف) من يقلنا ..وكان علينا اخذ الامر من (قصيرو) ..شرعنا في المشي (الكدراي) حتى موقف المواصلات ..عبر الشوارع الطويلة ..شارع كسلا ..ثم الانعطاف عبر شارع السوق ..حتى وصلنا بعد جهد وتعب كبيرين الى موقف (حاج الريح) حيث تتجمع مواصلات الحصايا والشرقي..عندها سألتها (القروش المعاك بتكفينا الاتنين ؟ وللا عندك حقك بس؟)..نظرت الي بدهشة (ما تقولي لي ما عندك قروش مواصلات لينا الاتنين؟) ..
اتضح ان كل واحدة كانت تعتقد ان الاخرى تحمل مبلغا كافيا للمواصلات ..قلت لها (نعمل شنو هسه ؟ ما بنقدر نمشي كداري كمان للحصايا) ..قالت (تعالي نركب في كنبة شكرا ..اكيد حيجي زول من جيرانا وللا واحد من اهلنا يدفع لينا ) ..كانت متوكلة وكنت متوجسة..لكننا ركبنا و(تحكرنا) في المقاعد ..وكأننا نحمل في الحقائب ثمن الرحلة ..ظلت اعيينا معلقة بباب الحافلة …عسى ان يطل علينا وجها مألوفا ..نفرح له ..لكن الزمن مر ..والمقاعد بدأت في الامتلاء ..ولم يظهر احد ..راكب تلو الاخر ..ضاحكة مالت علي وقالت (انت متاكدة نحن ركبنا بص الحصايا؟) ..تعجبت حينها من ذلك الهدوء الذي كان يكسو ملامحها (يا زولة ما عرفنا اي واحد ومن الناس ديل ..خلينا ننزل بدل الاحراج ..ونمشي كداري)..لكنها رفضت وقالت (لما يجي الكمساري ..نقول ليهو ما عندنا ..بنجيب ليك القروش بكرة …وهم حيمشوا وين ..ما كل يوم قاعدين)
(كيف يعني ؟؟) ..هزت كتفيها بلا مبالاة ..واستمرت في جلستها بذات الهدوء ..اما انا فقد بلغ بي القلق مبلغا جعلني اجلس متأهبة في أي لحظة للنزول ..تحركت الحافلة ..وبدا الكمساي في تحصيل مبلغ التذكرة ..وكلما أقترب خطوة ..خيل الي انني استمع الى دقات قلبي ..واتخيل المشهد باكمله ..هل يتفهم ؟ ام يصيح فينا (ما عندكم قروش قاعدات كمان في كراسي ليه؟) ..اقترب الكمساري ..همست لها (عفاف ..الله يهديك ..ننزل في محطة بيرم ونواصل كداري)..لم ترد ..كانت ملامها توحي بأنها واثقة بان هناك حلا ما سيظهر فجأة ..عندما وصل الكمساري المقاعد الأخيرة ..مد الرجل الذي يجلس بجانبها يده بمبلغ (جنيه) وقال بصوت عميق (تلاتة) وأشار ناحيتنا انا وصديقتي ..لا استطيع ان اوصف وقع كلمة (تلاتة) تلك ..نزلن بردا وسلاما علينا ..ولمعت اعيننا بعدد لا متناهي من القلوب الصغيرة ..قلنا له في صوت واحد (شكرا).
همهم بكلمات اظنها (لا شكر على واجب) ..وترجل عن الحافلة في محطة أيوب ..عندها التفت الى صديقتي قائلة (شكلو بعرفك يا عفاف ..بكون جاركم لانو قريب من محطتكم)..هزت رأسها نافية (والله انا قلت قريبك لانو بيشبه الحلفاويين اهلك) ..لم نعرف له اسما ولا قبيلة ..كان سوداني سمع حوارنا وعلم أننا في مأزق ..فلم يتردد في المساعدة …..ربما لم يعرف حجم المأزق الذي اخرجنا منه في ذلك اليوم العصيب ..ووقانا شر الاحراج والترجل عن الحافلة ..فيا ذلك الرجل الغريب ..مرة اخرى وبعد كل هذه السنوات (شكرا )
الجريدة

تعليق واحد

  1. الناس كلاب ٌ سعرانة تتجابد لحماً ورغيفاً تتجرسُ برداً وسخانة لا شئ هنالك يرضيها فإذا ما الحاضر ارّقها حنّت لمشاكل ماضيها

  2. الناس كلاب ٌ سعرانة تتجابد لحماً ورغيفاً تتجرسُ برداً وسخانة لا شئ هنالك يرضيها فإذا ما الحاضر ارّقها حنّت لمشاكل ماضيها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..